عوائق دراسية... معاناة التلاميذ السوريين في لبنان مع التعليم المدمج

04 نوفمبر 2020
عام دراسي مختلف جداً هذه المرة (إبراهيم شلهوب/ فرانس برس)
+ الخط -

غياب أجهزة الكومبيوتر وامتلاك العائلة بأكملها هاتفاً ذكياً واحداً من عوائق عملية تعليم التلاميذ السوريين في لبنان، إلى جانب عوائق أخرى، مع اعتماد وزارة التربية على التعليم المدمج 

لا يختلف مصير التلاميذ من أبناء اللاجئين السوريين عن أقرانهم اللبنانيين في غموض العام الدراسي وهاجس الأهالي من انتشار فيروس كورونا الجديد بين صفوف أبنائهم، لا سيّما أنّ عددهم تخطّى العام الماضي نصف عدد التلاميذ اللبنانيين. القلق والخوف نفسهما لكنّ المعاناة مضاعفة، إذ إنّ معظمهم يقطنون في مخيماتٍ تنعدم فيها الكهرباء وشبكة الإنترنت، ولا يمتلكون وسيلةً للتعلّم عن بُعد سوى هواتف ذويهم، إن وجدت، مع عدم توفر أيّ كومبيوتر أو أجهزة إلكترونية مساندة للعملية التعليمية، في ظلّ عدم تمخّض أيّ نتيجة عن المساعي الرامية إلى تأمين هذه الأجهزة لهم حتى اليوم، وفي ظل فضيحة وجود 8 آلاف كمبيوتر محمول مخصّص للمدارس الرسمية في المستودعات منذ نحو سنتين ونصف السنة، والتي وعد وزير التربية والتعليم العالي في حكومة تصريف الأعمال طارق المجذوب أواخر شهر أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، بأنها "ستكون في المدارس والصفوف الأسبوع المقبل".

لجوء واغتراب
التحديثات الحية

ومن منطلق شمولهم كاللّبنانيّين بقرار وزارة التربية والتعليم العالي لناحية اتّباع التعليم المدمج والتحاقهم تدريجياً بالمدارس الرسمية، بدأ التلاميذ السوريون في الصف التاسع الأساسي دوامهم المعتاد في فترة بعد الظهر في 15 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، في حين التحق تلاميذ السابع والثامن الأساسيين في التاسع والعشرين من الشهر الماضي، ويُنتظر أن يلتحق صفوف الحلقتين الأولى والثانية (من الأول إلى السادس الأساسي) يوم غد الخميس، في حين اكتمل التحاق التلامذة اللبنانيين وسط مناشدات الأهالي لوقف العودة "الجريمة" في ظل ارتفاع عدّاد الإصابات بالفيروس في لبنان.

أكبر العوائق
ووفق مديرة وحدة إدارة ومتابعة برنامج التعليم الشامل في وزارة التربية والتعليم العالي، صونيا خوري، فإنّ "عدد التلاميذ غير اللبنانيّين في المدارس الرسمية ضمن دوام بعد الظهر قارب العام الماضي 149 ألف تلميذ، 99 في المائة منهم من الجنسية السورية. أمّا ضمن دوام قبل الظهر فقد بلغ نحو 49 ألف تلميذ، غالبيتهم من الجنسيتين السورية والفلسطينية وبعض العراقيّين وجنسياتٍ أخرى، في حين قارب عدد التلاميذ اللبنانيّين نحو 231 ألفاً". وتقول خوري: "هناك بلبلة وخوف لدى أهالي التلاميذ السوريين، سواء بالنسبة لانتقال عدوى كورونا أو بالنسبة لمصير أبنائهم التعليمي، خصوصاً أنّ المشاكل أكبر لدى السوريين لعدم امتلاكهم أجهزة كافية لكلّ أفراد العائلة تضمن التواصل بينهم وبين المدرسة، وهذا ما يخيفنا. وقد تبيّن مؤخراً في دراسة ليونيسف، شاركنا في تحليلها، أنّ العائلة الواحدة تمتلك جهازاً واحداً، هو الهاتف، غير أنّه وفي أغلب الأوقات يكون بحوزة ولي الأمر الذي يكون عادةً في عمله. وهذا يُعدّ من العوائق أمام اللاجئين، إلى جانب عدم توافر الكهرباء والإنترنت".
وإذ تلفت إلى أنّ "وزير التربية يتابع شخصياً كيفيّة تأمين الأجهزة الإلكترونية والتقنية اللازمة" تؤكّد لـ"العربي الجديد" أنّه لا عِلم لها بالتفاصيل، ولا إذا كان تأمينها يتمّ عبر منظمة الأمم المتحدة للطفولة "يونيسف" أو المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين. وتضيف: "حتى لو تعثّر تأمين الأجهزة المطلوبة، فالتعليم سيكون مدمجاً، إذ تُعطى غالبية الدروس في الأسبوع الحضوري، ويُخصّص أسبوع التعلّم عن بُعد فقط للمتابعة وتمكين التلاميذ عبر فروضٍ دراسية وواجباتٍ منزلية، سواء عن طريق مستندات وأوراق يُزوّدون بها في اليوم الأخير من كلّ أسبوع حضوري، أو تُرسل عبر تطبيق واتساب أو زوم أو غيرهما، إذ تُترك للمدرسة صلاحية اختيار السيناريو الأنسب الذي يراعي العوائق المختلفة التي تمنع كلّ تلميذ من متابعة دروسه". وتشدّد خوري على أنّ "الفترة عصيبة على الجميع، اجتماعيّاً واقتصاديّاً وصحيّاً، لذلك لن يكون العام الدراسي سهلاً على التلاميذ اللاجئين، لكنّ هذا لا يعني استحالته أو عدم قابليّته للتطبيق. كما أنّنا نحاول قدر الإمكان ضمان جودة التعليم وتطبيق الإجراءات الكفيلة بذلك في دوام بعد الظهر، تماماً كما نفعل في دوام قبل الظهر للتلاميذ اللبنانيين، لكنّ العوائق أكثر لدى التلاميذ السوريين، في ظل عدم تمكن الأهل من متابعة أبنائهم أكاديمياً. لذلك، كان خيار التعليم المدمج، وتمّ كذلك تقليص المنهج الدراسي إلى النصف، أسوة باللبنانيين، ولم يعد هناك من داعٍ لثلاثين أسبوعاً كما كلّ عام لإنهاء المنهج الدراسي".

الصورة

جهاز واحد لكلّ أفراد العائلة
في السياق، يوضح معنيّون ببرنامج التعليم لدى منظمة "يونيسف" أنّ "مدارس اللاجئين السوريين جزء من نظام التعليم الرسمي في لبنان، تنطبق عليها القرارات الصادرة عن وزارة التربية اللبنانية. ووفقاً لذلك، سيتبع الجميع، بمن فيهم تلاميذ فترة ما بعد الظهر، التعليم المدمج، الذي يقسّم التلاميذ إلى مجموعتين، لضمان حضور 50 في المائة منهم كحدّ أقصى في كلّ أسبوع، على أن يتابع النصف الآخر تعليمه عن بعد، والعكس صحيح في الأسبوع التالي".
وعن مدى تأمين أجهزة الكومبيوتر وغيرها للتلاميذ والمعلّمين، يقول المعنيون لـ"العربي الجديد": "تسعى يونيسف بالتعاون مع وزارة التربية اللبنانية والمجتمع الدولي إلى تجهيز المدارس الرسمية بوسائل وتقنيات تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، كأولويّة حيويّة، ليس فقط لضمان مسار التعلّم عن بُعد لجميع التلاميذ بغض النظر عن وضعهم أو جنسيتهم، أو لتدريب المعلّمين، إنّما أيضاً كمبادرة طويلة الأمد لترسيخ مفهوم التعلّم من خلال تقنيات متطوّرة تلبّي الأهداف المرجوّة منها، وتطاول كذلك التلاميذ الأكثر حاجة من اللبنانيين وجنسياتٍ أخرى، كجزءٍ من خطة وزارة التربية للتعلّم عن بُعد".

وكان برنامج التعليم في "يونيسف" قد أنجز في إبريل/ نيسان الماضي تقييماً سريعاً لجاهزيّة التعلّم (LeaRA) لتحديد مدى جهوزيّة الأهالي والتلاميذ في صفوف اللاجئين والمجتمعات المضيفة، سواءً لناحية متابعة عمليّة التعلم أو إمكانيّة الوصول إلى الإنترنت والأجهزة والتقنيات المطلوبة، في ضوء جائحة كورونا، وتعثّر فرص التعلّم المنتظمة. ووفق المعنيّين فقد "جرى مسح نحو 10 آلاف أسرة وأكثر من 47 ألف طفل مسجّلين في برامج التعليم غير الرسمي (80 في المائة) أو في برامج دعم الاستبقاء المرتبطة بالتعليم الرسمي (20 في المائة). وأظهرت النتائج أنّ 96 في المائة من العائلات السورية المشمولة بالمسح تمتلك هاتفاً ذكيّاً واحداً، ما يعني أنّ كلّ أسرة تمتلك هاتفاً ذكيّاً كمعدّل وسطي، مع انعدام القدرة تقريباً على امتلاك أجهزة إلكترونيّة أخرى".
ويؤكّد المعنيّون أنّ "الدور الأساس ليونيسف يكمن في تمويل رسوم تسجيل التلاميذ في التعليم الأساسي للمدارس الرسمية (من الروضة حتى الصف التاسع) في الفترتين الصباحية والمسائية، وتوفير الإمدادات اللازمة ودعم تكاليف النقل والوقود"، مشيرين إلى أنّ المنظمة "تقدّم اليوم كمّامات لجميع التلاميذ والعاملين في المدارس الرسمية ومؤسّسات التعليم والتدريب التقني والمهني الرسمية، بالإضافة إلى موازين الحرارة ومواد النظافة والتعقيم. كما ساهمت يونيسف، بالتعاون مع هيئاتٍ ووكالاتٍ أخرى، في تطوير وطباعة البروتوكول الصحي لوزارة التربية. وتحرص كذلك على تطوير بروتوكول الدعم النفسي والاجتماعي: سلامة العودة إلى المدرسة (PSS). كذلك، تدعم أطفال اللاجئين السوريين خارج المدرسة عبر تمويل برامج التعليم غير الرسمي المنفّذة من قبل المنظمات غير الحكومية الشريكة".

الصورة

عام دراسي صعب
وتشدّد المتحدثة الرسمية باسم المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، دلال حرب، على أنّ "العام الدراسي الحالي عامٌ صعب، ونحن نعي تماماً صعوبة وصول التلاميذ اللاجئين إلى الوسائل المطلوبة لتلقّي التعلّم عن بُعد، وهو أمر يجب النظر به والمساعدة بالطريقة الفضلى من أجل تحقيق إمكانيّة الوصول إلى التعلّم وضمان جودة التعليم". وتقول لـ"العربي الجديد": "أولويّات المفوضيّة لعام 2020/ 2021 الحرص على أن تلحظ أيّ استراتيجية تعلّم مجمل المصاعب التي تواجه التلاميذ اللاجئين، لا سيّما في ظل الأزمة الاقتصادية اللبنانية وظروفهم المعيشيّة وجائحة كورونا، وذلك تفادياً لتسرّبهم من المدارس، وبالتالي معالجة الأسباب التي قد تؤدّي لذلك". وتشير حرب إلى أنّ "المفوضية تعمل على تقييم الحاجات، وتسعى مع الجهات المانحة إلى تأمين أجهزة إلكترونية كافية للتلاميذ اللاجئين وباقات إنترنت، خصوصاً في ظل حيازة العائلة اللاجئة على جهاز ذكي واحد، ما يعيق العملية التعليمية عن بُعد لدى العائلات المؤلّفة من أكثر من فرد" مضيفةً: "نحرص كذلك على تأمين الوقود لمدارس فترة بعد الظهر، لا سيّما تلك الواقعة في المناطق الباردة".

من جهته، يعتبر ماجد البرشة، اللاجئ السوري الناشط في الشأن التربوي، أنّ "المصير التعليمي لأطفال السوريّين ليس مهدّداً فحسب، إنّما متضرّر منذ سنوات نتيجة عوامل إدارية واجتماعية، وربّما سياسية، غير أنّ الحل يبدأ بتشخيصٍ سليمٍ للمشكلة والاعتراف بوجود أزمة حقيقيّة في تعليم الأطفال السوريين، وإشراك مجتمع اللاجئين وكذلك التلاميذ في وضع الحلول، وهذا ما تنصّ عليه الاتفاقيات الدولية، وأهمها اتفاقية حقوق الطفل عام 1989 التي تشدّد على مبدأ تكافؤ الفرص لجميع الأطفال وحقهم في التعبير عن آرائهم". ويقول لـ"العربي الجديد": "تلاميذ اللاجئين السوريّين ينحدرون من عائلات فقيرة، بالكاد تستطيع تأمين قوتها اليومي، فضلاً عن نفقات الصحة والسكن، فكيف ستمتلك الأجهزة الإلكترونية المطلوبة لإتمام عمليّة التعلّم عن بُعد ولضمان تعليم ذي جودة ومصداقية؟!". يكشف أنّ "التلاميذ السوريّين يعانون منذ العام الماضي، نتيجة الاضطرابات السياسية وإضراب المعلّمين، إذ لم تتعدَّ فترة دوامهم 30 في المائة من مجمل العام الدراسي". ويتابع البرشة: "هذه السنة، تبدو الأمور أشد وطأة، نتيجة الكارثة الاقتصادية والصحية في لبنان، ما يفاقم من قلق الأهالي حول المستقبل التعليمي لأبنائهم، بالإضافة إلى هواجس سابقة تتعلّق بجودة التعليم والانتهاكات الحاصلة بحق أطفالهم في المدارس من تصرفاتٍ عنصرية وتعنيفٍ وضربٍ". ويضيف: "لا يمكن أن نغفل المشاكل المزمنة للمدارس الرسمية، والتي دفعت اللبنانيين أنفسهم على مر السنوات، إلى تسجيل أطفالهم في مدارس خاصة. كما أنّ ما يثير مخاوف الأهالي السوريّين عدم إشراكهم في لجان الأهل بشكل فعّال، ما يقصيهم عن الجو التعليمي، علماً أنّ عدد التلاميذ السوريين في لبنان عددٌ هائلٌ لا يُستهان به".