مع عقد النظام السوري مؤتمراً دولياً لعودة اللاجئين السوريين (إلى مناطقهم) في 11 و12 نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، أعلن محافظ ريف دمشق السابق علاء إبراهيم، وهو زوج ابنة خالة رئيس النظام بشار الأسد، والذي أُقيل عقب تصريحاته، بداية الشهر الجاري، أن عودة اللاجئين تحتاج إلى رأسمال كبير. كما أنّ العائدين لن يرجعوا إلى مناطقهم مباشرة، بل إلى وحدات تجمع عدة، مثل الوحدات في حرجلة وعدرا (وهي مخيمات استخدمت في وقت سابق للخارجين من مناطق التسويات في دمشق وريفها)، إلى حين انتهاء المحافظة من تجهيز البنى التحتية لمناطقهم بشكل كامل، معرباً عن أمله في أن يحقق المؤتمر دعماً مادياً للإسهام في إعادة البنى التحتية إلى "المناطق التي دمرها الإرهاب".
ويسعى النظام السوري إلى تسويق نفسه كصاحب حل لأزمة اللاجئين السوريين، على الرغم من أنه عاجز عن تأمين الاحتياجات الرئيسية لمن بقي من سوريين في مناطق سيطرته. وينتظر مئات الآلاف، منذ أكثر من عامين، العودة إلى المناطق التي فرض عليها سيطرته بدعم روسي في دمشق وريف دمشق وحمص وحلب وغيرها من المناطق، بحجة عدم توفر البنى التحتية.
ولم يفوت الأسد الفرصة، خلال افتتاحه المؤتمر، ورغم غياب الدول الفاعلة في قضية اللاجئين، ليربط ما بين اللاجئين وكلفة عودتهم ومحاربة الإرهاب، قائلاً عبر الشاشة: "نواجه اليوم قضية مركبة من ثلاثة عناصر مترابطة؛ ملايين اللاجئين الراغبين في العودة، ومئات المليارات هي كلفة البنى التحتية المدمرة والتي بنيت خلال عقود، وإرهاب ما زال يعبث في بعض المناطق".
دعوات النظام هذه أثارت سخرية عبد الرحمن خ.، المهجر من ريف دمشق. يقول لـ"العربي الجديد": "النظام هو من هجرنا من خلال تدمير منازلنا وجعل مناطقنا غير صالحة للسكن، ثم فصلنا من وظائفنا، وحولنا إلى محاكم الإرهاب، فقط لأننا طالبنا بحقوقنا، وهذه هي النقطة الرئيسية قبل المنزل والعمل". ويسأل: "لماذا قد نفكر بالعودة؟ من السذاجة الاعتقاد بأن غالبية اللاجئين خرجوا بحثاً عن منزل أو عمل"، موضحاً أن الناس خرجت لأنها فقدت الأمان، وقد هددت بالاعتقال والتغييب لأن آراءها لا تتوافق مع النظام، أو لأنها تعارض هيمنة النظام على الدولة".
من جهته، يقول مجدي فهد (30 عاماً) أنه "يتوجب على النظام العمل على إقناع الشباب البقاء في البلاد، هم الذين يحلمون باللجوء إلى إحدى الدول الأوروبية أو كندا أو أستراليا". يضيف: "أعرف أشخاصاً يعيشون في مناطق آمنة، باعوا أملاكهم بعشرات الملايين، وتوجهوا إلى إحدى دول اللجوء للعيش فيها بأمان. في سورية، لا أحد يعيش بأمان بغض النظر عن المال. وهناك من ينتظر انتهاء أزمة تفشي وباء كورونا لاستئناف محاولات السفر".
إلى ذلك، يقول الناشط الإعلامي في محافظة درعا عقبة زوراني، لـ "العربي الجديد"، إن "الغالبية الساحقة من اللاجئين لا يمكن أن تصدق أو يكون لديها ثقة بتلك الدعوات، في حين قد يعود بعض اللاجئين البسطاء من لبنان، وغالبيتهم من النساء والأطفال، بسبب الفقر وغياب المساعدات".
ويسأل: "إلى أين سيعود اللاجئون؟ النظام ليس لديه أي من مقومات الحياة الكريمة، عدا عن القبضة الأمنية والترهيب والنيل من كل من يناهض النظام، منتهكاً حتى القوانين السورية التي وضعها على قياسه ولحماية نفسه"، مشيراً إلى مشاركته في الحملة الواسعة الرافضة للعودة عقب مؤتمر اللاجئين الذي عقده النظام. يضيف أن "السوريين يعلمون ماذا يحدث في درعا وريف دمشق من انتهاكات وأعمال انتقامية بحق المدنيين الذي ما زالوا في تلك المناطق، فقط لأنهم خرجوا يطالبون بالحرية والكرامة خلال السنوات الماضية، وكيف أن الأجهزة الأمنية ضربت بعرض الحائط ما سمي بالتسوية وراحت تعتقل المدنيين وتغتال الشخصيات الفاعلة اجتماعياً، غير الموالية لها".
ويرى أن "هناك عوامل أخرى تمنع عودة اللاجئين، وهي الصراعات العشائرية، التي يعمل النظام على تغذيتها. وهناك جرائم قتل وانتهاكات وقعت ولم تُحل بسبب عدم وجود قضاء فاعل. واليوم، هناك مجرمين التحقوا بالفروع الأمنية ما أعطاهم غطاء أمنياً لأفعالهم غير القانونية، الأمر الذي يثير مشاكل مجتمعية كبيرة".
من جهته، يقول مدير الشبكة "السورية لحقوق الانسان" فضل عبد الغني، في حديثه لـ"العربي الجديد"، إن "هذه الدعوات أتت نتيجة أوامر روسية، علماً أن النظام لا يرغب بعودة اللاجئين أو حتى النازحين. فكيف يرغب في عودتهم وهو من هجرهم؟ واليوم، يقوم بممارسات تدفع إلى تهجير من بقي من السوريين، ويعرقل عودة اللاجئين". ويرى أن "هدف روسيا من وراء تلك الدعوات هو ممارسة ضغوط على أحزاب ودول أوروبية لديها حساسية من قضية اللاجئين، أي فُرضَ عليها القبول بالنظام والتفاوض معه، في مقابل تخليصها من اللاجئين. كما قد يكون اللاجئون ورقة ضغط من خلال المفاوضات السياسية لتخفيف العقوبات والمساومة على ملفات أخرى".
ويسأل: "لماذا نطلب من اللاجئين في دول الغرب العودة، ولدينا أكثر من مليوني نازح في شمال غرب سورية لم يستطع النظام إقناعهم بالعودة إلى مناطقهم التي يسيطر عليها؟ أكثر من ذلك، فإنه يسمح بالنهب المنظم للمناطق السكنية لتعقيد عودتهم، وقد وثقنا العديد من الانتهاكات بحق من عادوا من اعتقال واختفاء قسري، ونحن على يقين بأنهم يتعرضون للتعذيب، ومن ثم يتم تجنيدهم قسراً ضمن قواته".
النظام هو من هجرنا عبر تدمير منازلنا وجعل مناطقنا غير صالحة للسكن
ويؤكد عبد الغني أن "المناطق التي دمرها النظام وهجر أهلها رغم سيطرته عليها منذ سنوات، ما زالت مدمرة ولا يسعى حتى إلى تأهيلها بشكل جدي، فهو يريد أن يدمّر ويحمل المجتمع الدولي كلفة إعادة إعمارها"، لافتاً إلى أن من أهم عقبات عودة اللاجئين هي بقاء الأجهزة القمعية بذات الأدوات والعقلية.
من جهته، يرى المحلل الاستراتيجي فايز الأسمر أن "عودة اللاجئين مرتبطة بزوال سبب لجوئهم وهو النظام"، متسائلاً: "كيف سيعودون إلى مناطقهم المدمرة وخطر الاعتقال والتغييب قائم؟ النظام اليوم غير قادر على تقديم الخدمات لحاضنته فكيف لملايين اللاجئين؟". ويقول إن "النظام والروس يريدون إعادتهم قبل الانتخابات الرئاسية المزمع إجراؤها العام المقبل لكسب أصواتهم تحت التهديد، إضافة إلى إعادة الإعمار".
بدوره، يقول وزير الاقتصاد في الحكومة المؤقتة التابعة للائتلاف الوطني المعارض، عبد الحكيم المصري، لـ "العربي الجديد": "النظام يحاول الادعاء بأن سورية أصبحت بيئة آمنة تمهيداً لمحاولة إجراء الانتخابات. إلا أن زيف هذه الادعاءات يسقط في ظل وجود المعتقلين في سجونه، والاستمرار في سياسة الاعتقال بشكل شبه يومي".
وحول جدية النظام بالعمل على إعادة اللاجئين، يقول إن "النظام لا يكترث لعودة اللاجئين، وما يعنيه هو إيهام المجتمع الدولي بأنه مستعد لاستقبالهم. لكن كان هذا بالتزامن مع وجود أزمات معيشية خانقة عدة، منها أزمة نقص الخبز والوقود والمازوت والغاز. وفي الوقت الحالي، هناك معلومات عن توقف الشركات الروسية عن توريد القمح نتيجة عدم توفر سيولة للدفع". ويرى أن "النظام يحاول تحريك ملف إعادة الإعمار في ظل انهياره الاقتصادي، إلا أن هذا الملف مرتبط بالعامل الأمني وعودة اللاجئين من خلال وجود بيئة آمنة ومحايدة، والأمر يحتاج إلى حل سياسي بحسب القرار الأممي رقم 2254".
ويلفت إلى أن "السوريين الموالين للنظام يتمنون الخلاص والخروج من سورية من جراء تدهور الوضع الاقتصادي"، لافتاً إلى أن "النظام يستثمر على ثلاثة مسارات؛ الأول هو الحصول على تمويل لإعادة الإعمار، والثاني هو محاولة خداع المجتمع الدولي بأن في سورية بيئة آمنة لإجراء انتخابات، وأخيراً العمل على تعطيل الحل السياسي وحوار جنيف الدستوري".
يشار إلى أنه طبقاً لأرقام المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، الصادرة خلال الشهر الجاري، بلغ عدد اللاجئين 5.556.417، يتمركز العدد الأكبر منهم في تركيا، بإجمالي 3.576.344 لاجئاً، في حين بلغ العدد في لبنان نحو 915 ألف لاجئ، ونحو 655 ألفاً في الأردن. وتشير تقارير إعلامية إلى وجود أعداد أكبر من السوريين خارج بلادهم إلا أنهم غير مسجلين كلاجئين.