غابات تونس... تشجير يتحدى تغير المناخ

05 أكتوبر 2024
يسقي أشجار نخيل في واحة بمنطقة الزعفران جنوبي تونس (فتحي بلعيد/ فرانس برس)
+ الخط -

تسعى المنظّمات البيئية التي تعمل على تحسين الغطاء الغابي في تونس، إلى التأقلم مع تغير المناخ في البلاد، من خلال زراعة أشجار مقاومة للعطش. ومنذ نحو ثلاث سنوات، أطلقت منظمات مدنية، بالتنسيق مع دوائر حكومية، مبادرة لغرس 12 مليون شجرة جديدة في تونس على مدى سنوات، بهدف ترميم الغطاء النباتي المتضرر من اشتعال الحرائق خلال الصيف، وسط شح في تساقط الأمطار خلال السنوات الأخيرة.
ويضطر نقص التساقطات المطرية الجهات المبادرة إلى تكثيف الري اليدوي، واختيار الأشجار المقاومة للعطش على غرار الخرّوب والعنّاب. يقول المتحدث باسم شبكة تونس الخضراء (مجموعة جمعيات بيئية) حسام حمدي، إن "حملات التشجير من أجل بلوغ هدف زراعة 12 مليون شجرة تتقدم رغم العوائق المناخية"، مؤكداً أنه "سيعلن قريباً زراعة ناجحة لـ 1.3 مليون شجرة جديدة في البلاد". ويؤكد حمدي، لـ "العربي الجديد"، أن "تغير المناخ خلال السنوات الماضية كان قاسياً، وتُرجم في نقص في الأمطار وارتفاع في درجات الحرارة واشتعال الحرائق، غير أن ذلك لم يقف حاجزاً أمام استمرار مبادرات التشجير".

في المقابل، يؤكد حمدي أن "التحديات المناخية دفعت إلى الاتجاه نحو زراعة الأشجار المكافحة للجفاف، من بينها الخرّوب والعناب، وهي أشجار ذات مردودية اقتصادية عالية"، على حد قوله.
وتتميّز شجرة الخروب بقدرتها على تحمل الجفاف والبرد والرياح القوية، وتنمو في الأراضي الصخرية الوعرة والتربة الرملية الفقيرة، سواء كانت حمضية أو قليلة القلوية (وصف لمقدار السعة الكمّيّة لمحلول مائي كي يعدّل حمضاً) على أن تكون تربتها جيدة التصريف. كما تكتفي شجرة الخروب بمعدل 30 مليمتراً من الأمطار السنوية". يضيف: "نقاوم نقص الأمطار بالتعويل على الري التكميلي، ونستعمل الجرارات لري الأشجار الغضة وزيادة حظوظ إنباتها"، مشيراً إلى الكلفة الإضافية التي تخلقها الحاجة المكثفة للري في ظل نقص التساقطات المطرية.
ويرى المتحدث باسم شبكة تونس الخضراء أن "نقص الأمطار والاحتباس الحراري هما النتيجة الطبيعية للسياسات التي انتهكت البيئة، والاستغلال المفرط للثروات الطبيعية". وفقدت البلاد أكثر من 60% من غطائها الغابي خلال الـ 70 عاماً الماضية بسبب الاستغلال المفرط لأراضي الغابات لأغراض زراعية أو عقارية. ويقول حمدي إن "الـ 12 مليون شجرة التي نريد غرسها غير كافية لتجديد الغطاء النباتي والغابي الذي تضرر بسبب عوامل عدة، وفاقم تغير المناخ في البلاد".
وتُوفّر الدوائر الحكومية لتنفيذ مبادرات التشجير أنواعاً مختلفة من الأشجار التي تشكل الغطاء الغابي في تونس، من بينها الصنوبر الحلبي والبندق والأكاسيا والسرو والكلبتوس، وهي أشجار ذات قيمة بيئية واقتصادية. ويوضح حمدي أن "الغطاء النباتي في تونس تضرر كثيراً من جراء الحرائق التي قضت على مساحات واسعة من الغابات، عدا عن تأثيرات الزحف العمراني، والاستغلال المفرط للأشجار في أغراض صناعية، ما أدى إلى تصحر مناطق عدة. وتستعين الجمعية بخبراء لاختيار المناطق الأكثر تضرراً لتشجيرها. 

من حرائق الغابات في تونس (حسن مراد/ Getty)
من حرائق أغسطس 2023 (حسن مراد/ Getty)

ومنطقة الغابات في شمال غرب تونس من أكثر المناطق ثراءً وتنوّعاً لجهة الغطاء النباتي، كما أنها تؤدّي دوراً مهمّاً في التوازن البيئي في المنطقة وتُلقّب بـ "أمازون تونس". وتفيد بيانات المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية بأنّ الغابات تمثّل نحو 34% من مساحة تونس المقدّرة بـ 163 ألفأً و610 كيلومترات مربّعة، وتمتدّ في الشمال الغربي والوسط الغربي، فيما يبلغ عدد سكانها نحو مليون نسمة. أما قيمتها الاقتصادية، فتُقدّر بنحو 932 مليون دينار تونسي (نحو 310 ملايين دولار أميركي).
ويقول حمدي إن مبادرات التشجير لا تعود إلى المناطق المتضررة من الحرائق إلا بعد انقضاء مدة تتراوح ما بين سنتين وثلاث سنوات، إذ يترك المجال للتجدد الطبيعي للغابات، في وقت يتم فيه التركيز على دعم الغطاء النباتي في المناطق التي تعاني من اختلال في التوازن الإيكولوجي نتيجة التدخل البشري المفرط.
وكشفت نتائج المسح الاستقصائي للبنك الأوروبي للاستثمار بشأن المناخ لعام 2022، في نسخته الأفريقية الأولى التي نشرت نتائجها في أعقاب مؤتمر COP27، أن 84% من التونسيين المشاركين في المسح يرون أن تغيّر المناخ يؤثر بالفعل على حياتهم اليومية.
كما بينت النتائج أن 52% من المشمولين بالمسح يعتقدون أن تغيّر المناخ والتدهور البيئي قد أثرا على الدخل ومصادر المعيشة، وتُعزى هذه الخسائر عادة إلى الجفاف الشديد أو ارتفاع منسوب مياه البحر أو تآكل المناطق الساحلية أو الأحوال الجوية بالغة الشدة، كالفيضانات أو الأعاصير.

وهذا العام، كانت حرائق غابات تونس أقلّ حدّة مقارنة بما كانت عليه في الأعوام الأخيرة، فلم تتجاوز المساحات التي التهمتها النيران 297 هكتاراً في الفترة الممتدّة من يناير/ كانون الثاني 2024 وحتى 13 أغسطس/ آب الماضي، في حين أنّ 1798 هكتاراً كانت قد تضرّرت جرّاء الحرائق في الفترة نفسها من عام 2023.
وكان حريق ملولة (2023) من بين الأعنف في الأعوام الأخيرة، إذ طاولت النيران أكثر من 1500 هكتار وفقاً لتقديرات الناشطين في المجتمع المدني حينها. وحرائق الغابات في صيف تونس الخطر الأكبر الذي يهدّد البلاد، ولا سيّما أنّ مصالح الغابات لم تتمكّن بعد من اكتشاف الأسباب الحقيقية لاندلاع الحرائق التي يُقيّد 90% منها ضدّ مجهول.