استمع إلى الملخص
- **الآثار الاجتماعية والصحية**: تعليق الخدمات يزيد من المخاوف بين الفلسطينيين من تصاعد العمليات العسكرية، ويؤدي إلى تفاقم الظروف المعيشية الصعبة، بما في ذلك ارتفاع معدلات الفقر والبطالة وانعدام الأمن الغذائي وتفشي الأمراض.
- **ردود الفعل الدولية**: وصف إسماعيل الثوابتة القرار بـ"اللطمة" الجديدة، ودعا رامي عبده إلى تدخل دولي عاجل لإدخال المساعدات ووقف الحرب، مشيراً إلى أن السياسات الإسرائيلية تهدف إلى تضييق الخناق على الفلسطينيين.
قرار الأمم المتحدة وقف عملياتها في قطاع غزة قد يكون أشبه بالكارثة في ظل اعتماد الغزيين على المساعدات الشحيحة أصلاً، ليشعر أهالي القطاع بمزيد من التخلي عنهم.
يتخوّف الفلسطينيون من تداعيات قرار الأمم المتحدة تعليق خدماتها في قطاع غزة نتيجة تكرار التهجير وتقليص المناطق الآمنة، في ظل استمرار الاحتلال في حشر المهجّرين في مناطق ضيقة وتكرار التوجيه الإجباري لهم. وجاء القرار الأخير الذي أصدرته الأمم المتحدة بتعليق خدماتها بشكلِ مؤقت ليعزز حالة الضغط التي تعيشها المؤسسات الأممية في القطاع منذ بدء العدوان الإسرائيلي في السابع من أكتوبر/ تشرين الأول الماضي.
وقبل أيام، أعلن مسؤول رفيع المستوى في الأمم المتحدة أنّ المنظمة لا يمكنها الاستمرار في عملياتها في قطاع غزة في الوقت الراهن لأسباب أمنيّة، بما في ذلك أوامر الإخلاء الإسرائيلية التي تُوجّه إلى طواقم الأمم المتحدة في دير البلح، وسط القطاع. لكنّ المسؤول الأممي الذي فضّل عدم الكشف عن هويّته، شدد خلال إحاطة مخصّصة للصحافيين المعتمدين لدى مقرّ الأمم المتحدة في نيويورك، على أنّ هذا "ليس قراراً بوقف عملياتنا، إنما نقول إنه ليس في إمكاننا فعلياً الاستمرار بعملياتنا في الوقت الحالي، لأسباب خارجة عن إرادتنا".
والأمم المتحدة ليست الوكالة الأممية الأولى التي تتخذ قرارات مؤقتة بتعليق الخدمات في القطاع، بل سبقتها منظمة "المطبخ المركزي العالمي"، التي تنشط في أماكن الحروب والنزاعات، على خلفية استهداف عدد من العاملين فيها، ما أدى إلى مقتل أربعة منهم.
وخلال العدوان الإسرائيلي المتواصل على القطاع للشهر الحادي عشر على التوالي، اعتمد فلسطينيو القطاع على الخدمات التي تقدمها الأمم المتحدة، لا سيما المساعدات الغذائية. ويعتمد أكثر من 90% من الأهالي على المساعدات التي تقدمها الجهات الأممية بمختلف الوكالات العاملة في القطاع، في ظل ارتفاع كبير في معدلات الفقر والبطالة وانعدام الأمن الغذائي وتفشي الأمراض والأوبئة.
وخلال الأشهر الماضية، عمد الاحتلال الإسرائيلي إلى التحريض على المؤسسات الأممية، لا سيما وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا)، واصفاً إياها بالإرهاب، وأصدر قوانين في الكنيست لحجب المنظمة وإغلاق مكاتبها في القدس المحتلة.
في هذا الإطار، يقول المهجّر الفلسطيني إسماعيل برهوم إنّ تعليق الأمم المتحدة عملياتها جراء التهجير يعزز حالة الخوف في ظل تصاعد عمليات القصف في مختلف مناطق القطاع. وتكرر تهجير برهوم مرات عدة منذ اجتاح الاحتلال الإسرائيلي مدينة رفح في مايو/ أيار الماضي، وقد هُجّر أكثر من خمس مرات بين منطقة خانيونس ووسط القطاع، قبل أن يستقر في منطقة مواصي خانيونس غرباً.
يضيف برهوم في حديث لـ"العربي الجديد"، أن الأمم المتحدة تشكل بالنسبة للفلسطينيين عاملاً مهماً في هذا العدوان، لا سيما على صعيد الخدمات الإغاثية والطبية في مختلف المناطق التي يوجد فيها المهجرون، ويشير إلى أن هذا القرار يعزز المخاوف من إمكانية تعزيز الاحتلال الإسرائيلي عملياته خلال الأسابيع المقبلة في مختلف المناطق، لا سيما مواصي خانيونس ووسط القطاع في دير البلح والنصيرات والزوايدة.
وتقتصر الخدمات الإنسانية المقدمة لنحو مليوني فلسطيني موجودين في المنطقة الممتدة بين الزوايدة حتى أقصى مواصي خانيونس ورفح على المؤسسات الأممية والوكالات الدولية، في ظل غياب عمل الجهات الحكومية.
أما الفلسطيني محمد أبو عمرة، وهو من مدينة دير البلح، وسط القطاع، فيبدى خوفه من أن يكون القرار تمهيداً لعملية عسكرية واسعة النطاق في المدينة، على غرار ما جرى في بقية مدن القطاع خلال فترة العدوان، ويقول لـ"العربي الجديد"، إن الفلسطينيين بحاجة ماسة لمزيد من التدخلات الإغاثية والمساعدات التي تقدمها المؤسسات الأممية والدولية في ظل شح المواد المتوفرة في الأسواق والأوضاع الصعبة التي يعيشها السكان.
ويشير إلى أن الفلسطينيين باتوا يعتمدون بدرجة أساسية على المساعدات، بالإضافة إلى النقاط الطبية التي تنتشر وتعمل على تقديم الرعاية الأولية البسيطة لمئات آلاف النازحين والأهالي المكدسين في مختلف المناطق، ويلفت إلى أن استمرار الحرب وتقليص الخدمات سينعكس سلباً على الظروف المعيشية للأهالي بشكل عام، وسيلحق بهم المزيد من الضرر في ظل حالة الحصار وعدم توفر مصادر دخل ومواد أساسية للمهجرين.
في المقابل، أعلنت وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا)، استمرارها في تقديم خدماتها، وتقول: "رغم أن الظروف المحيطة بالعمليات الإنسانية التي تقدمها المنظمات الإنسانية، وخصوصاً أونروا، أصبحت تجعل العمل الإنساني شبه مستحيل، إلا أن الأخيرة تتمسك باستمرارية تقديم خدماتها المنقذة للحياة للناس في غزة".
وبحسب بيانات الأونروا الصادرة عنها أخيراً، فإن إجمالي ما يدخل من إمدادات يشكل فقط 10% من احتياجات الناس في غزة، وهي نسبة لا تكفي لتلبية كافة احتياجات السكان في ظل تكرار حالة النزوح وتقليص المساحة المسماة بالآمنة.
إلى ذلك، يقول مدير المكتب الإعلامي الحكومي في غزة إسماعيل الثوابتة إن قرار الأمم المتحدة جاء في ظل حرب التجويع والإبادة التي يشنها الاحتلال الإسرائيلي على القطاع للشهر الحادي عشر على التوالي. يضيف الثوابتة متحدثاً لـ"العربي الجديد"، أن القرار يتزامن مع استمرار إغلاق معبر رفح منذ أكثر من 110 أيام على التوالي، ما انعكس سلباً على تقديم المساعدات وتدفق البضائع والسلع التي يحتاجها السكان.
ويصف مدير المكتب الإعلامي الحكومي إسماعيل الثوابتة القرار الأخير الصادر عن الأمم المتحدة بتعليق خدماتها بـ"اللطمة" الجديدة، خصوصاً في منطقة دير البلح، بعدما أخلى الاحتلال الإسرائيلي مناطق سكنية بالكامل، وضغط على المواطنين للخروج من منازلهم.
وبحسب الثوابتة، فإن الاحتلال يسعى بكل ما استطاع من قوة لإيقاف جميع الجهات التي تقدم المساعدات والخدمات وإخراج عملها عن الخدمة بشكل تام في إطار الضغط على المواطنين، لا سيما بعد تقليص المساحات الإنسانية، ويلفت إلى أن الاحتلال قلص المساحات التي يزعم أنها إنسانية لأقل من عشر مساحة قطاع غزة، ثم دعا السكان البالغ عددهم نحو 1.7 مليون نسمة، غالبيتهم من المهجرين، للجوء إلى هذه المنطقة، ما يعكس رغبته في تكديس الناس في منطقة مضغوطة.
ويدين الثوابتة السياسات الإسرائيلية المتعلقة بالضغط على المؤسسات الدولية والأممية من أجل وقف خدماتها وجعلها عاجزة عن القيام بدورها حيال السكان، في ظل استمرار العدوان الإسرائيلي منذ السابع من أكتوبر/ تشرين الأول 2023.
ويحمّل الثوابتة الاحتلال الإسرائيلي والإدارة الأميركية المسؤولية عما يجري حالياً من ضغط على السكان والمؤسسات الدولية من أجل وقف خدماتها، ما يتطلب تدخلاً دولياً عاجلاً يسمح بإدخال المساعدات ويوقف الحرب.
وأدت سياسة التجويع التي يرتكبها الاحتلال الإسرائيلي بحق سكان القطاع إلى استشهاد نحو 40 فلسطينياً، وتمكنت الجهات الرسمية والحقوقية من توثيقها، فيما هناك عشرات الحالات التي لم يتم التمكن من توثيقها بشكل رسمي. ويقول رئيس المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان رامي عبده إن مثل هذه الإعلانات الصادرة عن الأمم المتحدة تمثل خذلاناً للمدنيين الذين ليس لديهم ملجأ يتوجهون إليه إلا الأمم المتحدة والمنظمات التابعة لها.
ويشدد عبده في حديثه لـ"العربي الجديد"، على أن هناك مشاعر تتعاظم لدى السكان أن الأمم المتحدة تتخلّى عن دورها طوعاً من دون أن تمارس ضغوطاً حقيقية على الجيش الإسرائيلي والاحتلال بمختلف مؤسساته، ويوضح أن هناك اعتقاداًب لدى السكان أن هذه المنظمات لا تتبع الآليات المطلوبة لفضح الاحتلال وجرائمه أو محاسبة إسرائيل على ما تقوم به من تضييق الخناق على عمل المؤسسات الأممية والدولية.
ويلفت عبده إلى أن ما جرى مع الأونروا من قبل الاحتلال أدى إلى تكرار الأمر نفسه مع بقية هذه الوكالات والمنظمات الأممية، ومارس المزيد من الضغط عليها.
بالإضافة إلى المساعدات الإنسانية والغذائية، فإن المهجرين عادة ما ينصبون خيامهم في المناطق التي توجد فيها هذه المنظمات الدولية والأممية أو يأتون إليها، على اعتبار أن لها حصانة خاصة في التعامل. وخلال الفترة الأخيرة، قلص الاحتلال الإسرائيلي المساحة الإنسانية في القطاع من 220 كيلومتراً مربعاً إلى 34 كيلومتراً مربعاً فقط، ما ضيق الخناق على الفلسطينيين وسط انتشار الأمراض والأوبئة.