جدّد الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريس، دعوته لإنشاء آلية أو هيئة دولية مستقلة جديدة للوقوف على مصير المعتقلين والمفقودين والمخفيين قسريّاً في سورية وتقديم الدعم لعائلاتهم، وحث جميع الدول الأعضاء على التحرّك من أجل تحقيق هذا الهدف.
وجاءت تصريحات غوتيريس خلال جلسة حوار تفاعلي غير رسمية عقدتها الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك، مساء الثلاثاء، لنقاش مسألة تشكيل آلية أو هيئة دولية مستقلة برعاية الأمم المتحدة حول قضية المختفين والمفقودين قسريّاً في سورية، وهو ما كان قد أوصى به تقرير لغوتيريس صادر في أغسطس/ آب الماضي، كما تطالب به منظمات المجتمع المدني السورية، التي عملت على تحريك الملف منذ سنوات. وحضر الجلسة كذلك المفوض السامي للأمم المتحدة لحقوق الإنسان، فولكر تورك، وقدّم مداخلة مطولة حول الموضوع.
ومن المفترض أن يتمحور عمل الآلية حول أمرين؛ الأول "توضيح مصير الأشخاص المفقودين"، والثاني "تقديم الدعم للضحايا والعائلات".
وأعلنت لوكسمبورغ، خلال الجلسة، عن عملها بالتعاون مع مجموعة من الدول على صياغة نص مشروع قرار لتشكيل الآلية وعرضه للتصويت على الجمعية العامة، دون أن تحدد فترة زمنية لذلك، ومن المتوقع أن يتم ذلك خلال الأسابيع أو الأشهر المقبلة.
ردود الفعل الدولية
وعبّر مندوبو عدد من الدول خلال الجلسة، من بينها الولايات المتحدة وفرنسا وبلجيكا والمملكة المتحدة وسويسرا وألمانيا واليابان والبرازيل وكندا وقطر والكويت في مداخلات لهم، كما المجموعات داخل الأمم المتحدة، كالاتحاد الأوروبي، عن دعمهم لتوصيات الأمين العام، وعن ضرورة التحرك في هذا الملف بشكل أسرع، وتشكيل هيئة أو آلية من هذا القبيل دون تسييس وأن تكون إنسانيّة في لبّها.
بيد أنّ ممثلي عدد من الدول، من بينها: روسيا وبيلاروسيا وفنزويلا وكوبا وكوريا الشمالية وإيران والصين، عبروا عن اعتراضهم على تشكيل آلية من هذا القبيل، معتبرين ذلك "تدخلاً في الشؤون الداخلية السورية تحت غطاء حقوق الإنسان، وأنه لن يأتي بنتائج، خاصة أنّ "الحكومة السورية لم تقبل به"، ومن اللافت للانتباه أنّ مندوب النظام السوري لم يحضر الجلسة ولم يقدم أي ممثل عنه مداخلة خلال الجلسة حول الموضوع.
ورداً على أسئلة الصحافيين بعد الاجتماع حول عدم موافقة النظام السوري على تلك الآلية وكيف يمكن أن تحرز أي تقدم دون تعاونه، قال المفوض السامي لحقوق الإنسان: "هذه ليست آلية محاسبة وإنما هيئة إنسانية بحتة استجابة لما سمعناه ولسنوات حول مصير المفقودين".
وأضاف تورك: "لقد أجريت محادثات مع السلطات السورية حول الموضوع، إذاً نحن نتحدث معها عن الموضوع. لا بد من الأمل، والإدراك أنّ قضية المفقودين هي مصدر قلق مشترك، لأنهم موجودون على طرفي النزاع، وهذا يعطيني الأمل أنه وفي مرحلة ما سيكون هناك استيعاب بأنّ أفضل طريق للمضي قدماً هو بناء مؤسسة بما يتجاوب مع ما تريده عائلات المفقودين. وهذا أمر يمكن أن يوحّد السوريين".
"عمل شجاع"
ومن جهته، أثنى غوتيريس على العمل "الشجاع" الذي قامت به "جمعيات العائلات والضحايا والناجين والمجتمع المدني السورية، جنباً إلى جنب مع جهود العديد من الهيئات الدولية، لرسم طريق إلى الأمام". وتابع: "استرشاداً بآرائهم ونصائحهم، حدد تقريري الصادر في أغسطس الماضي إطار العمل للحل. إنّ حجر الزاوية هو قيام الجمعية العامة بإنشاء هيئة دولية جديدة لتوضيح مصير وأماكن وجود المفقودين، وتقديم الدعم للضحايا وعائلاتهم".
أما المفوض السامي للأمم المتحدة لحقوق الإنسان، فولكر تورك، فتحدث في مداخلته أمام الجمعية العامة عن المأساة السورية ودخول الصراع عامه الثالث عشر، وقال: "لقد عانى ويعاني ملايين السوريين من الموت أو الإصابة، والعنف الجنسي، والاختطاف والاختفاء والتعذيب، والنزوح، والحرمان، والأسى. ثم جاء الزلزال ليزيد من هذه المآسي". وتوقع أن يفوق عدد المخفيين قسرياً في سورية مائة ألف، مؤكداً في الوقت ذاته أنّ الرقم الحقيقي في الغالب أعلى من ذلك بكثير.
معاناة العائلات والناجين
وتوقف تورك عند معاناة العائلات التي لا تعرف مصير أحبائها، قائلاً: "بغض النظر عن أي جهة من الصراع تقف، فإن جميعها يعاني". وحول تلك المعاناة أضاف: "تكافح الزوجات والأمهات والأخوات لإعالة أسرهن. بدون الوثائق الصحيحة، ليست لديهن حقوق في الملكية، قد لا يتمكن حتى من السفر مع أطفالهن أو حتى إرسالهم إلى المدرسة. هناك أيضاً وصمة عار: الخوف من أن الارتباط بأسرة الشخص المفقود يمكن أن يؤدي إلى المزيد من العنف داخل المجتمع".
أما حول التحديات التي تواجهها النساء لمجرد البحث عن أحبائهن، فقال إنّ ذلك يؤدي "إلى تعريضهن لمخاطر الاستغلال، والتهديد الجسدي والابتزاز، والمطالبة بالدفع مقابل معلومات حول مكان وجودهم والتي قد يتبين لاحقاً أنها غير صحيحة وكذلك الأعمال الانتقامية".
وتوقف كذلك عند معاناة الناجين، الذين أطلق سراحهم بعد الاعتقال التعسفي، وقال إنّ "التعذيب، بما في ذلك العنف الجنسي، منتشر، والموت جار قريب ودائم". وأضاف حول تجربة النساء: "على الرغم من أن معظم المختفين من الرجال، لكن قد تكون هناك تبعات مدمرة للتجربة بشكل خاص على النساء. بعد الإفراج عنهن، فإن عائلات كثيرة تنبذهن، لإمكانية تعرضهن للاغتصاب، ومعه المساس بـ "شرف" العائلة". وأشار إلى أن الصدمة الناجمة عن تعامل المجتمع معهن تؤدي إلى اختفاء العديد من الناجيات أو محاولتهن الانتحار.
الوضع الراهن والحلول
وحول الحلول الموجودة حالياً، قال: "تقوم مجموعة واسعة من الجهات الفاعلة، بما في ذلك اللجنة الدولية للصليب الأحمر واللجنة الدولية المعنية بالمفقودين وجمعيات سورية متعددة، بتسجيل مطالب العائلات. كما تسعى للحصول على معلومات لتحديد هوية الرفات البشري، ومساعدة العائلات بشتى الطرق".
وعلى الرغم من أهمية كل هذه المجهودات، أضاف تورك: "لا يمكن لأي جهة فاعلة بشكل فردي أو مجتمع معالجة ومواجهة الأعداد وكم الاحتياجات لوحدها". وأكد أن مكتبه أجرى عمليات مشاورات مع المنظمات السورية الأهلية وأطراف دولية وأن أغلبيتها أكدت على ضرورة إنشاء آلية خاصة، وتحدث عن نية الدول تقديم الدعم في هذا السياق وسد الثغرات الموجودة في هذا المجال.
وشدّد على ضرورة أن تركز الهيئة "على مشاركة الضحايا والناجين وعائلاتهم ومنظمات المجتمع المدني، كما النظر للعائلات والناجين كشركاء وليس مجرد مستفيدين. هم الذين حددوا الثغرات والتحديات، ويجب أن ترشدنا خبرتهم لأننا نطور طرقاً ذات مغزى لمعالجة الأضرار التي تؤثر عليهم".
كما أكد تورك على ضرورة أخذ القضايا الجندرية بعين الاعتبار والتعامل معها بحساسية، "بدءاً من التصميم والتوظيف وحتى إدارة الحالات والبحث ودعم العمل. يجب أن تستوعب جميع عملياتها بشكل كامل الأعباء غير المتناسبة للاختفاء على عاتق النساء، وأن تبحث عن طرق للتخفيف من حدته". وأكد على ضرورة أن تعمل "دون تمييز حول العرق، أو الآراء السياسية، أو الجنس أو وضع اللاجئ أو أي خاصية أخرى من هذا القبيل".
وعن المعايير، قال إنها يجب أن "تشمل جميع الذين فُقِدوا وعائلاتهم. يجب أن تكفل حماية البيانات الخاصة ويجب أن تتواجد في مناطق مختلفة وتسعى لإدماج عدد من الخبرات والاختصاصات والتوثيق ومعالجة الصدمات وشركاء في مجال العلوم الفنية والقانونية والأدلة الجنائية"، وشدد على أنه "لن يكون هناك سلام دائم في سورية دون إحراز تقدم في هذه القضايا الأساسية للعائلات والمجتمعات والمجتمع ككل".