بعد أكثر من عام على تفشي جائحة كورونا، لا يزال الاتحاد الأوروبي يكافح من أجل إيجاد نهج مشترك للمواجهة، وتضييق حدة التباين بين أعضائه حول كثير من الموضوعات، ومن بينها قواعد التلقيح، والسفر، وإغلاق الحدود، والتعامل مع شركات اللقاح، والتكيف مع طفرات الفيروس، وتعزيز تطوير وإنتاج اللقاحات في أوروبا.
واعتبر تهديد رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون ديرلاين بريطانيا بحظر تصدير اللقاحات، ضغطاً على "أسترازينيكا" لتفي بتعاقدها مع الاتحاد الأوروبي قبل بدء التسليم إلى بلدان أخرى، قبل أن تعلن فون ديرلاين أنّ الاتحاد الأوروبي لن يقدم في المرحلة الحالية أي تبرعات بلقاحات للدول الفقيرة.
ورغم التصور القائم بأنّ الاتحاد يتكاتف لمواجهة الجائحة، إلا أنّ التخبط الأوروبي هو المسيطر، ففي حين أنّ دولاً مثل إيطاليا وفرنسا تؤيد فرض حظر على صادرات اللقاح، تعارضه دول أخرى مثل أيرلندا وبلجيكا وهولندا، لما لذلك من آثار سلبية محتملة على الشركات الأوروبية.
وأكدت تقارير إعلامية أنّ تخفيض شركة "أسترازينيكا" عدد جرعات اللقاح المتفق عليها للربع الأول من شهر مارس/ آذار الحالي، تسبب في انخفاض مبيعات شركات إنتاجه في بلجيكا وهولندا، وأن حظر التصدير سيزيد المشاكل.
وأمام هذا الواقع، أكد مطلعون على الوضع في بروكسل، حيث مقر الاتحاد، أنّ مشكلات اللقاح تعود إلى تعاون الشركة الألمانية "بيونتيك" مع شركة "فايزر" الأميركية، وأنه كان من الأفضل أن تتعامل مع شريك أوروبي، ويشيرون إلى توقيع الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، خلال ديسمبر/كانون الأول الماضي، على مرسوم يمنح الأميركيين امتياز الحصول على اللقاح الذي يتم إنتاجه في بلادهم، وهو ما تمت ترجمته عملياً بتوسع الولايات المتحدة في حملة التلقيح وصولاً إلى 100 مليون جرعة.
وأعلن وزير الصحة البريطاني مات هانكوك أخيراً، أنّ كل شخص بالغ في بلاده سيتلقى التطعيم، ومن غير المفهوم كيف يتوفر لقاح الشركة البريطانية السويدية "أسترازينيكا" بهذا القدر في المملكة المتحدة، بينما يوجد نقص فادح في قارة أوروبا بأسرها.
وحذر معهد الاقتصاد العالمي من قرار حظر تصدير اللقاح من دول الاتحاد الأوروبي، قائلاً إنه "من الخطير تخيل ما قد يحدث إذا ما قام الشركاء التجاريون بالرد بتقييد تصدير المواد الأولية إلى أوروبا"، مؤكداً أنّ حظر التصدير "لن يؤدي إلا إلى تفاقم المشكلة الحقيقية، وهي قلة إنتاج اللقاحات في جميع أنحاء العالم".
ويبرز غياب النهج الأوروبي المشترك أيضاً غياب التنسيق بين الدول الأعضاء حول حركة البضائع والسفر، إذ فاجأ وزير الداخلية الألماني هورست زيهوفر، أخيراً، التشيك والنمسا، بتشديد ضوابط الدخول عند الحدود بسبب انتشار سلالات كورونا الجديدة، في حين وضعت الحكومة البولندية خططاً عامة لإدخال ضوابط على الحدود مع التشيك وسلوفاكيا.
من جهة ثانية، تعمد دول أخرى إلى وضع ضوابط أحادية لأهداف سياحية تضمن أن يكون موسم الصيف نشطاً، في حين لا يزال الاتحاد يخطط لبطاقات التطعيم لتسهيل سفر الأشخاص الذين تلقوا اللقاح، فاليونان، وسط خشيتها من موسم سياحي ميت، بدأت بإتاحة الدخول للقادمين من دول من خارج الاتحاد، وأعلنت مايوركا الإسبانية عن إعادة استقبال السياح، بينما تحذر ألمانيا من السفر في عطلة الفصح تفادياً لحرمان المواطنين من السفر في عطلة الصيف.
وأمام إصرار المفوضية الأوروبية على العمل كجهة تنظيمية، هناك اعتقاد سائد بأنّ الاتحاد الأوروبي غير مستعد على النحو الأمثل لمواجهة كورونا.
ونقلت صحيفة "فرانكفوتر روندشو" الألمانية عن الخبير الاقتصادي غونترام فولف، من معهد بروغل في بروكسل، قوله إنّ "الاتحاد يقود السباق بدون سيارة سباق، وغالباً ما وافقت دول الاتحاد على القرارات خلال الاجتماعات، ثم فعلت لاحقاً بمفردها ما اعتقدت أنه صائب لمصالحها".
وغالباً ما تكون توصيات المفوضية الأوروبية بشأن كورونا بلا جدوى، وبينها الحث خلال أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، على الاستعداد اللوجستي لحملات التلقيح، ليتبين بعد أشهر أنّ عدداً من الدول لم يكن مستعداً، وطغى الخلاف حول نقص اللقاحات على كل الترتيبات.
وأبرز فولف أنّ "هناك بطئاً وحذراً وتأخيراً في ما يتعلق بعملية التطعيم، وهذا له عواقب على الاقتصاد".
فولف: "الاتحاد يقود السباق بدون سيارة سباق، وغالباً ما وافقت دول الاتحاد على القرارات خلال الاجتماعات، ثم فعلت لاحقاً بمفردها ما اعتقدت أنه صائب لمصالحها
وتشير تقارير إلى أنّ مئات الآلاف من جرعات لقاح "أسترازينيكا" يتم التخلص منها من دون استخدام.
وأبرزت شبكة "إيه أر دي" الألمانية أنّ المفوضية تجري محادثات مع شركات أدوية، وتريد تسريع عملية الموافقات على اللقاحات، وأنه سيتم تمويل أبحاث حول سلالات كورونا بقيمة 225 مليون يورو، وأنّ 75 مليوناً منها مخصصة للتمكن من التحقق من طفرات الفيروس.