غيمة سوداء... صحة آلاف اللبنانيين في خطر

11 نوفمبر 2024
غبار كثيف ناجم عن غارة إسرائيلية على الضاحية الجنوبية (فرانس برس)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- الغارات الإسرائيلية على الضاحية الجنوبية لبيروت تسببت في "غيمة سوداء" تهدد البيئة والصحة العامة، مع صعوبة في قياس التأثيرات بسبب عدم القدرة على إجراء مسح شامل.
- الانفجارات والحرائق الناتجة عن الغارات أدت إلى انتشار مواد كيميائية سامة وجزيئات بلاستيكية، مما يزيد من مشاكل الجهاز التنفسي والقلب ويزيد خطر الإصابة بالسرطان.
- تلوث التربة بالمعادن الثقيلة يهدد الزراعة والمياه الجوفية، وينصح الخبراء بتقليص الأنشطة الخارجية والابتعاد عن مناطق الغارات للحفاظ على الصحة.

لم يصدر عن أي من الجهات الرسمية في لبنان أي بيان يتعلق بالأضرار الصحية الناتجة عن الغارات الإسرائيلية، خصوصاً على الضاحية الجنوبية لبيروت، التي جعلت العاصمة تقبع تحت ما يشبه "غيمة سوداء"، مع ما يحمله ذلك من تهديد بيئي وصحي، إذ يصعب قياس وطأة الحرب على البيئة والمناخ والصحة العامة في ظل عدم التمكن من إجراء مسح شامل للمناطق المتضررة.

يقول مستشار وزير البيئة اللبناني محمد أبيض لـ"العربي الجديد": "لا نعلم بعد طبيعة كل الأسلحة التي استخدمها العدو، ولم نستطع إجراء مسح شامل، وربما نتمكن من ذلك بالتعاون مع الجيش اللبناني ومختبرات البيئة والزراعة والغذاء في الجامعة الأميركية بعد توقف الحرب، عندها يمكن أخذ العينات اللازمة، والعمل على دراسة كاملة لمعرفة الأضرار على الماء والهواء والتربة".

يضيف: "الانفجارات العنيفة الناجمة عن الغارات الإسرائيلية تطاول مناطق كثيرة، وتنتج عنها كميات كبيرة من المواد الكيمائية السامة، من بينها الجسيمات الدقيقة التي نراها في الغبار، والتي تؤثر على الصحة، إضافة إلى المركبات العضوية المتطايرة، وغازات ثاني أوكسيد النيتروجين، وثاني أكسيد الكبريت، وهي تؤثر على الأشخاص الذين يعانون من الحساسية ما يفاقم مشاكل الجهاز التنفسي، وتسبب مشاكل في القلب والأوعية الدموية. هذه المخاطر قصيرة الأمد والانبعاثات السامة قد تؤدي إلى الإصابة بسرطان الرئة على المدى البعيد. تؤدي الحرائق التي تخلفها الغارات لانتشار جزيئات البلاستيك والكرتون، وتنتج عنها مستويات من الديوكسينات والمواد المسرطنة الأخرى، كما تؤدي إلى تدهور جودة الهواء، والفئات الأكثر تضرراً هي سكان المناطق القريبة".

يتابع: "تلوث التربة الناجم عن عمليات القصف يؤدي إلى تكون بقايا من المعادن الثقيلة، مثل الرصاص والزئبق والباريوم، وهي ملوثات تتسرب إلى الأراضي الزراعية والمياه الجوفية، وتمتصها النباتات. الآثار الصحية الناجمة عن القصف تؤدي إلى زيادة خطر الإصابة بأنواع مختلفة من الأمراض السرطانية الناجمة عن المعادن الثقيلة والانبعاثات الغازية، وفي تاريخ الصراعات، خاصة في جنوب لبنان، ظهرت نسب مرتفعة من أمراض السرطان بسبب التعرض الطويل للتلوث الناجم عن الحرب. ننصح الناس في هذه الفترة بتقليص الأنشطة الخارجية كي لا يتعرضوا إلى الملوثات".

من جهته، يقول رئيس قسم الكيمياء في جامعة القديس يوسف، شربل عفيف، لـ"العربي الجديد"، إن "الغيمة السوداء التي نشاهدها فوق بيروت وضواحيها ناتجة عن عوامل عدة، أولها الغبار الناتج عن القصف الإسرائيلي، وما يخلفه من حرائق لا يمكن إخمادها بسهولة، وبعضها يتجدد، وتعجز فرق الدفاع المدني عن إطفائها، ويتصاعد منها الدخان الأسود الذي ينتقل من منطقة إلى أخرى. في هذا الوقت من العام، كنا نشهد موجات من الحرائق بسبب تغير الطقس، ومن أبرز المناطق التي شهدت حرائق مؤخراً الربوة، وبعض المناطق الشمالية، ما يشكل تلك الغيوم السوداء".

مخاطر متعددة لغبار وأدخنة الغارات على لبنان (إبراهيم عمرو/فرانس برس)
مخاطر متعددة لغبار وأدخنة الغارات على لبنان (إبراهيم عمرو/فرانس برس)

يضيف: "هذه الغيمة السوداء عبارة عن مزيج من الملوثات، وفي كل منها جزئيات دقيقة تحمل مواد كيميائية سامة من معادن ثقيلة ومركبات عضوية، ما يؤثر على السكان، والفئة الأكثر تضرراً هي كبار السن والأطفال، ومن يعانون من أمراض الربو وقصور في التنفس، وهذه الانبعاثات خطرة على المدى الطويل، إذ تؤدّي إلى ارتفاع نسب الإصابة بالسرطان، خصوصاً إن طالت فترة الحرب، ولا يعني ذلك أن المواطنين الذين غادروا مناطقهم وتوجهوا إلى مناطق نظيفة نسبياً لن يتعرضوا للخطر بفعل هذه الانبعاثات السابقة، إذ ستبقى موجودة في مناطقهم لفترات لاحقة".

ويلفت إلى أهمية الابتعاد عن محيط مناطق الغارات لتخفيف التعرض للانبعاثات. ويقول: "ليس هدفنا خلق حالة من الهلع بين المواطنين الذين يقطنون بالقرب من محيط الغارات، لكن عليهم أن يبقوا نوافذ البيوت مغلقة، وعلينا أن نوضح أن التعرض لهذه الملوثات لن يؤدي إلى الإصابة الحتمية بالسرطان، فالأشخاص الأكثر عرضة للأمراض حالياً هم مرضى الربو وكبار السن والأطفال، وقد يحتاجون إلى دخول المستشفى، وأخذ العلاجات اللازمة لحالتهم الصحية".

وفي ما يتعلق بفحص عينات الغبار والأتربة، يؤكد عفيف: "من الصعب في الفترة الحالية إجراء فحوص علمية، كون ذلك يعرض الفرق المختصة إلى خطر تنشق المواد السامة، وإلى خطر الاستهداف أثناء عملهم، وعلى الفرق الإغاثية والصحافيين الذين يضطرون للوجود في مكان الغارات والحرائق وضع الكمامات الطبية دائماً لتقليص مخاطر تنشق الغبار الملوث. من الضروري أيضاً الانتباه إلى الصحة النفسية والعقلية، وعدم استقاء الأخبار والمعلومات العلمية أو الطبية إلا من مصدر موثوق، وأن يدرك الجميع كيفية التعاطي مع تبعات العدوان لحماية أنفسهم وعائلاتهم".

يتابع: "التلوث والانبعاثات السامة الناتجة عن القصف الإسرائيلي موضوع اهتمام مشترك بين قسم الكيمياء في الجامعة اليسوعية، وبين وزارة البيئة وغيرها من الجهات المختصة، وبالتعاون مع البنك الدولي. أبلغنا الجهات الرسمية باستحالة القيام بأخذ العينات مع استمرار القصف والتهديدات، كما لا يمكننا مقارنة الحرب الحالية بما حصل في حرب يوليو/تموز 2006".

المساهمون