لم تكن فاطمة عبد العال تعلم أنها ستضطر إلى العمل بعد زواجها من أجل إعالة أولادها وتأمين ما يحتاجونه. شاء القدر أن تحتضن فاطمة المتحدرة من بلدة الغابسية بفلسطين أولادها السبعة، وتعمل لتوفير كل متطلبات حياتهم. وهي كانت تقيم مع أهلها في مخيم نهر البارد شمالي لبنان بعد اللجوء إليه، ثم انتقلت بعد زواجها للعيش في مخيم عين الحلوة بمدينة صيدا جنوبي لبنان.
تفترش منذ أكثر من 20 عاماً مكاناً في شارع سوق الخضار بمخيم عين الحلوة. تضع على بسطتها مأكولات مختلفة بينها كبة الورق والمغربية التي تعدّها في البيت، والزعتر البلدي.
اختارت فاطمة الشارع مكان عملها الدائم لإعالة أولادها وتأمين إيجار البيت الذي تعيش فيه ومستلزمات أخرى، مثل اشتراك مولد الكهرباء وفواتير المياه وغيرها من المصاريف الضرورية للبيت.
وفي شأن خيار عملها على البسطة، تقول:" لم أختر العمل الذي أقوم به، لكنني لم أجد أي عمل آخر يناسبني، في حين لا أملك قدرة على العمل في بيوت، وأنا لم أكمل تحصيلي الدراسي، إذ تعلمت حتى الصف السادس الأساسي، وحصلت على شهادة الابتدائية التي كانوا يسمونها سرتيفيكا في ذلك الوقت، واعتبرت مهمة في مسار التعليم. ولأنني لا أجيد مهنة محددة، فكرت في أن أبيع بضاعتي في السوق، وأن أكون في المخيم بين الناس الذين أعرفهم ويعرفونني".
تتابع: "أعيش منذ 30 عاماً في مخيم عين الحلوة. وكنت سكنت فترة بعد زواجي في مخيم نهر البارد، ثم انتقلنا للعيش في مخيم عين الحلوة، قبل أن ننفصل بعد مدة بعضنا عن بعض، وباشرت في تجربة العمل كي أربي أولادي. بالطبع لم يكن العمل سهلاً بالنسبة لي، إذ تعبت كثيراً، خصوصاً أن ابني الصغير كان يبلغ أربعين يوماً حينها، وكنت أضطر لتركه عند إخوته، لأنه لا يمكنني أن أحضره معي إلى السوق، وتحديداً إلى مكان عملي. وفي الصيف، كانت تحرقني أشعة الشمس، فأنا أعمل ساعات طويلة، أما في الشتاء فأتعرض للرياح الشديدة والهواء البارد والمطر، لكنني كنت مضطرة للعمل، لأن لا أحد يعينني في حياتي، أو يقدم لي أي نوع من المساعدة من أجل تربية أولادي".
وتشير إلى أنه بعد مرور وقت على بدء عملها، باتت تشعر بأوجاع في جسمها، "لكن ذلك لم يكن أمراً مهماً، فلولا أنني احتضنت أولادي وربيتهم لكنت خسرتهم. صحيح أن العمل متعب، لكن أولادي أهم من كل التعب، وأنا سيدة نفسي، فأنا أخلل الورق، وأعد المغربية، وأبيعها. وصار عندي زبائن، والناس باتوا يعرفونني في المخيم، ويعرفون جودة ما أعدّه، ويقصدونني تحديداً كي يشتروا مني".
تضيف: "لا أزال أعمل رغم أن أولادي كبروا، وتزوج بعضهم، ومن تعلم أنهى الدراسة الجامعية، في حين يعيش أحد أولادي في الخارج. وحالياً لا يسمح الوضع الاقتصادي في لبنان بأن أترك العمل، فأولادي يستطيعون بالكاد تأمين ما يحتاجونه، وأنا مضطرة إلى العمل من أجل تأمين مستلزمات حياتي، علماً أن ابني بدأ منذ شهرين في إرسال مبلغ صغير لي لمساعدتي في دفع اشتراك مولد الكهرباء.
وتؤكد فاطمة أن حركة البيع تراجعت ولم تعد كما كانت الحال في السابق، كما أن الربح الذي تجنيه لا يكفي باعتبار أن مبلغ عشرة آلاف ليرة (40 سنتاً) في السابق بات مثل مبلغ مائة ألف ليرة (4.16 دولارات) اليوم. لكن الفارق أن تحقيقي ربحاً مقداره عشرة آلاف (40 سنتاً) أو عشرين ألفاً (83 سنتاً) سابقاً كان يكفي لتأمين ما نحتاجه، أما اليوم فحتى لو بعت بأكثر من مائة ألف ليرة (4.16 دولارات) لا أستطيع العيش بها كما في السابق. وعلى سبيل المثال، تبلغ كلفة وعاء سطل ورق العريش 400 ألف ليرة (16.66 دولاراً)، ويباع بـ450 ألف ليرة (18.75 دولاراً) فقط، علماً أن بيعه يحتاج أكثر من أسبوعين.
وتشير فاطمة إلى أن مدخولها في اليوم الواحد يتراوح بين 50 ألف ليرة (2.08 دولارين) و75 ألف ليرة (3.12 دولارات). وقد يصل إلى 100 ألف (4.16 دولارات) في حال طلب منها زبائنها إعداد المغربية. وتعلّق: "بالطبع لا يكفيني مدخولي الشهري لأن الأسعار باتت فوق الخيال، وأنا أعيش في بيت مستأجر، وأؤمن كل المصاريف من عملي".
تتابع: "يجب أن يهتم كل ولد بأمه، وألا يهينها حين تكبر لأنها ضحّت كثيراً لأجله. أنا أقدّر التعب الذي تتعبه الأمهات من أجل تربية أولادهن، فكيف إذا كانت هذه الأم تعمل طوال النهار مثلي في السوق كي توفر حياة كريمة لأولادها. صحيح أن واجب الأم كبير، لكن يجب أن يعتني الأبناء بأمهاتهم اللواتي لم يقصرن تجاههم".