يُفيد خبراء بأنّ قطاع التعليم في باكستان شهد نقلة نوعية خلال السنوات الأخيرة. ولولا الفساد المستشري والأوضاع الاقتصادية والأمنية الصعبة، لكان وضع التعليم أفضل بكثير مما هو عليه الآن. وفي خضم هذه الظروف، نشرت جامعة باكستانية مئات الفيديوهات والتسجيلات المصورة لطالبات وموظفين في الطاقم الأكاديمي والإداري، تظهر إدمانهم على المخدرات وضلوعهم في أعمال غير أخلاقية.
بدأ نشر هذه الفيديوهات في 27 يونيو/ حزيران الماضي بشكل ممنهج على مواقع التواصل الإجتماعي من قبل جهة مجهولة، من دون أن تقوم السلطات المعنية بوقفها أو حذفها من مواقع التواصل الاجتماعي، ما طرح الكثير من التساؤلات، وجعل البعض يعتقد أن القضية ربما تكون مثارة عمداً بهدف إشغال الناس بها لفترة معينة، بدلاً من الانشغال بالوضع الاقتصادي والأمني المتردي. وعزا آخرون الأمر إلى ضلوع أشخاص يتمتعون بنفوذ كبير في الأروقة السياسية والحكومية في القضية.
وبعيداً عن تبعات وأسباب نشر تلك الفيديوهات، أثارت القضية حالة من الخوف وتحديداً بين العائلات التي ترسل بناتها إلى مدن مختلفة للدراسة، وخصوصاً أن نشر الفيديوهات تبعته بيانات لبعض الطالبات والموظفات أكدت أن الكثيرات من أولئك الطالبات تم جرهن إلى تلك الحفلات بعد خداعهن وابتزازهن، وقد أجبر بعضهن على الإدمان وممارسة أعمال غير أخلاقية بعد ابتزازهن بالفيديوهات التي صورت سابقاً.
وكان اعتقال قوات الأمن الباكستانية مسؤول أمن الجامعة الإسلامية بمدينة بهاولبور، ويدعى إعجاز حسن شاه، وهو ضابط متقاعد من الجيش الباكستاني، في 23 يوليو/ تموز، نقطة فاصلة في القضية. وعثرت قوات الأمن على الحشيش والخمر وأنواع مختلفة من الحبوب المحظورة. والأخطر هو أنه كانت بحوزة الرجل هواتف محمولة وكان فيها 55000 تسجيل مصور وغير أخلاقي لطالبات الجامعة مع موظفين فيها.
حاول الرجل الهرب من قبضة قوات الأمن، إلا أنها اعتقلته ونقلته إلى مركز أمني.
وأكدت قوات الأمن في بيان، أن الرجل اعترف بأنه كان يصور الطالبات خلال مشاركتهن في جلسات الإدمان والأعمال غير الأخلاقية. وبعد التسجيل، كان يقوم بابتزازهن وإرضائهن للمشاركة في أعمال مماثلة، أو يهددهن بنشر الفيديوهات، ما جعلهن يقبلن. وفي البداية، يتم إقناعهن في مقابل الحصول على بدل مادي ودرجات جيدة في الامتحانات، وبعد ذلك، كانت الصور وسيلة للضغط على الطالبات من أجل القيام بتلك الأعمال رغماً عنهن.
وأكد الرجل أنه ليس وحده الذي قام بذلك، بل كان معه ثمانية أشخاص آخرين من موظفي ومسؤولي الجامعة. والسؤال الذي يطرحه كثيرون هو عن سبب استمرار صمت الحكومة حتى بعد اعتقال الرجل واعترافاته، بالإضافة إلى عدم اعتقال الضالعين في القضية.
وكانت الجامعة قد أصرت على رفض أن تكون لتلك الأمور علاقة بها. إلا أن رئيس الجامعة نويد أختر أكد أمام لجنة التعليم في مجلس الشيوخ الباكستاني في الثالث من الشهر الجاري، أن التحقيقات لا تزال متواصلة وقد أثبتت حتى الآن ضلوع ثلاثة أشخاص مهمين في الجامعة في القضية، منهم أحد المحاضرين بالجامعة، والمشرف العام على أمن الجامعة ونائبه، وقد أقيلا واعتقلا ولا تزال التحقيقات متواصلة، على أن يتم كشف المزيد خلال الأيام المقبلة. كما أكد وجود ثلاث لجان تجري تحقيقاً في القضية. الأولى لجنة شكلتها الجامعة بنفسها، والثانية شكلتها هيئة الدراسات العليا، والثالثة تعمل بأمر من الحكومة المحلية في إقليم البنجاب، وقد شكلها مسؤولون أمنيون.
من جهته، طلب مجلس الشيوخ من المحكمة العليا الباكستانية تعيين لجنة قضائية لتقصي الحقائق الكامنة خلف القضية، مؤكداً أن كل تلك اللجان الأخرى تعمل بشكل مبعثر، وتشكيل هذا العدد من اللجان يعرقل عملية التحقيق. من هنا، هناك حاجة ملحة لتشكيل لجنة قضائية واحدة بهدف الوصول إلى نتائج واقعية.
ويرى البعض أن المشكلة الأساسية التي جعلت الحكومة الباكستانية تتباطأ في إجراء التحقيقات هو ضلوع نجل قيادي مهم في الحزب الحاكم ويدعى طارق أحمد تشيما. وقد أعلن القيادي رفضه مراراً ضلوع ابنه ولي داد تشيما في القضية، لكن المشاهد المصورة تظهر نجل القيادي، وله نفوذ كبير في المنطقة كونه من القبائل ذات الشأن. وبالتالي، يرى كثيرون أن الحكومة لا ترغب أصلاً في إجراء تحقيق بسبب القيادي طارق تشيما.
وكان الإعلامي إقرار الحسن قد ادعى أن تشيما هدده بالقتل في حال لم يمتنع عن إثارة القضية، علماً أنه أول من تحدث عن ضلوع ابن القيادي في القضية، وأنه كان وراء كل ما يحدث في الجامعة.