عندما يتعلق الأمر بفيضانات الأنهار، فمن المحتمل أن يؤدي تغير المناخ إلى تفاقم تواتر وشدة أحداث الفيضانات الشديدة، ولكنه يقلل من عدد الفيضانات المعتدلة، حسبما وجد الباحثون في دراسة أجريت عام 2021 في مجلة Nature. ومع ارتفاع درجة حرارة المناخ، تؤدي معدلات التبخر المرتفعة إلى جفاف التربة بسرعة أكبر. فالتبخر الأكثر من المعتاد يؤدي إلى هطول أمطار بدورها أكثر كمية من المعتاد.
إن العلماء واثقون من أن بعض أنواع الفيضانات ستزداد في سيناريو "العمل كالمعتاد" حيث يواصل البشر التسبب بارتفاع درجة حرارة الكوكب بانبعاثات الغازات الدفيئة بالمعدل الحالي. وحيث إن هنالك فيضانات بحرية ساحلية وأخرى داخلية مطرية أو نهرية، لا بد لنا أولاً من أن نشير إلى أن الفيضانات الساحلية ستستمر في التزايد مع ارتفاع منسوب سطح البحر. وثانياً، ستستمر الفيضانات المفاجئة في التزايد مع تزايد أحداث هطول الأمطار المتطرفة. كما ستزيد درجات الحرارة الأكثر دفئاً من كمية التبخر، وهو ما يؤدي إلى زيادة الرطوبة في الغلاف الجوي والتي يتم إطلاقها بعد ذلك على شكل أمطار أو تساقط ثلوج.
ويتوقع الباحثون أيضاً أنه مع ارتفاع درجة حرارة المناخ، ستصبح الفيضانات المفاجئة أكثر تواتراً، ما يعني أن توقيت الفيضانات سيصبح أقصر بينما تزداد قوتها. ويمكن أن تكون الفيضانات الخاطفة أكثر خطورة وتدميراً. وقد تتبع الفيضانات المفاجئة بشكل متزايد حرائق الغابات الكارثية في سلسلة مميتة من الكوارث المناخية. وذلك لأن حرائق الغابات تدمر الغابات والنباتات الأخرى، وهو ما يؤدي بدوره إلى إضعاف التربة وجعلها أقل نفاذية للمياه.
ولقد أكد ذلك قول أندرو هويل، عالم الأرصاد الجوية في مختبر العلوم الفيزيائية التابع للإدارة الوطنية للمحيطات والغلاف الجوي، إنه إذا هطلت أمطار غزيرة على الأراضي المتضررة من الحرائق، فإن سطح الأرض لا يمتص المياه بشكل فعال كما كان الحال من قبل. ورغم أنه قد يكون من غير البديهي أن نرى النقيضين، الكثير من النار والماء، في المنطقة نفسها، فمن المرجح أن يصبح المشهد أكثر شيوعاً، خاصة في الغرب الأميركي حيث هنالك بوادر لحصول هذا المشهد بتواتر متزايد. وفي بحث حديث نُشر في مجلة Nature، وجد الباحثون أنه في المستقبل قد تكون الفيضانات المفاجئة أكثر شيوعاً في الشمال، عند جبال روكي الشمالية والسهول الشمالية. وقال تشي لي، المؤلف الرئيسي للدراسة عام 2022، إن هذا يشكل خطراً على جهود التخفيف من الفيضانات، حيث قد لا تكون الحكومات المحلية على علم بمخاطر الفيضانات المستقبلية.
وقال الدكتور لي إن هذا النمط يرجع إلى ذوبان الثلوج بسرعة أكبر، إضافة إلى الثلوج التي تذوب في وقت سابق من العام. وقد شهدت المناطق الواقعة عند خطوط العرض العليا بوادر المزيد من فيضانات الأمطار مثل تلك التي اجتاحت "يلو ستون" في يونيو/ حزيران الماضي.
إذن لا يبدو أن تصاعد تغيّر وتيرة المناخ وزيادة الاحتباس الحراري بسبب الغازات الدفيئة المتصاعدة في الأجواء، سيتوقف عن إعطاء كل الفرص للعواصف أن تفعل فعلها وتتسبب بسيول عارمة تجرف معها ما يعيقها أو يقف بوجهها من طرق وجسور وسيارات ومنازل وتلال، إلى ما هنالك من أذى للإنسان.
خلال هذه العواصف تهطل الأمطار بغزارة غير عادية فتعجز التربة عن امتصاصها وإيصالها إلى المياه الجوفية، فتجري على شكل سيول تجرف في طريقها كل ما يعيقها وتهدم المنازل والمنشآت وتسقط أعمدة وأسلاك الكهرباء وتقتل البشر والحيوانات والمواشي وتشرد بقية الناس المتضررة أملاكهم.
وهذا ما حدث في شمال الولايات المتحدة الأميركية عندما ضرب إعصار "هيلاري" سواحل غربي أميركا ثم تحول إلى عاصفة استوائية تضعف قوتها نزولاً من لوس أنجليس باتجاه المكسيك في 18 أغسطس/ آب 2023. ثم تأتي العاصفة "دانيال" الشديدة لتضرب شمال أفريقيا، وعلى وجه التحديد شرق ليبيا، وتحدث هطولاً لأمطارلفترة وجيزة جرفت معها ما جرفت وقتلت من قتلت قبل أن تهدم في طريقها سدين من سدود المياه في ليبيا ليتعاظم مفعول سيول مياه الأمطار مع سيول مياه السدود بضرب المنازل وقطع الطرقات والأشجار وتخريب البنية التحتية لشبكة الاتصالات واقتلاع الزرع والقضاء على المحاصيل في المزارع والحقول ويغمرها كلها بالطين الذي حملته السيول بعد جرفها للتربة خلال جريانها. ويخشى أن تكون الفيضانات قد ابتلعت أحياء ومباني بأكملها، ومعها عدد غير معروف من السكان أو أن تكون قد جرفتهم معها إلى البحر.
وأخيراً لا بد لنا من الإشارة إلى أن الدراسات الموثقة في هذا العام الحالي بينت أنه في أكثر من نصف المواقع التي تمت دراسة وتيرة تكرارها في الأعوام السابقة وحتى يومنا هذا، أصبحت الفيضانات أكثر شيوعاً بخمس مرات على الأقل مما كانت عليه في الخمسينيات. هذه الوتيرة ستزداد سنة بعد أخرى إلى أن يتحد البشر للعمل بإخلاص على وقف ارتفاع الحرارة والرطوبة في الأجواء من خلال وقف انبعاث الغازات الدفيئة واستخدام الطرق الصديقة للبيئة والإنسان والمؤدية إلى استعمال الطاقة النظيفة.
(اختصاصي في علم الطيور البريّة)