لم يتجاوز أهالي القرى المجاورة لنهر العاصي في ريف إدلب الغربي شمال غربي سورية مأساة الزلزال حتى ألمت بهم كارثة جديدة أجبرتهم على ترك منازلهم وقراهم نتيجة فيضان نهر العاصي، وغمر مياهه الأراضي والمزارع والشوارع.
يقول سعيد العبد الله فلاح من قرية التلول لـ"العربي الجديد": "اضطررنا إلى إخلاء القرية في ليلة حالكة الظلمة وشديدة البرد، وتركنا خلفنا منازلنا وأرزاقنا نتيجة انهيار الساتر الترابي الذي كان يفصل بين قريتنا ونهر العاصي بفعل الهزات الارتدادية التي تلت الزلزال".
وتقع قرية التلول في منطقة منخفضة يحيط بها نهر العاصي من ثلاث جهات، ورفع أهالي القرية ساتراً ترابياً يفصل بين القرية والنهر لاتقاء مياهه في حال ارتفع منسوب المياه نتيجة الأمطار، لكن المفاجأة تمثلت في فتح سلطات النظام السوري مياه سد الرستن بطريقة غير مدروسة بعد الزلزال، وكذلك في انهيار جسر ضخم في قرية تركية محاذية للحدود مع سورية تسبب في رفع منسوب مياه العاصي. ومع توالي الهزات الارتدادية انهار الساتر وتدفقت المياه إلى القرية لتغمرها وتجبر سكانها على الخروج.
ويرى متخصصون في الجيولوجيا أن السبب الرئيسي لحدوث الفيضان هو الزلزال الذي أدى إلى اندفاع غزير للمياه، وبعده فتح النظام السد في منطقة الغاب لتفادي تأثير الزلزال، كما سقط جسر إسمنتي في نهر العاصي بولاية هاتاي التركية ما رفع منسوب المياه.
ويقول الحاج عبد الرحمن العزو لـ"العربي الجديد" إن "فيضان النهر فاقم معاناة القرية التي انهار أكثر من 20 منزلاً فيها نتيجة الزلزال، ثم جاءت المياه وغمرت الحقول وعبثت بالأثاث والمفروشات فلم يعد هناك شيء صالح في القرية التي تهالكت الكتل الإسمنتية لبيوتها التي سلمت من أضرار الزلزال".
يضيف: "يعتمد أهالي القرية على الزراعة كمورد أساسي للرزق، لكن بعد الكارثة لم يعد لديهم ما ينتظرونه من المواسم إذ أتلفت المياه كافة المزروعات، وبات أهالي القرية يائسون من الحصول على مواسم هذا العام".
بدوره، يقول نادر المصطفى لـ"العربي الجديد": "خسارة الأهالي لا تنحصر في نزوحهم من القرية لأيام، وليس بالمقتنيات التي خسروها في منازلهم نتيجة تسلل المياه إليها، بل تشمل البساتين والأراضي الزراعية بعدما هلكت المواسم، وبات على المزارعين إعادة استصلاح أراضيهم المغمورة بالمياه وجرف تربتها، علماً أن الفيضان حمل إليها أيضاً نفايات وأخشابا توزعت في أراضي القرية".
يضيف: "رممت وزارة الزراعة الساتر الترابي مجدداً، لكن يجب أن ننتظر أياماً طويلة حتى تجف الأراضي كي نستطيع دخولها واستخدام آليات لجمع النفايات وحراثتها واستصلاحها من جديد لتجهيز المواسم الصيفية، ما سيرتب على المزارعين دفع تكاليف إضافية معظمهم عاجزون عن تسديدها".
وإلى قرية التلول شملت أضرار فيضان نهر العاصي قرى أخرى في ريف سلقين مثل بتيا ودلبيا والحمزية والحمرة وجكارة ومزرعة الشيوخ والعلاني، لكنها اختلفت بين قرية وأخرى، ولم تصل إلى حد إخلائها، أما الخسائر الاقتصادية فلم تكن قليلة.
وفيما يعتمد أهالي قرى ريف العاصي في شكل أساسي على الزراعة وتربية المواشي، دمرت المياه المزروعات، وأفسدت الأعلاف المخزنة للحيوانات.
ويخبر سكان من قرى العلاني والحمزية لـ"العربي الجديد" إن آثار الزلزال وفيضان النهر كانت واضحة من خلال تغيّر مستويات الأرض وانخفاضها في شكل ملحوظ في بعض المناطق مقارنة بنظيراتها في أراضٍ مجاورة، كما حدثت تشققات في الأراضي والتي نخشى أن تتفاقم، ما يجبرنا على دفع تكاليف كبيرة لاستصلاحها".
ويقول عبد الله الحسن من قرية دلبيا لـ"العربي الجديد": "كنا أوفر حظاً من أهالي التلول لأننا لم نضطر إلى ترك بيوتنا، لكن الأمر لم يمر من دون خسائر، فالمياه أتلفت مواسم المزروعات الشتوية التي يستحيل أن ينجو أي شيء منها، ما سيفاقم أزمة الأهالي الذين يعتبرون الزراعة مصدر دخلهم الرئيسي".
يضيف: "يستدين كثير من المزارعين أموالاً بأمل إعادتها بعد حصاد الموسم، واليوم لن يتجرأ أحد على تسليفهم لأنه يعلم أن المزروعات أتلفت ولم يعد يوجد ما يمكن الإفادة منه، ما يوجب توجيه المنظمات الإنسانية إلى هذه القرى من اجل تقديم دعم عاجل للأهالي".
ويقول رائد حميدو من قرية العلاني لـ"العربي الجديد": "وصلت مياه فيضان نهر العاصي إلى حظائر قريبة من مجرى النهر، ولم يتكبد الأهالي خسائر في المواشي، لكن المياه أتلفت الأعلاف المخزّنة كمؤونة للشتاء، ما يوجب تأمين الأهالي غيرها بسرعة للحفاظ على أرواح مواشيهم، وهذا أمر يفاقم معاناتهم ويضعهم في مفاضلة بين تأمين مستلزمات عائلاتهم أو تأمين أعلاف لمواشيهم التي تعتبر مصدر رزق مهم لهم، علماً أن بعض الأهالي سبق أن باعوا في ظل الأزمات السابقة جزءاً من مواشيهم لتأمين أعلاف للماشية التي بقيت لديهم".
ويؤكد أهالٍ أنهم في أزمة حقيقية، لكن كل المنظمات والجهات الرسمية مشغولة في تغطية احتياجات المنكوبين بالزلزال، ويتحدثون عن عدم حصولهم على المساعدات المطلوبة باستثناء تلك الإسعافية التي قدمت لهم لحظة فيضان النهر وانقلاب المياه باتجاه القرى، حيث جرى إجلاءهم ونقلهم إلى أماكن أكثر أمناً.