كان الصينيون القدماء يعتقدون أن تناول أي جزء من جسد الحيوان يغذي بالضرورة الجزء المماثل له في جسد الإنسان، والتعمق في معتقدات شعب تمتد حضارته إلى أكثر من خمسة آلاف عام يفسر كثيراً من الأمور والسلوكيات.
ترتبط معتقدات غالبية الصينيين بنوع الحيوان، ومدى أهميته في قائمة الـ12 حيواناً التي تمثل الأبراج الصينية، فعلى سبيل المثال، يعتبر القرد من أكثر الحيوانات ذكاء، وبالتالي فإن تناول دماغه يمنح مخ الإنسان المزيد من الخلايا النشطة والمحفزة، وكذلك الأمر بالنسبة لجلد الأفعى الأملس، ولحوم الكلاب التي تمنح الدفء، وأرجل الضفادع التي تبث النشاط والحيوية.
على هذا المنوال، ووفق تلك المعتقدات القديمة، تتأسس الذائقة الصينية في ما يتعلق بقائمة الطعام، ويجرى اختيار بعض الأطعمة دون غيرها، حتى وإن كانت غريبة، أو يعتبرها البعض مقززة، لكن الأمر مبني على مدى حاجة الجسم لها، وليس فقط الرغبة في التمتع بما لذ وطاب من الطعام، بل يكاد الحديث عن الشهية يكون أمراً مغيباً في الصين، الأمر الذي يفسر سبب عدم استساغة الصينيين السكاكر والأملاح والأطعمة التي تحتوي على إضافات صناعية.
يعمل جينغ مو في شركة للإلكترونيات بمدينة شينزن، جنوبي البلاد، ويقول، في حديث مع "العربي الجديد"، إن قائمة الطعام الصينية أقرب إلى الوصفات الطبية بسبب تأثر الناس بمعتقدات الأجداد، وإيمانهم المطلق بتأثير ذلك على حياتهم وصحتهم، ويوضح أنه شخصياً مرّ بتجربة مهمة، "فحين تأخرت ابنتي البالغة من العمر سنتين في التحدث، وبّختني أمي، واتهمتني وزوجتي بالتقصير في منح الطفلة كميات كافية من شوربة لسان الخنزير لاعتقادها أن ذلك يسرّع عملية النطق، ويطلق اللسان في سن مبكرة".
ويضيف: "بالفعل بدأنا نلمس تحسناً عندما واظبت زوجتي على إعداد شوربة لسان الخنزير لطفلتي، وبعد ستة أشهر فقط، بدأت تتحدث بطلاقة، الأمر الذي جعلني أنصت لنصائح أمي، وأؤمن أن مثل هذه الملاحظات ليست مجرد خزعبلات شعبية".
من جانبه، يقول تشون ووي، وهو صاحب مطعم في العاصمة بكين، إن "المأكولات التي تبدو غريبة للبعض، هي الأغلى ثمناً في قائمة الطعام الصينية، فعلى سبيل المثال، يصل سعر حساء دماغ القرد إلى أكثر من ألف وخمسمائة يوان، أي ما يعادل 215 دولاراً، وهذه الوجبة عادة ما تقدم كوليمة أساسية للضيوف وتبرز مدى حفاوة المضيف، وكذلك حساء السلحفاة الذي يمنح الجسم القوة والصلابة، أما ما يتعلق بلحوم الكلاب، فتلك عادة تنتشر في المناطق الشمالية الباردة، والناس هناك يعتقدون أنها تمد الجسم بالطاقة اللازمة للتغلب على برودة الأجواء، كما يقبل البعض على تناول حشرات وعنكبيات وحيوانات لافقارية سامة، وكل ذلك يتوقف على نسبة السموم فيها، فبعض السموم حين تدخل إلى جوف الإنسان تكوّن أجساماً مضادة للأمراض، وتساهم في القضاء على الميكروبات والطفيليات".
ورداً على أسئلة لـ"العربي الجديد" حول المقاربة الصينية بين الحيوان والإنسان على ضوء معتقدات الأجداد، وتأثيرها على أسلوب الحياة وقائمة طعام الصينيين، يوضح الباحث في معهد الدراسات والعلوم الإنسانية بمقاطعة فوجيان (شرق)، تشين يونغ، أن هذه المعتقدات نشأت مع الفلسفة البوذية التي دخلت الصين خلال حكم أسرة هان الإمبراطورية، حين كان للحيوانات تأثير كبير على تصرفات وسلوكيات المجتمع في تلك الحقبة.
ويضيف أن "الملمح الأبرز في ذلك هو تسمية الأبراج الصينية على أسماء 12 حيواناً، وتقول الأسطورة إنها كانت أول من لبى نداء بوذا حين طلب وداع سائر الحيوانات قبل رحيله، وتكريماً لها جرت تسمية كل سنة قمرية باسم حيوان منها، ولا يزال هذا التقليد سارياً حتى اليوم. بعدها، بدأت مواصفات كل حيوان تتداخل مع السنة الخاصة به، كما بدأت تنعكس على صفات المواليد في ذلك العام، لذلك يفضل الصينيون الإنجاب في عام دون آخر حرصاً على إنجاب طفل يحمل صفات معينة، مثل الرغبة في الإنجاب خلال عام القرد لضمان طفل نشط وذكي".
ويلفت يونغ إلى أن ذلك "انسحب على قائمة الطعام الصينية، فأصبح تناول أجزاء من جسم حيوان معين يكسب الإنسان مواصفات هذا الحيوان، وهي اعتبارات أساسية في المعتقد الصيني، وعلى ضوء ذلك، تجرى المفاضلة بين نوع طعام وآخر من دون الاهتمام بالشكل، فما يبدو مقززاً للبعض، يُنظر إليه على أنه حاجة ملحة لغايات صحية ونفسية، وبالتالي، فإن تناول الطعام وفق المنظور الصيني لا علاقة له بالترف، أو الرغبة بالشبع، بل بمدى حاجة الجسم لخلايا جديدة تساعده على البقاء في مستوى محدد من القوة والنشاط والحيوية".