قاصرات المغرب... قلق من انتشار زواج الأطفال

07 يناير 2022
مجرّد التفكير بالزواج المبكر ينتهك طفولتها (فاليري شاريفولين/ Getty)
+ الخط -

"لم أكن أعرف في ذلك الوقت معنى كلمة زواج. أخبرتني والدتي أنّ والدي اتّخذ قرار تزويجي من دون إعلامي من رجل من المدينة، لأجد نفسي بعد أيام في وضع جديد كنت أجهل كيفية التعاطي معه". بهذه الكلمات تبدأ فاطمة ابنة السبعة عشر ربيعاً روايتها تجربة زواجها المبكر. تضيف لـ"العربي الجديد" بعدما انتهت من استشارة قانونية في مركز "الوئام للإرشاد الأسري" بالعاصمة المغربية الرباط: "أُجبرت على ترك مقاعد الدراسة في قريتي لأُزوَّج رغماً عني برجل يبلغ من العمر 47 عاماً، قبل أن أكتشف بعد أسابيع أنّه مدمن وعاطل من العمل وأنّ أهله دبّروا الزيجة ليوفّروا له خادمة". وتتابع فاطمة أنّه "بعد عام من الزواج، وجدت نفسي مضطرة إلى طرق أبواب القضاء للخلاص من الكابوس"، مؤكدة أنّه لو يعود بها الزمن إلى الوراء وتتمكّن من تقرير مصيرها، لكانت فضّلت "متابعة دراستي والزواج لاحقاً بدلاً من أن أجد نفسي اليوم في ردهات المحاكم من جرّاء إجباري على الزواج من رجل يكبرني بأكثر من ثلاثين عاماً".

وحالة فاطمة هي واحدة من بين آلاف حالات زواج القاصرات في المغرب التي لم تفلح مدوّنة الأسرة منذ تعديلها في عام 2004 في محاصرتها على الرغم من رفعها سنّ الزواج إلى 18 عاماً. فالأرقام تبيّن منذ ذلك الوقت أنّ الأمر مستمرّ وأنّ لا نجاح تحقق في مواجهته. يُذكر أنّه في العام 2020، تلقّت محاكم المملكة نحو 20 ألف طلب لتزويج فتيات دون 18 عاماً، صدر بشأنها 13 ألفاً و335 إذناً بالزواج، ما يجعل الأمر مقلقاً ويتجاوز الاستثناء في القانون الذي يسمح بتزويج من لم تبلغ السنّ القانونية (18 عاماً)، وفق معطيات كشف عنها رئيس النيابة العامة في المغرب، الحسن الداكي، في خلال ندوة في 23 نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي.
يُثير زواج القاصرات جدالاً واسعاً في المغرب، في ظلّ دعوات جمعيات حقوقية ونسائية إلى تعديل القانون حتى لا يتسنّى الزواج لمن هي دون 18 عاماً، خصوصاً مع ما يترتّب عن ذلك من انعكاسات سلبية. وتمنح مدوّنة الأسرة في المادة 20 منها لقاضي الأسرة المكلف بالزواج أن يأذن بزواج الفتى والفتاة دون السنّ الأهلية، وذاك بقرار معلّل يبيّن فيه المصلحة والأسباب المبرّرة لذلك، بعد الاستماع إلى والدَي القاصر أو نائبه الشرعي والاستعانة بخبرة طبية أو إجراء بحث اجتماعي.

من جهتها، تنصّ المادة 21 على أنّ "زواج القاصر متوقّف على موافقة نائبه الشرعي، الذي يوقّع مع القاصر على طلب الإذن بالزواج ويحضر معه إبرام العقد، وفي حال امتناعه أو عدم موافقته على الزواج يبتّ القاضي في الموضوع".
تقول رئيسة "شبكة إنجاد ضد عنف النوع" التابعة لـ"الرابطة الديمقراطية للدفاع عن حقوق المرأة"، نجية تازروت، إنّ الأرقام التي كشف عنها رئيس النيابة العامة في المغرب صادمة جداً وتدق ناقوس الخطر حول حماية الطفلات، كذلك تحمّل الحكومة المسؤولية حول هذه الجريمة"، لافتة بحديث لـ"العربي الجديد" إلى أنّ "جانباً من حالات زواج القاصر يبقى غير ظاهر في الإحصاءات المعلن عنها، كزواج الفاتحة الذي لا يمكن التأكّد من أرقامه. وهو ما يجعلنا أمام معضلة تستوجب مزيداً من اليقظة وتضافر الجهود".

تكرار اختفاء الفتيات في المغرب (Getty)
الأوساط الاجتماعية الهشة هي الأكثر إنتاجاً لزواج القاصرات (راكيل ماريا كاربونيل باغولا/ Getty)

وبحسب دراسة تشخيصية أعدّتها رئاسة النيابة العامة وكُشف عنها في 23 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، فإنّ الزواج المبكر ليس شأناً قضائياً صرفاً تنحصر أسبابه في التدبير العملي لمقتضيات المادتَين 20 و21 من مدوّنة الأسرة، بل هو شأن مجتمعي تتعدّد أسبابه التي تتوزّع بين ما هو اجتماعي واقتصادي وثقافي وديني. وبيّنت الدراسة أنّ "الأوساط الاجتماعية التي تعاني من الهشاشة هي الأكثر إنتاجاً لزواج القاصر، فضلاً عن وطأة الأعراف والتقاليد والتأويل الخاطئ للدين، التي تُعَدّ من الأسباب الأساسية الدافعة لخيار الزواج المبكر"، في حين سُجّل "إقبال رجال التعليم وأئمة المساجد على الزواج من القاصرات والحال أنّ هؤلاء من المعوّل عليهم للمساهمة في التصدّي لهذه الظاهرة".
كذلك كشفت الدراسة أنّ 11.37 في المائة من حالات القبول بالزواج المبكر كان دافعها الأساس هو الفقر، وأنّ الزواج يصير أداة تمويل الأسرة سواء من خلال الهدايا العينية التي تتلقاها بعد الزواج بشكل مناسباتي بنسبة 54.73 في المائة أو المساعدات الدورية أو غير الدورية التي تحصل عليها بنسبة 38.69 في المائة. 
وتؤكد تازروت أنّ "دافع تزويج القاصرات في غالب الأحيان يكون اقتصادياً صرفاً، إمّا للتخلص من العبء المادي الذي تشكّله الفتاة على الأسرة وإمّا لكون الزوج قد يساهم في إعالة أسرة الفتاة. وأحياناً أخرى، تكون الأسباب ثقافية"، مشدّدة على أنّه "هنا يكمن دور التوعية عبر الجمعيات والإعلام ومختلف الفاعلين والمتدخلين من أجل تغيير هذه الأفكار المتجاوزة التي لا تليق بمغرب اليوم، ورفع كلّ أشكال الظلم والحيف والعنف ضدّ الفتيات/ النساء".
وبينما يُعَدّ زواج القاصرات استثناءً يخضع إلى شروط تنصّ عليها المادة 20 من مدوّنة الأسرة، يرى المحامي المغربي نوفل البعمري أنّه "تحوّل إلى قاعدة، لجهة المسطرة التي اعتُمدت لمنح الإذن بهذا الزواج. ويُعَدّ استمرار النص القانوني انتصاراً لعقلية تشريعية محافظة كان لا بدّ من أن تنتصر للطفولة". ويشير البعمري لـ"العربي الجديد" إلى أنّه "بخلاف المادة 19 التي تحدّد سنّ الزواج بـ 18 عاماً، فقد فُتح الباب لزواج القصّر دون السنّ القانونية، وهي مخالفة صريحة للدستور الذي نصّ على سموّ الاتفاقيات الدولية وعلى رأسها اتفاقية حقوق الطفل".

وفي ظلّ هذا الوضع، تطالب تازروت بـ"تغيير جذري وشامل لمدوّنة الأسرة وملاءمتها مع الاتفاقيات والمواثيق الدولية لحقوق الإنسان التي صادق عليها المغرب وتجريم تزويج القاصرات وإلغاء المادة 20 من مدوّنة الأسرة"، لافتة إلى أنّ "ذلك  جزء من التغيير الذي ننشده ونترافع بشأنه". وترى تازورت أنّه "يجب إلغاء السلطة التقديرية للقاضي نهائياً، لأنّه لا يمكن السماح بتزويج قاصر فالبنية الجسدية للطفلة تسمح بذلك، في حين يتمّ إهمال البنية النفسية"، مطالبة بـ"تدريبات مستمّرة للقضاة في مجال حقوق الإنسان وتفعيل الاتفاقيات الدولية التي صادق عليها المغرب ومن ضمنها حقوق الطفل". وتؤكّد تازروت الحرص على "تدريس فتاة اليوم وتمكينها اقتصادياً بدلاً من تزويجها. فهذا هو المدخل الرئيس للحدّ من ظاهرة العنف ضدّ فتيات ونساء الغد"، مشيرة إلى أنّ "هذا العنف الذي لا يطاول النساء فقط بل يمتد إلى الأطفال والمجتمع برمته، له عواقب وخيمة وتكلفة اقتصادية باهظة على الدولة".

 

الفقر دافع أساس

كشفت دراسة أصدرتها رئاسة النيابة العامة أخيراً أنّ 11.37 في المائة من حالات القبول بالزواج المبكر كان دافعها الأساس هو الفقر، وأنّ الزواج يصير أداة تمويل الأسرة سواء من خلال الهدايا العينية التي تتلقاها بعد الزواج بشكل مناسباتي بنسبة 54.73 في المائة أو المساعدات الدورية أو غير الدورية التي تحصل عليها بنسبة 38.69 في المائة.

فتيات في المغرب (راكيل ماريا كاربونيل باغولا/ Getty)
المسؤولية الملقاة على عاتقها أكبر منها (راكيل ماريا كاربونيل باغولا/ Getty)