يواجه أهالي قرية المغير شمال شرقي رام الله وسط الضفة الغربية خطوات يعتبرون أنها "ممنهجة ومنسقة بين جيش الاحتلال الإسرائيلي والمستوطنين للضغط عليهم من أجل توفير بيئة تسمح بالسيطرة على أراضٍ تابعة للقرية، وتقع خصوصاً في منطقة تشرف على الأغوار الفلسطينية شرقاً".
وشهدت الأسابيع الثلاثة الأخيرة اشتداد الحصار على قرية المغير أحياناً عبر حواجز عسكرية نصبها الاحتلال على مداخل القرية، واعتداءات نفذها مستوطنون بينها حرق محاصيل زراعية آخرها الجمعة الماضي في سهل بلدة ترمسعيا المجاورة.
ويؤكد أهالي المغير أن الاعتداءات عليهم وعلى ممتلكاتهم لا تتوقف، لكن الحصار المفروض عليهم أسلوب جديد للاحتلال من أجل فتح قناة تفاوض معهم على توفير الأمن للمستوطنين، ووقف التصدي لتوسيع رقعة سيطرتهم على الأراضي.
ويقول رئيس مجلس قروي المغير، أمين أبو عليا، لـ"العربي الجديد"، إن "جيش الاحتلال خلال الأسابيع الماضية أوصل رسائل للتفاوض على إزالة الحواجز مقابل توفير الأمن للمستوطنين، وذلك من خلال منع أهالي القرية أحياناً من عبور الحاجز العسكري عند المدخل الغربي، أو عن طريق هيئة الارتباط الفلسطيني التي تتولى الاتصال بمؤسسات وأجهزة للاحتلال، أو باستخدام اتصالات هاتفية مباشرة، لكن المشكلة هي مع الاحتلال والمستوطنين وليست على حاجز. وإذا كان ثمن إزالة الحواجز مقابل أراضينا فلتبقَ إلى الأبد".
ويروي أبو عليا أن ضابطاً في استخبارات الاحتلال وعده، في اتصال هاتفي، بإعطاء تصاريح لرحلات مدرسية للتلاميذ إلى البحر (حيث يحرم الفلسطينيون من الوصول إلى البحر المتوسط في الأراضي المحتلة عام 1948)، فرد عليه بأن الوطن لا يستبدل برحلات تنزه".
وكان أبو عليا قد خسر في 26 مايو/ أيار الماضي محصوله الزراعي الذي أحرقه المستوطنون مع مركبات كانت قريبة من أرض في بلدة ترمسعيا، فخسر نحو 10 آلاف شيكل (2800 دولار)، وهو يؤكد أن المستوطنين تحركوا بحماية كاملة من جيش الاحتلال الذي أصاب شباناً فلسطينيين.
ويشير الأهالي إلى أن هذه الحوادث تتكرر منذ سنوات، لكن حصار جيش الاحتلال لقرية المغير أسلوب حديث أثرّ على تلاميذ مدارس وطلاب جامعات وموظفي مؤسسات ووزارات وعاملين في كل المجالات، وأشخاص احتاجوا إلى الخروج من القرية لقضاء احتياجات أو الوصول إلى أطباء وزيارة مستشفيات.
وتقول مديرة مدرسة بنات المغير الثانوية حنان عواد لـ"العربي الجديد": "اضطررت مرة إلى العودة مع معلمات أتين من خارج المغير حين وصلنا إلى الحاجز العسكري الإسرائيلي عند المدخل الغربي، وذلك بعدما انتظرنا هناك ساعة ونصف الساعة تقريباً، وسلكنا في أيام أخرى طرقاً وعرة للوصول إلى المدرسة بعدما وفر المجتمع المحلي والمجلس القروي مركبات لنا".
أيضاً تتأخر المعلمات في العودة إلى قراهن وبلداتهن حين يغلق الاحتلال الحاجز العسكري، ويضطررن إلى عبور طرق أخرى طويلة. كما أطلق الاحتلال الغاز والرصاص خلال مواجهات اندلعت إثر خروج تلاميذ من المدارس، ما خلق بيئة أثرّت عليهم خلال الأسابيع الماضية.
ويقول عطاف أبو عليا، وهو سائق مركبة عمومية من المغير، لـ"العربي الجديد": "لا أستطيع الانتظار ساعات على الحاجز العسكري حين أنقل ركاباً يرتبطون بدوام عمل، وطلاباً يريدون الوصول إلى الجامعات. وجيش الاحتلال يختار في كثير من الحالات التضييق وقت ذروة الخروج من القرية صباحاً".
ويضطر عطاف أبو عليا في حالات التضييق والإغلاق إلى سلوك طرق أخرى أحدها قرب كسّارة حجارة، ثم يقطع بعدها نحو 15 كيلومتراً للعودة إلى وجهته، ويسلك أحياناً أخرى طرقاً بين أشجار زيتون. لكن الطريقين يمكن أن ينتهيا بمواجهة مركبة للاحتلال تعيده من حيث أتى. وفي إحدى المرات حين هطلت أمطار في شكل مفاجئ في ظل الأجواء الصيفية، انزلقت مركبته وأصيبت بأضرار خلال مروره بين أشجار.
ولقرية المغير مدخلان رئيسيان، أحدهما في الغرب ويؤدي إلى بلدات ترمسعيا وخربة أبو فلاح والمزرعة الشرقية، ومنها إلى مناطق أخرى بينها مدينة رام الله، والثاني في الشرق يوصل القرية بما تسميه إسرائيل شارع "ألون" الاستيطاني الذي يفصل بين قرى شرق رام الله وأراضيها التي تشرف على الأغوار.
وتندلع مواجهات كثيرة مع الاحتلال عند المدخل الشرقي، وتحصل إغلاقات متكررة. وخلال الأسابيع الماضية، شهد المدخل تجمعات للمستوطنين مع إغلاقه، ووضع أحد أعضاء الكنيست مكتباً رمزياً له هناك.
ويقول الناشط مرزوق أبو نعيم، لـ"العربي الجديد": "أعلن جيش الاحتلال نيته إنشاء برج عسكري على مساحة 100 متر مربع من المدخل الشرقي، حيث صادر أراضي لدواعٍ أمنية. وسيزيد تشييد هذا البرج في حال تنفيذه عزل الناس عن أراضيهم التي تتجاوز مساحتها 30 ألف دونم شرقي شارع ألون، ما يشكل المتنفس الزراعي والرعوي للأهالي باعتبار أن هذه الأراضي تشرف على الأغوار. وسيبقى لهم بالتالي مساحة ألف دونم فقط".
وكان الاحتلال قد زعم في بداية الحصار أنه فرضه بسبب إلقاء حجارة على مركبات المستوطنين على شارع "ألون" شرقي القرية، لكن الإغلاق شمل غربي القرية، أي في اتجاه القرى الفلسطينية، ثم أصبح جنوده ينقلون مع السائقين رسائل في شأن ضرورة إعادة أهالي القرية إشارة مرور حديدية على شكل "يد قف"، وحاجزاً معدنياً يستخدم لإيقاف المركبات، بعدما زعموا أن شخصاً من القرية أخذهما من الحاجز، لكن أبو نعيم يؤكد أنها "رواية مختلقة، فكيف يمكن أن يحصل شخص عليها في ظل وجود جنود الاحتلال؟".
ويفسّر أمين أبو عليا العقاب الجماعي والأعذار المختلقة، بأنها "محاولة لنقل الصراع إلى داخل التجمعات الفلسطينية، وفي هذه الحالة إلى قرية المغير، لمحاولة خلق حالة تذمر لدى الناس، ووقف تصديهم للمستوطنين، إذ تعد منطقة شرق المغير ومنطقة شرق شارع ألون مسرحين لعمليات سيطرة على الأراضي عبر البؤر الرعوية والاستيطانية التي تعتدي على المزارعين والبدو ورعاة الأغنام لإفراغ المساحات الواسعة الممتدة حتى قرى الغور. وتسبب ذلك في حدوث صدامات يومية بين الأهالي والمستوطنين استشهد فيها العديد من أبناء المغير، وجرح واعتقل آخرون".
يتابع: "هجّر الاحتلال سكاناً وبدويين يقيمون في مناطق عدة تشرف على الأغوار، لكنه لم يستطع فعل ذلك في المغير في ظل التصدي والصدام القائم طوال الوقت، فبادر إلى خلق مشكلات للناس مثل الحواجز، كي يتفاوض معهم عليها، ويصرف الانتباه عن القضية الأساس الخاصة بمحاولة انتزاع الأرض".
وتتخوف القرية من سيناريوهات أكثر سوءاً، بسبب التحريض المتواصل والممنهج من المستوطنين، وقيادات إسرائيلية واستيطانية ضد القرية، ومشاركة أعضاء في الكنيست بتحركات المستوطنين، ودعوة متطرفين إلى تهجير القرية وحرقها كما يؤكد أمين أبو عليا.