تشتهر مختلف مناطق ومحافظات تونس ببعض المنتجات التقليدية والملابس الخاصة بها. وكما اشتهرت المناطق الساحلية بصناعة "السفساري" و"الجبة" من الحرير وهي ملابس خفيفة، فإنّ غالبية المناطق الصحراوية في الجنوب والمناطق الريفية في الشمال الغربي اشتهرت بصناعة "البرنس" و"القشابية" من الصوف، نظراً لبرودة الطقس في تلك المناطق، وتساقط الثلوج خصوصاً في محافظات الشمال.
وكان البرنس الرجالي يدل على البذخ ولا يرتديه سوى أعيان البلاد، ويعد مظهراً من مظاهر الرفاه الاجتماعي. إلا أنّ "القشابية" كانت لباساً خاصاً بعامة الناس. وحتى اليوم، ما زال غالبية سكان الأرياف في البلاد يرتدون "القشابية" كونها أفضل لباس يقيهم البرد، خصوصاً في المرتفعات التي تنخفض فيها درجات الحرارة إلى ما دون الصفر.
و"القشابية" لباس رجالي بالأساس يغطي كل الجسم ويحميه من البرد. وإلى جانبه، يضع مرتدوه طربوشاً كبيراً. في السابق، كان يصنع من الصوف البني اللون. أما اليوم، فتستخدم في صناعته ألوان مختلفة منها الأبيض. وما زال مئات الحرفيين في العديد من الجهات يحافظون على تلك الحرفة التي تتوارثها الأجيال وتوفر فرص عمل. كما تلقى مصنوعاتهم رواجاً كبيراً لا سيما في مناطق الشمال والجنوب، ويستخدمها المزارعون على وجه الخصوص، علماً أن بعض الحرفيين يروّجون لمنتجاتهم خارج تونس، أي في البلدان المغاربية التي تتشارك الزي نفسه مع تونس على غرار ليبيا والمغرب والجزائر.
وتُصنع القشابية من الصوف من خلال المنسج التقليدي (أو النول وهو آلة تدار يدوياً أو آلياً وتستخدم في نسج النسيج) في عدّة دكاكين صغيرة توجد في غالبية المدن العتيقة والأحياء القديمة، حيث ظهرت الحرفة لأول مرّة.
في المرحلة الأولى، تعمل النساء في جمع الصوف بعد جزّه مباشرة وغسله على حافة الأودية أو قرب بعض البحيرات. بعدها، يتم فرزه ثم غزله خيوطاً رفيعة وطويلة، ليقوم الرجال في ما بعد بصنع القشابية من تلك الخيوط على المنسج التقليدي الذي يُستخدم لصناعة العديد من المنسوجات الصوفية.
وتستغرق الحياكة نحو شهر واحد. وفي المرحلة الأخيرة، تتم خياطة القشابية وتطريزها في محلات خاصة بالتطريز. ويحتاج هذا اللباس إلى نحو ثلاثة كيلوغرامات من الصوف. وما زالت الغالبية تُقبل على شراء تلك التي تُصنع يدوياً لأنّها أفضل جودة من تلك التي تصنعها الآلات الحديثة.
في هذا السياق، يقول الحرفي عبد الرحمن بوغانمي، أحد سكان مدينة الكاف في الشمال، لـ "العربي الجديد"، إنّه يصنع الملابس الصوفية ولا سيما منها القشابية بالطريقة التقليدية كما تعلّمها من والده منذ 30 عاماً. وكان غالباً ما يستعمل الصوف الأسود أو البني اللون الذي يفضله غالبية سكان الأرياف. لكن باتت القشابية تصنع اليوم من الصوف الأبيض أو ألوان عدة تجذب الشباب، وحتى القاطنين في المدن. يضيف أنه يروّج منتجاته في أسواق عدة في الجزائر وليبيا، "لأنّ العديد من المناطق في هذين البلدين ترتدي اللباس نفسه".
في الوقت الحالي، هناك تصاميم مختلفة من القشابية وبألوان عدة. ولم تعد لباسا خاصاً بالرجال، بعدما أصبحت النساء يرتدينها كنوع من الزينة ولمواكبة الموضة. وقد أدخلت إضافات عليها، ولم تعد تحاك من لون واحد بل تزخرف بعدّة زخارف وتطرز حتى بخيوط الحرير الملون، لتلقى رواجاً بين الشباب في المدن، ما يعني أنها لم تعد حكراً على سكان الأرياف والقرى. حتى سكان المدن باتوا يقبلون على لباس القشابية الذي كانت لباساً لفقراء الأرياف بالخصوص.
من جهتها، تشير فاطمة رحيمي، وهي حرفية متخصصة في تنظيف وغزل الصوف، إلى أنّ "القشابية هي لباس أمازيغي بالأساس، تُوفر فرص عمل للمواطنين خصوصاً في الأرياف، حيث يتوفر الصوف بعد جز الغنم. كما توجد بعض دكاكين الصباغة حيث يصبغ الصوف بألوان مختلفة لتقوم النسوة بغزله قبل بيعه إلى الحرفيين المتخصصين في نسج القشابية، وتستغرق عملية الغزل أكثر من شهر لتوفير كمية من الخيوط التي تستعمل لحياكة قطعة واحدة".
ورغم أنّ العديد من الأزياء التونسية تأثرت بالموضة، مع طغيان الملابس الحديثة، ولم تعد العديد من الملابس التقليدية تلبس سوى في الحفلات أو المهرجانات، ليبقى للقشابية جاذبيتها ومكانتها في فصل الشتاء، خصوصاً لدى الفقراء، لا سيما وأنّ أسعارها لا تتجاوز الـ 50 دولاراً، سواء تلك المصنوعة يدوياً أو التي تصنع داخل المصانع. ولا يستغني سكان الأرياف عن ذلك اللباس على الرغم من توفر ملابس شتوية حديثة تقيهم برد الشتاء. ويشير الشافعي (45 عاماً)، وهو أحد سكان تاجروين في محافظة الكاف، إلى أنّها لباس فضفاض سهل الارتداء ولا يعيق الحركة. كما أنّها تتحمل الأمطار. يضيف أنّ " تلك التي تُصنع بطريقة يدوية قادرة على الصمود لأكثر من عشر سنوات. لهذا السبب، يقبل عليها سكان الأرياف دون سواها من الملابس الأخرى".
محمد الضيافي أحد الحرفيين في المدينة العتيقة في العاصمة، يقول لـ "العربي الجديد" إنّ غالبية تجار الملابس الرجالية التقليدية في هذا السوق يبيعون القشابية لأنّها تلقى رواجاً كبيراً خصوصاً في فصل الشتاء. وعلى الرغم من أنّ هذا الزي يعود إلى أكثر من 200 سنة، إلاّ أنّه ما زال يباع بكميات كبيرة حتى للشباب مهما اختلفت ألوانه وأشكاله وحتى تلك التي أدخلت عليها تحسينات وزخرفة.