ينظر الخبراء الاجتماعيون إلى قضية لاعب كرة القدم المصري شيكابالا، الذي تعرض لإساءة من جماهير الفريق المنافس، باعتبارها صورة تعكس ظاهرة أوسع بكثير، ولها خلفياتها العميقة في المجتمع المصري
تبدو أزمة لاعب نادي الزمالك المصري محمود عبد الرازق، الشهير بـ"شيكابالا"، أزمة كروية باعتبار أنّ الإساءة إليه جاءت من جماهير الفريق المنافس، النادي الأهلي المصري، كونه أسود البشرة، لكنّها في الحقيقة أزمة اجتماعية كبرى يعاني منها المجتمع المصري منذ فترة طويلة، استلزمت إدخال بعض التعديلات القانونية لمواجهة التنمر (بالتعريف القانوني المصري) باعتباره أحد صور التمييز.
بعدما توج الأهلي بطلاً لدوري أبطال أفريقيا عقب فوزه على الزمالك بهدفين مقابل هدف في المباراة التي أقيمت على استاد القاهرة الدولي، يوم الجمعة الماضي، انتشرت مقاطع فيديو وصور على مواقع التواصل الاجتماعي، لبعض مشجعي النادي الأهلي ومعهم كلب أسود، ألبسوه قميص شيكابالا، لتنتقل المباراة من أرض الملعب إلى ساحات التواصل الاجتماعي، ومنها إلى النيابة العامة المصرية، إذ ألقت قوات الأمن القبض على ثلاثة على الأقل من مشجعي النادي الأهلي المتورطين في هذه الأفعال، ومن المتوقع محاكمتهم بتهمة "التنمر" المضافة حديثًا إلى قانون العقوبات المصري. ففي يوليو/ تموز الماضي، وافق مجلس الوزراء المصري على مشروع قانون بتعديل بعض أحكام قانون العقوبات بإضافة مادة جديدة لتجريم التنمر، وصدّق عليه الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، في منتصف سبتمبر/ أيلول الماضي، ليدخل حيز التنفيذ.
يعرّف التنمر في التعديلات القانونية بأنّه "كلّ قول أو استعراض قوة أو سيطرة للجاني أو استغلال ضعف المجني عليه، أو لحالة يعتقد الجاني أنّها تسيء للمجنيّ عليه؛ الجنس أو العرق أو الدين أو الأوصاف البدنية أو الحالة الصحية أو العقلية أو المستوى الاجتماعي، بقصد تخويف المجنيّ عليه أو وضعه موضع السخرية أو الحطّ من شأنه أو إقصائه من محيطه الاجتماعي". وبموجب هذه التعديلات، يعاقب المتهم بالتنمر بالحبس مدة لا تقل عن ستة أشهر وبغرامة لا تقل عن عشرة آلاف جنيه (640 دولاراً أميركياً)، ولا تزيد على ثلاثين ألف جنيه (1916 دولاراً)، أو بإحدى هاتين العقوبتين. وتكون العقوبة بالحبس "مدة لا تقل عن سنة وبغرامة لا تقل عن عشرين ألف جنيه (1277 دولاراً)، ولا تزيد على مائة ألف جنيه (6385 دولاراً)، أو بإحدى هاتين العقوبتين إذا وقعت الجريمة من شخصين أو أكثر، أو كان الجاني من أصول المجني عليه أو من المتولين تربيته أو ملاحظته أو ممن لهم سلطة عليه". وبالفعل، حوكم عدد من الأشخاص بهذه التهمة، وكان آخرهم متهمان اثنان عوقبا بالسجن عامين مع الشغل والنفاذ، وجرى تغريمهما 100 ألف جنيه (6385 دولاراً)، في واقعة تنمر واعتداء بالضرب على طفل سوداني، بأحد الأحياء الشعبية في العاصمة المصرية القاهرة، في يوليو/ تموز الماضي.
المواجهة مطلوبة
حقوقيون ومراقبون ثمّنوا خطوة الإصلاح التشريعي، لكنهم أكدوا على ضرورة اتخاذ مزيد من الإجراءات لمكافحة التنمر بكلّ أشكاله في المجتمع المصري، خصوصاً أنّها أصبحت ظاهرة مخيفة، تكشف عنها مواقع التواصل الاجتماعي، التي تُنشر من خلالها بين الحين والآخر مواقف تنمر قاسية. ويقول أستاذ علم اجتماع مصري، فضل عدم الكشف عن هويته، إنّ وقائع التنمر زادت كثيراً خلال السنوات الماضية، ومنها وقائع الإساءة للأشخاص من ذوي الإعاقة، وذوي الاحتياجات الخاصة عموماً، والتنمّر عليهم أو تهديدهم بحيوانات مثل الكلاب وغيرها، وكلّها مواقف تنمّ عن خلل ما في تركيبة الشخصية المصرية. يتابع أنّ زيادة معدلات التنمر في المجتمع المصري، تشير بشكل أو بآخر إلى ارتفاع معدلات الجريمة وحالات الانتحار، فلا يمكن الفصل بين كلّ تلك الظواهر المجتمعية المنتشرة أخيراً.
أما على صعيد كرة القدم، فيقول أستاذ علم الاجتماع إنّ الظاهرة نفسها موجودة في التشجيع الكروي، وخارج هذا الإطار، فواقعة العنصرية ضد اللاعب شيكابالا، لا تتعلق بأدائه في الملعب، لكن تتعلق بلون بشرته، وبالتالي لا يمكن تصنيف الواقعة باعتبارها مشاحنات ومشادات بين جماهير الكرة، بل إنّ الأمر أبعد من ذلك بكثير، وتحديداً بتوجه عدد من المشجعين إلى مقابر أسرته - إن صحت تلك الواقعة - في تصرف ينمّ عن عنف وتطرف في التفكير. ويرمي الأستاذ بالكرة في ملعب المجتمع المدني والإعلام، لشنّ حملات لمواجهة التنمر والتمييز والعنصرية، على غرار الحملة الشهيرة التي أطلقتها منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف)، التي أثمرت إضافة جريمة التنمر في قانون العقوبات المصري.
وكانت لنقابة المحامين المصريين ملاحظة موضوعية على تعريف التنمر في قانون العقوبات المصري، بمقارنته بحقيقة مصطلح "تنمر" الذي ذاع انتشاره في الفترة الأخيرة على وسائل التواصل الاجتماعي وفي أروقة الأمم المتحدة، لا سيما بعدما تبنت منظمة اليونيسف حملتها الشهيرة لحماية الأطفال من التنمر، إذ لم تعنَ أغلب التشريعات التي واجهت التنمر بوضع تعريف تشريعي له، لأنّه في حقيقته مجرد سلوك يستهدف الإيذاء النفسي والبدني، وهذا الإيذاء له صور متعددة، كالسبّ والقذف والابتزاز والتحرش الجنسي والفعل الفاضح وغير ذلك من صور السلوك التي تنال بالضرر مصالح الإنسان في حماية نفسه وشرفه واعتباره، وبالتالي رأت النقابة أنّ هناك قصوراً عن الإحاطة بمختلف صور السلوك الأخرى التي يتعرض لها الإنسان بمختلف الطرق، وفي مختلف الأماكن، سواء في الواقع الحقيقي أو الافتراضي، وهو ما ينطبق على واقعة اللاعب شيكابالا، الذي واجه من قبل كثيراً من مواقف التنمر بسبب شكله ولون بشرته المختلف عن لون بشرة زوجته وابنه.
وكانت الدراسات الاجتماعية التي بحثت التنمر كسلوك، قد أشارت إلى أنّه في حقيقته شكل من أشكال الإساءة والإيذاء الموجه من فرد واحد أو مجموعة من الأفراد إلى شخص أو مجموعة من الأشخاص، وهو غير مقتصر على صورة واحدة، بل ينطوي على عدد هائل من الأفعال التي يتجسد فيها، ويمكن أن يكون لفظياً أو جسدياً، أو عبر إشارات وتلميحات وإيماءات. وفي هذا، يلفت أستاذ علم الاجتماع إلى ضرورة إعادة النظر في الركن المعنوي لجريمة التنمر، أو الغاية النهائية التي يريد المتنمر الوصول إليها ويتخذ في سبيل ذلك سلوكيات وإيماءات وأفعالاً هي مجرد وسيلة للوصول إلى غايته الأبعد، وهي الاغتيال المعنوي للشخص المجني عليه، من خلال استهداف شرف الضحية ووضعه المجتمعي بهدف إلحاق الأذى النفسي به.
وقائع أخيرة
وعلى أساس انتشار الظاهرة أخيراً، فإنّ أخبار وقائعها تزداد. على هذا الأساس يمكن القيام بجردة للأشهر القليلة الماضية فقط للتعرف إلى بعض تلك الوقائع التي وصلت إلى الإعلام المصري ووسائل التواصل الاجتماعي. ففي نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، باشرت السلطات المصرية تحقيقات في واقعة تنمر ضد سيدة وبناتها بسبب لون بشرتهن الداكن، من قبل جارتها بسبب خلافات بينهما، وتطور الأمر إلى سبّهن بألفاظ نابية والاعتداء عليهن، واضطرت السيدة لتقديم بلاغ رسمي بعد الحالة النفسية السيئة التي وصلت إليها بناتها وخشيتهن من مجرد النزول إلى الشارع. وفي أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، انتشر مقطع فيديو على مواقع التواصل الاجتماعي لشاب "يسحل" مسناً ويجره من قدمه في الشارع في وضح النهار، لإضحاك أصدقائه، بينما يتوسل المسنّ أن يتركه. وفي الشهر نفسه، انتشر على مواقع التواصل الاجتماعي مقطع فيديو لواقعة تنمر على طفل من ذوي الاحتياجات الخاصة، من أربعيني، في مدينة قوص بمحافظة قنا، جنوبي مصر، وانتهت بلا تحقيقات وبالتراضي.
وفي سبتمبر/ أيلول الماضي، انتشر مقطع فيديو على مواقع التواصل الاجتماعي، لشابين يتجهان بشكل مباغت نحو رجل مسنّ كان يقف على حافة ترعة في إحدى القرى المصرية، ويلقي أحدهم بالعجوز في الماء، فيما يصور الآخر الواقعة، وسط ضحكات وسخرية. وفي الشهر نفسه، انتشر مقطع فيديو على مواقع التواصل الاجتماعي لشبان يتنمرون على أحد الأشخاص بمحافظة سوهاج، جنوبي مصر، ويضحكون ويسخرون منه بإلقاء أكياس مملوءة بالمياه عليه أثناء ركوبه عربة يجرها حمار (كارو). وفي الشهر نفسه، انتشر على مواقع التواصل الاجتماعي مقطع فيديو لأشخاص يتنمرون على مريض نفسي ويرمونه بأحجار، بهدف الضحك والسخرية، في محافظة القليوبية، بدلتا مصر. كذلك، وقعت في سبتمبر واحدة من أبشع الجرائم بسبب التنمر، إذ توفي طفل عندما أحرقه أصدقاؤه باستخدام البنزين، في محافظة المنوفية، بدلتا مصر.