أسندت الحكومة التركية إلى مراكز بحوث وجامعات مهمة الحفاظ على سلالات لقطط نادرة من سلالتي "فان" و"أنغورا"، ما أنقذها من الانقراض، ووضعها مجدداً على سكة التكاثر.
يلاحظ أي زائر لتركيا بسرعة درجة التآلف الكبيرة وعلاقة الأمان السائدة غريزياً بين الحيوانات الأليفة والإنسان، إذ يندر أن يحلّق طائر أو تهرب قطة إذا اقترب منهما شخص. وقبل فترة، صادق البرلمان على قانون "حماية الحيوان" الذي أبعدها عن أن تكون سلعة وأدخلها مكانة الكائنات الحية من خلال فرض عقوبات قد تصل إلى حد السجن، ودفع غرامات كبيرة لمن يعتدي عليها أو يعذبها، أو يتاجر بها في شكل غير منظّم.
ومن مواد القانون الجديد، الحكم على شخص يقتل حيواناً معرضاً لخطر الانقراض بالسجن بين سنة و5 سنوات، والشخص الذي يدمر نوع حيوانات أو فصيل بالسجن بين 5 و10 سنوات، والشخص الذي يتعمد قتل حيوان أليف أو ضال بالسجن بين 6 أشهر و4 سنوات. كما يمنع القانون التجوّل مع حيوانات من لا يملك شهادة تسجيل، ولا يضع كمامة. لكن هذا القانون جاء متأخراً بالنسبة إلى حيوانات مهددة بالانقراض بسبب عقود من المتاجرة بها واستغلال ندرتها، وتهافت السياح والتجار على نقلها إلى مزارع وبيوت ومتاجر في العالم.
وفي مقدمة هذه الحيوانات سلالتا قطط "فان" و"أنغورا" اللتان تنبهت تركيا، قبل فوات الأوان بقليل، إلى المخاطر المحدقة بهما، فكلفت جامعة يوزونجويل في ولاية يوان مهمة الحفاظ عليها وزيادة عددها، والتي أنشأت بدورها "فيلا" خاصة بتكاثر هذه القطط.
وهذا العام، أنجبت 23 قطة من سلالة "فان" 60 صغيراً، فزال الخوف من انقراضها بحسب ما يؤكد مدير المركز المتخصص بالحيوانات في الجامعة البروفسور عبد الله قايا الذي يتوقع في المرحلة التالية ولادة بين 150 و200 قط وقطة سنوياً، والتي يشير إلى أنها ستتلقى مع صغارها كل أنواع الرعاية والاهتمام. وحول مصير القطط الجديدة وأمهاتها، يفيد قايا بأن "فيلا القطط" تعطي بالتنسيق مع الولاية قططاً للأهالي من أجل تبنيها ورعايتها، ويحتفظ بقسم منها للتكاثر والمراقبة.
وتتميز قطة "فان" المشهورة عالمياً بلونها الأبيض الناصع، وفروها الحريري واختلاف لون عينيها، وطريقة مشيتها كون ذيلها طويلا كما الثعلب، كما تنفرد بحب الماء والسباحة. وجاءت خطوة حماية سلالة قطط "فان" من الانقراض، بعدما بادرت ولايات عدة في مقدمها تلك في العاصمة أنقرة إلى حماية سلالة قطط "أنغورا" النادرة، بعدما تراجعت ولاداتها، وزادت عمليات شراء السياح لها بسبب ميزات فروها اللامع وسرعتها التي منحتها المراكز الأولى في سباقات القطط المقامة سنوياً في أوروبا.
ويهتم مركز حماية القطط في أنقرة بتربية هذا النوع من القطط الذي يعتبر أحد أقدم السلالات التي تتمتع بشعر طويل لامع وعيون ملوّنة، بعد الولادة تمهيداً لبلوغها ثلاثة أشهر حين تسلم إلى متطوعين يرغبون في العناية بقطط صغيرة من سلالة "أنغورا" تحديداً. وتوضح المسؤولة في مركز أنقرة، عائشة قورقماز، أن "جامعات في العالم تدرس الخريطة الجينية لقطط أنغورا، لكن إخراجها من تركيا بات أمراً محظوراً حالياً، ويتولى المركز مراقبة القطط من خلال وضع شرائح خاصة في أجسامها تحتوي أرقاماً ومعلومات للتعريف عنها".
ولا يقتصر الاهتمام التركي على سلالات القطط النادرة، بل يطاول كل الحيوانات حتى تلك الضالة والمشردة، إذ أحدثت السلطات قبل سنوات قرية القطط على مساحة 10 آلاف متر مربع في منطقة غابات خضراء تبعد نحو 20 كيلومتراً عن مركز مدينة سامسون،، ووفرت كل خدمات الغذاء والعلاج لنحو 1000 قط وقطة. كذلك أنشأت سلطات ولايتي مرسين وجناق قلعة حديقتين حصريتين للقطط تتضمنان كل الاحتياجات بإشراف متخصصين وأطباء بيطريين. وبالنسبة إلى القطط التي ولدت حديثاً والمعوقة وغير المرغوب بها عموماً، أنشأت مؤسسة هاتاي للطبيعة والحياة مدينة مخصصة لها في مدينة أنطاكية.
تقول عائشة أرسلان لـ"العربي الجديد: "بيع القطط التركية لسياح وزوار وأغنياء يعيشون خارج البلاد، جريمة"، مشيرة إلى أن "محلات في منطقة امينينو بمدينة إسطنبول تبيع أصنافاً نادرة للسياح، رغم أن القطط التركية نادرة على مستوى العالم، ومن أسرار حماية بلدنا، لأن وجودها يطرد الشياطين". تضيف: "حب الأتراك للقطط كبير، وهم يربونها في المنازل، أو يؤمنون طعامها وشرابها في الشوارع، فيما تلتزم البلديات بتأمين مأوى للقطط والكلاب خلال الثلوج والبرد الشديد. وهذه عادات عثمانية متوارثة تشمل حتى القطط الشاردة. أما قطط أنغورا وفان فشكلها وجمالها مختلفان وعددها قليل وثمنها يزيد عن 800 دولار".
وفي زيارة أجرتها لمحلات بيع القطط والحيوانات الأليفة خلف جامع الجديد "يني جامع"، وأخرى تقع في جوار السوق المصري بمنطقة أمينيو، عاينت "العربي الجديد" الإقبال الكبير للسياح والشباب الأتراك على السوقين، لكن وجود قطط من سلالتي "فان" و"أنغورا" كان قليلاً. وأبلغنا صاحب محل ويدعى جنكيز أن السلطات تراقب مبيعات قطط السلالتين بعدما تراجع عددها وباتت مهددة بالانقراض. وقد منعت عمليات البيع بالكامل عامي 2015 و2016، ثم سمحت بحصولها، لكنها تلاحق عرض قطط للبيع كسلع لأنها تريد حصره بكاتالوغات عن بعد".
ويستبعد جنكيز أي ضرر من بيع القطط، حتى تلك النادرة، مشدداً على أن "الأتراك يستوردون قططاً نادرة في العالم، مثل القط الأكزوتيك والقط الاسكتلندي والياباني والشانشيلا وقط الماو المصري، وهذه الأنواع الجميلة تتوفر في بيوت الأتراك، فلماذا لا تنتشر قطط فان وأنغورا في العالم".
وأشهر قصص القطط التركية تلك للقط "تومبيلي" الذي توفيّ عام 2016 حين كان الأكثر بدانة بين قطط البلاد. وقد نصبت بلدية قاضي كوي في إسطنبول لهذا القط تمثالاً يزوره مواطنون وسياح، ويضعون إلى جانبه سبحة وكأس شاي، في إشارة إلى الرخاء الذي عاشه. وفي قصة أخرى، كان محمد أورهان وزوجته موجفان يحلمان بإنجاز عمل يخدم البيئة، بعدما شاهدا الفيلم التركي "فيلسوف المزرعة" فباعا ممتلكاتهما في إسطنبول وتوجها إلى ولاية أنطاليا حيث استأجرا قطعة أرض، وجمعا فيها قطط شوارع ضالة تبحث عن الدفء والطعام والشراب، واشتريا أخشاباً ومستلزمات لتشييد بيوت أطلق عليها اسم فيلات، وبناء أحواض مياه ومرافق وأخرى. وتتداول في ولاية إزمير حكاية "القط المهذب" الذي يستيقظ صباحاً للالتحاق بطابور اعتاد الناس الاصطفاف فيه لشراء حليب. وبات منظر هذا القط مصدر جذب للمواطنين، ما زاد شهرة بائع الحليب مصطفى آكساكل.