مرّت ذكرى وعد بلفور الصادر في الثاني من نوفمبر/ تشرين الثاني 1917 في مخيم برج البراجنة للاجئين الفلسطينيين في لبنان هذا العام، بعادات مختلفة عن تلك التي كانت متبعة في إحياء ذكرى اليوم المشؤوم الذي أعطى الحق في أرض فلسطين لمن لا يستحقه.
اجتمع كبار السن الذين خرجوا من فلسطين، وهم من المعمَّرين، باعتبار أن خروجهم يعود إلى أكثر من سبعة عقود، على مأدبة غداء قدمت أكلات فلسطينية، ورووا حكايات فلسطين للأشخاص الذين وُلدوا لاجئين في لبنان.
استهلت المأدبة بأغنية "شدوا بعضكم يا أهل فلسطين، شدوا بعضكم، راجع عبلادي أنا وأحفادي، راجع عبلادي... يا أهل فلسطين حبوا بعضكم، وحدوا كلمتكم، يا أهل فلسطين"، التي أنشدتها الحاجة مريم التي أدارت الجلسة، ثم انتقلت إلى الحديث عن فلسطين الوطن وعاداته وتقاليده.
عن المأدبة والمناسبة، قال منسق الدعوة فؤاد ضاهر، المتحدر من بلدة دير القاسي بفلسطين لـ"العربي الجديد": "نسق هذه المناسبة مسؤولو سوق الجمعة الذي يقام في مخيم برج البراجنة، والذي ترتبط فكرة إنشائه الأساسية بإحياء الذاكرة الوطنية الفلسطينية، والمساهمة في معالجة بعض مشاكل اللاجئين الحياتية في لبنان. والتقينا مع قيّمين على هذا السوق ومشاركين فيه، وارتأينا في الاجتماع أن نحيي ذكرى وعد بلفور المشؤوم هذا العام من خلال ربط المناسبة بلقاء يجمع كبار السن مع شبان وصبايا كي يكونوا حلقة وصل بين الماضي والحاضر، لأننا شعب يستحق الحياة".
ويضيف: "أردنا أن يجتمع الجيل القديم مع الجيل الجديد على مأدبة غداء تتميز بطابعها الفلسطيني على صعيد الطعام والحلويات والفقرات الغنائية وحتى الأزياء بهدف تعزيز التواصل بين الأجيال، وتكذيب مقولة أن الكبار يموتون والصغار ينسون، فصغارنا يحفظون ما زرعه الكبار في نفوسهم".
الذاكرة الوطنية الفلسطينية كحلقة وصل بين الماضي والحاضر
تابع: "حضر كبار فلسطين في لبنان كي يخبروا الصغار سِيَر فلسطين وأخبارها وقصصها، فنحن نريد أن نحافظ على الذاكرة الفلسطينية، ونوثقها من خلال الإعلام وأي وسيلة أخرى، كي لا يستغل أحد ذاكرة صغارنا بعد موت الكبار".
وتقول تمام عبد اللطيف، المتحدرة من بلدة كويكات في فلسطين، وتقيم في مخيم برج البراجنة: "فكرة دعوة كبار السن إلى مأدبة غداء في ذكرى وعد بلفور تهدف إلى ربط الجيل القديم بالجيل الجديد، وجمع الجيلين من أجل أن يروي الجيل الكبير قصص فلسطين، فيوثقها الصغار في عقولهم. وقد روى الكبار للصغار عاداتهم وتقاليدهم وحكاياتهم اليومية التي كانت تحصل معهم. وفي شهر قطاف الزيتون في فلسطين، يتعرف الصغار إلى عادات كانت تُتَّبَع في تلك الأيام".
تتابع: "للأسف صار غالبية الكبار في عداد الأموات، ومهمتنا حفظ الذاكرة الفلسطينية كي لا ينسى الصغار، وسنبقى مستمرين في الحفاظ عليها حتى نعود إلى فلسطين".
تضيف: "سنقيم في يوم التضامن مع الشعب الفلسطيني في 29 نوفمبر/ تشرين الثاني الجاري معرضاً لصور البيوت المتصدعة المهددة بالسقوط في مخيم برج البراجنة، وسندعو مسؤولي وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) والفصائل وكل القيمين على المخيم لرؤية معاناة الناس داخل المخيم الذي يجب أن يواصل احتضان صمودهم رغم كل الصعوبات المرتبطة بأزمات لبنان الصعبة جداً على الجميع".
أما محمد الصفدي، المتحدر من مدينة صفد ويقيم في مخيم برج البراجنة، فيقول لـ"العربي الجديد": "روضة القسام التي تجمعنا هو مكان إقامة سوق الجمعة الذي أتت فكرته من حاجة الناس إلى أن تجد لها مكاناً تبيع فيه منتجاتها بسبب ضيق الحال والوضع الاقتصادي الصعب في لبنان، ويعرض بالتالي مواد غذائية ومؤونة بيتية ومقتنيات أساسية أخرى بأسعار أقل من تلك في السوق".
ويتابع: "ارتأت لجنة هذا السوق إحياء ذكرى وعد بلفور المشؤوم، وأتى موضوع الغداء في شكل عفوي من دون تخطيط مسبق من خلال فكرة إحياء المناسبة بطريقة خاصة، وليس بالطريقة المعتادة عبر إلقاء خطابات وتنظيم لقاءات، فدعونا كبار السن إلى مأدبة غداء جمعتهم مع الصغار بهدف حماية الذاكرة والهوية والتراث الفلسطيني. وتحدث الكبار عن تجاربهم وتقاليدهم، فيما أوصلنا رسالة عبر وسائل الإعلام إلى أكبر عدد من الناس تفيد بأن الصغار لن ينسوا، حتى لو مات الكبار، بلدهم، وسيستمرون في عملية التحرير".