أثر الأزمة المعيشية في لبنان أكبر على اللاجئين الفلسطينيين، لكنّ مبادرة تواكب ظروف كورونا، ساهمت في تشغيل عدد جيد من الأشخاص في مخيم شاتيلا
في ظلّ انتشار فيروس كورونا الجديد، باتت الكمامة إلزامية في لبنان، وبما أنّ الأسعار ترتفع مواكبة انهيار الليرة اللبنانية مقابل الدولار الأميركي، عمد ناشطون في مخيم شاتيلا للاجئين الفلسطينيين، قرب بيروت، إلى تمويل مشروع لخياطة الكمامة الطبية، وتوزيعها مجاناً داخل المخيم، كما بيعها لمؤسسات عدة خارجه.
يقول صالح عبد الهادي (28 عاماً)، وهو من سكان مخيم شاتيلا، وتعود أصوله إلى مدينة عكا الفلسطينية، عن هذا المشروع: "تخصصت في هندسة الإلكترونيات وتصليح الشاشات والهواتف، وعملت في التجارة العامة، لأنّي لم أتمكن من العمل في أيّ شركة في اختصاصي كوني فلسطينياً (الفلسطينيون في لبنان ممنوعون من العمل في أكثر من 70 مهنة، كما أنّ بقية المهن مقيدة بطلب إذن عمل)". يتابع: "لذلك، وفي ظلّ الظروف التي نعيشها اليوم، عملت على مشروع مشغل الخياطة هذا الذي جرى تمويله من جمعية أحلام لاجئ. في هذا المشغل، نصنع المرايل لأطفال الروضات، في المخيم، ونوزعها مجاناً، كما نصنع الكمامات". يضيف: "تأسس هذا المشروع منذ ثلاثة أشهر، وجاءت فكرته نتيجة انتشار فيروس كورونا، وانعدام فرص العمل للشباب الفلسطيني، وبما أنّ الكمامات هي الأكثر طلباً في السوق حالياً، اخترنا أن نتوجه نحو إنتاجها. وبينما نوزع الكمامات على أهالي المخيم مجاناً، فإنّنا نبيعها إلى العديد من الصيدليات والمستشفيات والمؤسسات في لبنان، عبر موزعين. ويشرف على إنتاج الكمامات لتراعي الشروط الصحية، المتخصص في هذا المجال عثمان عفيفي".
يضيف عبد الهادي، متحدثاً لـ"العربي الجديد": "يعمل في المشغل اثنا عشر عاملاً، مقسومين على نوبتين، صباحاً ومساء في التجهيز والتوضيب والنقل. وتعمل في الكمامات عشر فتيات من مخيم شاتيلا، وعشر فتيات من مخيم برج البراجنة (بالقرب من بيروت). أما بالنسبة للمرايل فهناك عشر خياطات أيضاً من مخيم برج البراجنة".
وعن كيفية تمكنه من فتح مشروع المشغل، يقول عبد الهادي: "تقدمت مجموعة من شباب المخيم بطرح هذا المشروع على جمعية أحلام لاجئ، وبالفعل وافقت ودعمت المشروع بكامله مع تقديم معدات كاملة، ومبلغ 70 ألف دولار أميركي للبدء به". يتابع بخصوص المواد الأولية: "نستورد القماش من شركة في السعودية عبر وكيلها الوحيد في لبنان، وتتولى جمعية أحلام لاجئ دفع الفواتير، فيما يعود مردود البيع للدفاع المدني الفلسطيني في مخيمات لبنان، ولرواتب العاملين والعاملات في المشغل".
من خلال هذا المشروع، تمّ توفير فرص عمل لعدد جيد من الأشخاص، ما يعني أنّ فيه مصدر دخل لعشرات العائلات، في المخيمين، إذ يبلغ راتب العامل أو العاملة مليوناً و200 ألف ليرة لبنانية (800 دولار أميركي بحسب سعر الصرف الرسمي، ونحو 150 دولاراً بحسب السوق السوداء).
آية عثمان، من سكان مخيم شاتيلا، ومن بلدة مجد الكروم في فلسطين في الأصل، طالبة في السنة الجامعية الأولى لاختصاص نظام إدارة المعلومات في الجامعة اللبنانية الدولية (خاصة)، وتعمل في مشروع مشغل الخياطة، لكي تعيل نفسها وعائلتها في الآن نفسه، ولكي تفيد مجتمعها، كما تقول. تضيف، حديث لـ"العربي الجديد": "المشغل ساهم بتأمين عمل ودخل لعدد من الشبان والفتيات، ومن بينهم أنا، إذ بتّ قادرة على مساعدة عائلتي بعدما خسر والدي عمله، كما يساعدني العمل في توفير رسوم الجامعة". تضيف: "هذا المشروع لا يفيدنا نحن فقط، من نعمل فيه، بل يفيد المجتمع بأكمله، لأنّ الوباء عالمي والجميع يحتاج إلى الكمامات، كما يستحق جميع الأطفال الحصول على المرايل مجاناً".
أما بتول طه (18 عاماً)، وهي من عكا، في الأصل، وطالبة في السنة الجامعية الأولى في الاختصاص والجامعة نفسهما، فتقول لـ"العربي الجديد": "قررت العمل في مشروع الخياطة لأعيل نفسي وأؤمن أقساط الجامعة، بعد إيقاف والدي عن العمل بسبب جنسيته الفلسطينية". تضيف: "هو أول عمل أقوم به، وقد استطعت أن أخفف عبء المصاريف عن أهلي بما يتبقى من راتبي بعد دفع الرسوم الجامعية".
وتقول آية السعدي (21 عاماً)، وهي من سكان مخيم شاتيلا، ومن مدينة جنين الفلسطينية في الأصل: "تخصصت في مهنة التجميل النسائي، لكنّي لم أزاولها بعد التخرج، بسبب الظروف المعيشية الصعبة حالياً. العمل داخل المخيم أفضل، إذ لا أشعر بالتمييز تجاهي كما خارجه، كوني فلسطينية". وتضيف، في حديث لـ"العربي الجديد": "هذه المبادرات داخل المخيم توفر فرص عمل للفلسطينيين، وللشابات الفلسطينيات قبل الشبان، وهكذا تؤكد المرأة دورها الفعال في المجتمع".