كورونا يبدّل عادات رمضان في الأردن
يواصل فيروس كورونا تشكيل ملامح حياة الأشخاص في الأردن خلال شهر رمضان للعام الثاني على التوالي، فالإجراءات الاحترازية والوقائية التي فرضتها الحكومة تحدد مساحات الحركة، وأوقاتها خلال أيام وليالي شهر الصيام، مما تسبب في تغير كثير من التقاليد المتوارثة بشكل جذري، واختفت عادات كانت سائدة في سنوات ما قبل الوباء.
يمتاز شهر رمضان وفق العادات الأردنية، والعربية عموماً، بزيادة صلة الأرحام، وانتشار النشاطات الاجتماعية، ومنها السهرات مع العائلة، والأصدقاء، لكنه هذا العام يخلو من الزيارات العائلية تقريباً، ولا يتاح فيه السهر المعتاد خارج المنازل بسبب حظر التجول الذي يبدأ في السابعة مساء، ويتواصل حتى السادسة من صباح اليوم التالي، فيما سمح للمواطنين بالخروج سيراً على الأقدام لمدّة نصف ساعة فقط، لأداء صلاتي الفجر والمغرب؛ شريطة الالتزام بالبروتوكول الصحّي المعتمد.
وتؤدي مواعيد حظر التجول إلى قصر إفطار رمضان على البيوت، وغياب تقليد الإفطار الجماعي، سواء في المنازل أو في المطاعم وأماكن السهر، كما يؤدي الحظر إلى عدم أداء صلاة التراويح في المساجد، في حين يمنع حظر التجول الشامل في أيام الجمعة، وهو يوم العطلة الرسمية، من استغلاله كما كان يحدث في السابق لتبادل الزيارات، أو التخطيط للرحلات.
يقول الأردني محمد العبادي لـ"العربي الجديد" إن إجراءات مواجهة كورونا "أفرغت شهر رمضان من كل التقاليد الاجتماعية المحببة، خاصة التجمعات مع الأخوة والأخوات، والجيران والأصدقاء، وستغيب أيضاً الولائم التي كانت تميز الشهر، وتجمع أفراد الأسرة الكبيرة".
وينتقد العبادي منع الحكومة صلاة العشاء والتراويح في المساجد، ويقول إن "صلاة التراويح تمنح أجواء روحانية مميزة، وغالبية الدول العربية سمحت بإقامتها مع الالتزام بالبروتوكول الصحّي للوقاية من كورونا، وعلى الحكومة مراجعة قرارها بهذا الخصوص، والاكتفاء بالتشديد على الالتزام بالتعليمات للحد من انتشار العدوى".
وتقول بسمة عبد الله، وهي ربة منزل، لـ"العربي الجديد"، إن قيود كورونا تفسد الجزء الأكبر من عادات رمضان وتقاليده التي ينتظرها الناس، كصلاة التراويح، والتجمعات العائلية، وفرحة الأطفال بالزيارات والخروج في ليالي رمضان، والتي كانت تضفي أجواء من البهجة على أيام وليالي الشهر الفضيل.
وتضيف أن "قدسية رمضان تكمن في الصيام، والمحافظة على الصلاة، وسيحاول الجميع التمتع بروحانيات رمضان رغم ظروف الوباء"، لافتةً إلى أنها وأسرتها قاموا بشراء زينة رمضان بشكل أكبر من الأعوام السابقة في محاولة لخلق أجواء مختلفة.
بدوره، يقول أحمد النعيمات، وهو رب أسرة، لـ"العربي الجديد"، إن على الناس التكيف مع الظروف الاستثنائية بسبب الجائحة، خاصة في ظل الأعداد الكبيرة من الوفيات والإصابات اليومية التي يشهدها الأردن خلال الفترة الأخيرة. ويوضح أن "من فقد عزيزاً يدرك أهمية هذه الإجراءات، ورغم تأثيرها على العادات الرمضانية التي اعتاد عليها الأردنيون، إلا لأنها ضرورية، لكن على الحكومة مراجعة قراراتها في حال تحسن الحالة الوبائية، وخاصة إذا انخفض عدد الإصابات خلال النصف الأول من شهر رمضان".
من جهته، يرى الباحث الاجتماعي الدكتور حسين الخزاعي أنّ "رمضان باعتباره شهر العبادات والتواصل الاجتماعي تكثر فيه صلة الرحم، واللقاءات العائلية، سواء على دعوات الإفطار أو السحور، إذ اعتاد الناس فيه على كسر نمط الحياة الروتينية، وممارسة عادات اجتماعية خاصة"، مشيراً لـ"العربي الجديد" إلى أن "جائحة كورونا تسببت في اختفاء كثير من العادات والتقاليد والطقوس السنوية. فقبل الجائحة كانت العائلة الكبيرة تجتمع، وهذا غير قائم حالياً بسبب القيود المفروضة. كما اختفت الموائد الرمضانية التي كانت تقدم الطعام للفقراء، إضافة إلى غياب المسحراتي، وعدم إمكانية أداء صلاة التراويح بسبب الحظر الليلي".
ويوضح الخزاعي أن هذه التغيرات المتواصلة منذ العام الماضي لن تترك أثراً كبيراً حال انتهاء الجائحة، "سيعود الناس إلى ممارسة طقوسهم المرتبطة بشهر رمضان بعد نهاية الوباء، لكن حالياً هناك تقبل لكثير من القرارات الحكومية، خاصة عند الأسر التي شهدت وفاة أو إصابة أحد أفرادها بفيروس كورونا". يتابع أن التأثير الأوضح سيكون على الأطفال، إذ غابت كثير من الطقوس المتعلقة بهم، ومن بينها محاولة تعليمهم الصلاة من خلال مشاركة الكبار في صلاة التراويح، داعياً الأهالي إلى توضيح أسباب ذلك للأطفال. يضيف: "يمكن اعتبار شهر رمضان مدرسة نفسية واجتماعية واقتصادية ودينية، وكلها سلوكيات تؤثر في بعضها، والأولوية في الوقت الحالي هي الحفاظ على الصحة، وعلى سلامة المجتمع. في رمضان من العام الماضي كان حظر التجول شاملاً في الأردن، فيما في العام الحالي القيود أقل خلال النهار، والأمل معقود على أن يكون رمضان في العام المقبل كما في السنوات السابقة بعد السيطرة على الجائحة".