شهد النصف الأول من العام الحالي تلقي مراكز الاستشارات النفسية في الصين استفسارات يومية قياسية تركز معظمها حول قلق الناس بشأن حياتهم المهنية، وعدم رضاهم عن إدارة المجتمع للحجر الصحي الذي فرض خلال جائحة كورونا ومتحوّرها "أوميكرون".
كما ظهرت مشكلات على صعيد انعدام يقين المواطنين بمستقبلهم، وشعورهم بضيق شديد من قراءة الأخبار السلبية الخاصة بالجائحة، ومن الأزمات التي تشهدها العلاقات الأسرية.
ودفعت المخاوف المتزايدة من التأثيرات السلبية للاضطرابات النفسية السلطات الصينية إلى إدراج الصحة العقلية والدعم النفسي الاجتماعي ضمن خطط الاستجابة لجائحة كورونا، كما أطلقت الحكومة خطاً ساخناً للعلاج النفسي يعمل على مدار 24 ساعة، وأصدرت اللجنة الوطنية للصحة خطة عمل للإرشاد النفسي أثناء الوباء ضمت 1250 معالجاً ينتشرون في 26 مدينة ومنطقة، ووضعت قيد الخدمة تطبيقات إلكترونية متخصصة في تقييم الصحة النفسية للمستخدمين من خلال الإجابات التي يقدمونها على أسئلة محددة تتعلق بظروف عيشهم وحياتهم الصحية.
يعيش الشاب لين وي بينغ، في مقاطعة فوجيان (شرق). اكتشف قبل ثلاثة أشهر إصابته بفيروس كورونا بعدما عاد من رحلة عمل إلى مدينة شنغهاي. يقول لـ"العربي الجديد": "بعد تشخيص حالتي الموجبة، خضعت إلى حجر صحي في أحد المراكز الطبية مدة 14 يوماً. وبعد تأكيد خلو جسمي من المرض في نهاية الأسبوع الثاني، خضعت أيضاً إلى حجر صحي منزلي مدة 8 أيام، وحين عدت إلى الانخراط في المجتمع، تجنب جميع زملائي في العمل الاقتراب مني، وحين كنت أبادر إلى فعل ذلك كانوا يغلقون أنوفهم بأكفهم، وكأنني وباء يسير على قدميه بينهم".
يتابع: "أصابني هذا التصرف بصدمة نفسية جعلتني أشعر بالتمييز لمجرد أنني أصبت بالفيروس. وحتى إن هناك أفراداً في أسرتي تعاملوا معي بطريقة غير لائقة، فبعد انتهاء فترة الحجر الصحي طالبتني أمي بعدم مخالطة أخي الذي يصغرني بعام واحد، وتجنب تبادل الملابس والطعام معه، وأن أحافظ على مسافة معه حين نتكلم في المنزل". ويؤكد أنه عانى خلال الفترة الماضية من اضطرابات نفسية بسبب الحوادث وردود الفعل القاسية والغريبة التي واجهها، فلم يتردد في الاتصال بطبيب نفسي كي يساعده في الخروج من أزمته.
تعمل شياو تشين، في فندق بمدينة شنزن جرى تخصيصه لاستقبال مصابي كوفيد -19، وتقول لـ"العربي الجديد": "خسرت جميع صديقاتي بسبب عملي. كانت إحداهن شريكتي في المنزل قبل أن تعلم أن الحكومة استأجرت الفندق وحوّلته إلى مستشفى للمصابين، فقررت عدم المكوث معي، ولم تعد تتصل بي. أما صديقاتي في الجامعة فلم أعد ألتقي بهن كما جرت العادة في نهاية كل أسبوع. وأمام هذا الواقع، كان عليّ أن اختار إخفاء طبيعة عملي عن أفراد الدائرة المقربة مني، أو مصارحتهم بذلك، فدفعت ثمن التمسك بالصدق، وشعرت بأنني منبوذة، وأصبحت أقضي معظم وقتي وحيدة في المنزل، ما عرضني لأزمات نفسية لا أستطيع تجاوزها".
وتظهر الوقائع حجم الاضطرابات النفسية التي يعاني منها الصينيون تحت وطأة جائحة كورونا، مع استمرار الحكومة في التمسك باستراتيجية "صفر كوفيد" الصارمة في التعامل مع تفشي الوباء، وفرض حجر صحي مشدد على ملايين السكان، ويقول الباحث في جمعية الصحة النفسية الصينية، لو تشانغ، رداً على سؤال لـ"العربي الجديد" إن "القلق الذي ينتاب المصابين أو الأصحاء على حد سواء مبرر، ويعكس شعوراً طبيعياً ينبع من الخوف من المجهول، فلا أحد يعرف طبيعة المرض وحجم خطورته، ما يخلق حالة من التوتر وانعدام الثقة لدى العامة".
يضيف تشانغ: "مع مرور الوقت، يتحوّل القلق إلى طاقة من الغضب، وينتهي بالاكتئاب. وهنا يجب أن تتدخل الجهات المختصة لمساعدة المرضى في تجاوز الأزمة، من خلال برامج وتطبيقات قادرة على التعامل مع كل حالة على حدة". ويوضح أن معظم الحالات تتركز حول المشاكل المرتبطة بتمضية فترات في عزلة وطول أمد الحجر الصحي، إلى جانب الصدمات النفسية التي تأتي من المواجهة الأولى بين المصابين والمجتمع، و"هي الحالة الأخطر لأنها قد تتسبب في تصرفات غير مسؤولة تجر أصحاب النفوس الضعيفة إلى إيذاء أنفسهم، وقد يصل الأمر بهم إلى الانتحار".
وأظهرت تقارير علمية حديثة أصدرتها منظمة الصحة العالمية أن مؤشر الانتشار العالمي للقلق والاكتئاب ارتفع بنسبة 25 في المائة خلال العامين الماضيين، وأنه جرى الإبلاغ خلال تلك الفترة عن 53 مليون حالة قلق و76 مليون حالة اضطرابات نفسية.