لم يتوقع الشاب الفلسطيني محمود غانم (29 عاماً) من مخيم الشاطئ للاجئين غربي مدينة غزة، أن تنتهي رحلته خارج قطاع غزة بهذه السرعة، بعد أن تركها في يناير/ كانون الثاني الماضي بحثاً عن فرص عمل ولتكوين مستقبله.
وخلال السنوات التي أعقبت عام 2011 ومع استقرار عمل معبر رفح مقارنة بالحقبة السابقة، غادر آلاف الفلسطينيين القطاع بحثاً عن حياة أفضل في ظل استمرار الحصار الإسرائيلي، وتلاحق الحروب عليها كمهاجرين في الغالب.
ومطلع يناير/كانون الثاني الماضي، وصل الشاب غانم إلى دولة الإمارات العربية المتحدة، إذ بدأ العمل في إحدى شركات المبيعات كإداري، إلا أن الحال تبدل سريعاً مع دخول جائحة كورونا إلى الدولة ولجوء الشركات لتسريح العاملين فيها.
ويقول غانم لـ "العربي الجديد"، إن رحلته كانت سريعة للغاية، ولم يكن في حسبانه أن تنتهي بهذه السرعة، بعد أن ظفر بفرصة عمل كانت خلال فترة تواجده في القطاع بمثابة حلم طال انتظاره، ولم يتحقق إلا بعدما غادره تجاه الإمارات.
ويوضح الشاب العشريني أن جائحة كورونا وتبعاتها الاقتصادية على المستوى العالمي أدت لتسريحه من عمله بعد 4 أشهر فقط، وتحديداً في شهر إبريل/نيسان الماضي، فيما عجز عن الحصول على إقامة للاستمرار في الإمارات ليقرر العودة من جديد نحو غزة.
ويؤكد الشاب غانم أن العودة تجاه غزة جاءت بعدما أغلقت فرصة البقاء في الإمارات أو الخروج تجاه أي دولة عربية أو أوروبية أخرى، نتيجة لتفشي جائحة كورونا عالمياً وحالة الركود الاقتصادي التي عصفت بالعالم نتيجة الفيروس.
أما الشاب أحمد المصري (24 عاماً) من سكان مدينة بيت لاهيا شمالي القطاع، فقد ترك غزة في ديسمبر/كانون الأول 2019 أملاً في البحث عن مستقبل خارجها، بعدما تعثرت كل مساعيه في الحصول على فرصة عمل خلال الفترة السابقة.
ويقول المصري لـ "العربي الجديد"، إنه غادر القطاع نهاية العام المنصرم أملاً في البحث عن مستقبل، بعد أن أوصدت الأبواب في وجهه في غزة، في ظل غياب الأفق واستمرار الحصار الإسرائيلي وتلاحق الحروب وجولات التصعيد.
ويشير إلى أن طريقه نحو الهجرة إلى أوروبا تعطلت خلال فترة تواجده في مصر، إذ أغلقت المطارات بفعل جائحة كورونا، ولم يستطع الوصول إلى تركيا كونها المحطة الرئيسية في رحلة الوصول إلى أوروبا.
وطوال فترة إغلاق المطارات بين الدول للحد من انتشار جائحة كورونا، أقام الشاب المصري في مصر أملاً في عودة الحركة، غير أنه أنفق ما لديه من أموال خرج بها من القطاع وتعقدت الظروف لديه بصورة أكبر ليقرر العودة نحو غزة من جديد.
وسجلت معدلات البطالة في صفوف الشباب الفلسطيني في غزة أرقاماً قياسية خلال الأعوام الأخيرة، تجاوزت معدلاتها 70% غالبيتها من حملة شهادات الدبلوم والبكالوريا، فيما لا تتوفر وظائف في القطاع الحكومي أو الخاص.
ولم تختلف حكاية الشاب مهند عبيد (30 عاماً) عن سابقيه كثيراً، إذ غادر القطاع عام 2018 متجهاً نحو تركيا تاركاً زوجته وطفله في غزة، على أمل أن يتمكن من اللقاء بهم بعد أن يتمكن من تأمين مستقبل وواقع معيشي أفضل لهم.
ويقول عبيد لـ "العربي الجديد" إنه على مدار عامين ونصف لم يتمكن من الهجرة إلى أوروبا واقتصرت رحلته على البقاء في تركيا، حيث ازداد وضعه سوءاً ولم يتمكن من الحصول على فرصة عمل تمكنه من الاستمرار لوقت أطول فيها.
ويضيف أن الظروف السيئة التي مر بها وانتشار جائحة كورونا وتأثيرها على الحركة بين دول أوروبا دفعته لاتخاذ قرار العودة إلى القطاع، من أجل احتضان عائلته من جديد وعدم إضاعة المزيد من الوقت.
ولا توجد أي إحصائية رسمية صادرة عن الجهات الحكومية في غزة التي تديرها حركة حماس أو حتى المؤسسات الحقوقية العاملة في القطاع، بشأن أعداد الشباب والعائلات التي هاجرت خلال السنوات الأخيرة التي أعقبت عدوان 2014.
وهو ما يؤكده، مدير وحدة المناصرة في الهيئة المستقلة لحقوق الإنسان في غزة، مصطفى إبراهيم، عن عدم وجود إحصائية رسمية بشأن أعداد المهاجرين، باستثناء أرقام نشرها صحافي إسرائيلي تحدث خلالها عن هجرة 30 ألف شخص من غزة.
ويقول إبراهيم لـ "العربي الجديد" إن ظروف الحصار الإسرائيلي والحروب وجولات التصعيد المتكررة وحالة الانقسام السياسي دفعت بالشباب والأسر الذين أصيبوا باليأس وفقدان الأمل إلى الحصول على فرص عمل للهجرة نحو الخارج.
ويلفت الحقوقي الفلسطيني إلى وجود عودة للبعض نتيجة عدم حصولهم على إقامات أو فرص عمل في الدول الأوروبية أو التأقلم مع طبيعة هذه المجتمعات، إلى جانب جائحة كورونا وتأثيراتها السلبية.