كورونا ينغّص رمضان العراقيين

22 ابريل 2021
رمضان في العراق وسط كورونا (حسين فالح/ فرانس برس)
+ الخط -

شهر رمضان الحالي هو الثاني في ظلّ أزمة كورونا، في العراق كما في بقيّة الدول المعنيّة، غير أنّه يأتي أكثر صعوبة من شهر رمضان الماضي، بحسب ما يؤكد عراقيون. ويُضاف إلى تداعيات كورونا ما يترتّب على خفض الحكومة سعر صرف الدينار العراقي مقابل الدولار الأميركي. فارتفاع الأسعار دفع إلى تراجع القدرة الشرائية لدى كثيرين، الأمر الذي حدّ من ممارسة العراقيين طقوسهم التي اعتادوها في هذه المناسبة، خصوصاً في المناطق الشعبية حيث تعيش العائلات الفقيرة وذات الدخل المتوسط في ظروف معيشية معسرة.
في الأسواق الشعبية التي لطالما عُرفت برخص أسعارها مقارنة بأسواق أخرى أكثر رقياً، تظهر لوحات الأسعار الخاصة بالمواد الغذائية والخضراوات والفاكهة أرقاماً تعادل ضعفَي ما كانت تشير إليه أرقام العام الماضي أو أكثر. وهذا ما جعل زهراء عارف تقلّص إنفاق شهر رمضان. وزهراء الموظفة في القطاع الحكومي تقول لـ"العربي الجديد" إنّ "عائلتي صغيرة وهي مكوّنة من أربعة أفراد، وزوجي موظف كذلك في القطاع الحكومي، ونسكن في بيت ملك وليس مستأجراً، ما يعني أنّنا نعيش حياة مستقرة اقتصادياً. لكنّني اضطررت إلى التخلّي عن بعض العادات الرمضانية بسبب ضعف القدرة الشرائية أمام الأسعار المرتفعة". وأوضحت أنّ "من بين العادات التي تخليت عنها إقامة الموائد الرمضانية العامرة. فنحن اعتدنا إقامة ولائم إفطار تمتلئ بما لذّ وطاب، وذلك في تقليد توارثناه يقضي بإقامة ما لا يقلّ عن خمس مآدب إفطار في منزلنا ندعو إليها بعض الأقارب والأصدقاء. لكن هذا العام، في حال قمنا بذلك، فإنّ تلك المآدب سوف تكلفنا رواتب أربعة أشهر".
ويُعَدّ ارتفاع سعر صرف الدولار الأميركي من بين أبرز الأسباب التي دفعت الأسعار إلى الارتفاع، بحسب ما يشير عادل الفراجي وهو تاجر مواد غذائية. ففي ديسمبر/ كانون الأول 2020 ثبّتت السلطات العراقية سعر بيع الدولار للبنوك وشركات الصرافة عند 1450 ديناراً، بدلاً من 1190 ديناراً للدولار الواحد، مبرّرة ذلك بعجز في مشروع قانون موازنة 2021 نتيجة تراجع أسعار النفط. ويوضح الفراجي لـ"العربي الجديد" أنّ "المواد الغذائية بمعظمها مستوردة من الخارج وتُشترى بالدولار الأميركي. ومع ارتفاع سعر الصرف، كان من الطبيعي أن تسجّل أسعارها ارتفاعاً". يضيف الفراجي "لكنّه لم يكن من الطبيعي ارتفاع أسعار السلع والمنتجات المحلية بالتزامن مع ارتفاع أسعار تلك المستوردة"، معيداً الأمر إلى "جشع التجار. كان في الإمكان إضافة زيادة بسيطة على الأسعار، إذ إنّها تتأثر كذلك بارتفاع تكلفة نقل البضائع".
لكنّ تراجع القدرة الشرائية لم يمنع كثيرين من التمسّك بعادات رمضانية محببة لديهم، من قبيل توزيع الطعام على الجيران وفي المساجد. ويقول علي الزبيدي وهو إمام مسجد في بغداد لـ"العربي الجديد" إنّها "من العادات التي لن توقفها الظروف المادية الصعبة للعراقيين".

رمضان في العراق بلا وقاية من كورونا (زيد العبيدي/ فرانس برس)
رمضان في العراق بلا وقاية من كوورنا (زيد العبيدي/ فرانس برس)

يضيف الزبيدي أنّ "المساجد تشهد باستمرار، في أيام الإثنين والخميس والجمعة في كلّ أشهر السنة، إقامة مآدب إفطار بسيطة للصائمين من قبل عوائل تبتغي الأجر والثواب، ويزداد هذا التقليد بشكل كبير في شهر رمضان فيصير يومياً". ويتابع الزبيدي: "أعلم جيداً التدهور الذي أصاب اقتصاد الأسر بسبب تداعيات جائحة كورونا، ونعمل من خلال تبرّعات المحسنين على تقديم المساعدات للأسر المتضررة، علماً أنّ عددها ارتفع مرّتَين منذ عام. لكنّ ثمّة عائلات، وعلى الرغم من معاناتها الاقتصادية، تستمرّ في إعداد الطعام وتقديمه إلى المساجد بهدف إفطار الصائمين". يُذكر أنّ تقارير رسمية أفادت بأنّ نسبة الفقر في البلاد تفوق 31 في المائة منذ العام الماضي، وقد ارتفعت بنسبة 12 في المائة مقارنة بالعام الماضي بفعل تداعيات كورونا التي أدّت في ما أدّت إلى وقف أعمال ومشاريع عديدة.
في سياق متصل، فإنّ صناعة الحلوى والأطعمة الشعبية في شهر رمضان وتوزيعها على الجيران من العادات التي عرفتها العائلات العراقية وتوارثتها وصارت لازمة تميّز شهر رمضان، ومنها حلوى الزردة وكذلك المحلبي وأنواع مختلفة من الحساء، علماً أنّ هذه العادات تشتهر خصوصاً في المناطق الشعبية. ويقول سعيد عبد الرضا الذي يملك متجراً لبيع المواد الغذائية في حيّ الفضل الشعبي في وسط بغداد لـ"العربي الجديد" إنّ "الإقبال ارتفع على المواد التي تدخل في صناعة الحلويات المنزلية والحساء"، لافتاً إلى أنّ "عمليات الشراء تجرى بمعظمها بالدين، نظراً إلى ضعف القدرة الشرائية".

من جهة أخرى، تفتقد العاصمة بغداد ليالي رمضان التي تعرفها عادة، بسبب حظر التجوّل المفروض وسط أزمة كورونا. وكانت اللجنة العليا للصحة والسلامة الوطنية لمكافحة فيروس كورونا قد أعلنت أنّ الحظر الجزئي في شهر رمضان يمتدّ من الساعة الثامنة مساء وحتى الساعة الخامسة فجراً، في حين يُفرض حظر تجوّل شامل يومَي الجمعة والسبت من كل أسبوع.
ومن بين أشهر الطقوس الرمضانية الليلية في العراق لعبة "المحيبس" التي يمارسها الرجال في المقاهي والساحات والحدائق العامة وتبدأ بعد صلاة التراويح وتستمر أحياناً إلى صلاة الفجر. ويتبارى فيها فريقان بأعداد تتخطّى أحياناً خمسين شخصاً في الفريق الواحد. ويخبر الحاج صالح الرويعي "العربي الجديد" بأنّه اعتاد ممارسة هذه اللعبة الرمضانية منذ كان في الخامسة عشرة قبل خمسة عقود، لافتاً إلى أنّ "لعبة المحيبس لم تنقطع في العراق حتى في أحلك الظروف. واليوم أشعر بأنّني أفتقد شيئاً مهماً".
ويفتقد العراقيون هذا العام السهر في المقاهي المطلة على نهرَي دجلة والفرات، وكذلك التنقّل في الأسواق بعد صلاة العشاء والتراويح وتناول الحلوى والمرطبات وتناول وجبة السحور في المطاعم الشعبية والسياحية المعروفة. ويقول محمد رحومي وهو بائع مشروبات متجوّل لـ"العربي الجديد" إنّه لا يفتقد مهنته في ليل رمضان فحسب، "بل أفتقد الأجواء الساحرة في ليالي رمضان في بغداد". ويشرح "لا يمكنني وصف جمالية الطقوس في ليالي رمضان. وأنا في خلال تجوّلي في الأسواق وبين الناس، أشاهد كيف يفرح الناس عندما يتوجّهون إلى المحتاجين، سواء بالنقود أو بدعوتهم إلى تناول الطعام".

المساهمون