نشرت منظمة "إينكويست"، الإثنين، تقريراً صادماً عن العنصرية التي يتعرّض لها الرجال السود في بريطانيا عند توقيفهم من قبل الشرطة، إذ وجد التقرير أنهم أكثر عرضة للوفاة بسبع مرات من الرجال البيض أثناء توقيفهم من قبل الشرطة.
ويشمل التقرير تحقيقات امتدت لثماني سنوات، وتضمّنت لقاءات مع أبرز المحامين الحقوقيين في بريطانيا، ومع عائلات فقدت أبناءها عقب توقيفهم من قبل الشرطة. ويقتبس التقرير عنوانه: "لا أستطيع التنفس، العرق والعنصرية والشرطة البريطانية"، من العبارة الشهيرة التي أطلقها جورج فلويد قبل أن يفارق الحياة على يد ضابط شرطة في الولايات المتحدة الأميركية في مايو/ أيار من عام 2020، عندما ركع على رقبته ضابط شرطة لمدة 9 دقائق.
ويخلص التقرير إلى أن النظام البريطاني "يخذل العائلات من العرق الأسود"، ليس فقط عبر استخدام القوة المفرطة بحقّهم، بل أيضاً عبر الامتناع عن "التحقيق بالوفيات التي تحدث عقب التواصل مع الشرطة"، كما أنه "يتجاهل أن تكون العنصرية عاملاً محتملاً للوفاة".
وتقول المنظمة التي تعنى بتسليط الضوء على الأشخاص الأكثر ضعفاً في المجتمع البريطاني، إن مشكلة العنصرية هي "مشكلة طويلة الأمد في بريطانيا، لكن المخاوف بشأنها تصاعدت في أعقاب مقتل جورج فلويد"، كما أن البيانات التي تمتلكها تدلّ على أن "العنصرية هي جزء لا يتجزّأ من ثقافة الشرطة وممارساتها". كما يكشف التقرير أن كل الوفيات من الرجال السود الذين تعرّضوا للاحتجاز قبل مفارقتهم الحياة، لم تسفر عمليات التحقيق فيها عن أي اتهام بالعنصرية أو تأديب للضباط المتورّطين.
وكان المجلس الوطني لرؤساء الشرطة قد اعترف، العام الماضي، باستخدام ضبّاطه سلطاتهم ضدّ السود أكثر بكثير من استخدامها ضد البيض، وبشكل غير متناسب مقارنة بالبيض، إذ قال المجلس في بيانه: "لقد أوقفنا الرجال السود وفتّشناهم بمعدل أعلى بسبع مرات مما كان عليه بالنسبة للبيض، والقوة المستخدمة ضدهم كانت أعنف بخمس مرات، والصعق بالكهرباء كان بوتيرة أعلى بستة أضعاف".
إلا أن وزارة الداخلية أكّدت في العديد من المناسبات خلال السنتين الماضيتين، عدم دقة هذه الادّعاءات، مشدّدةً على أن المساءلة في القضايا العنصرية هي واحدة من أهم أولوياتها.
وفي اتصال مع "العربي الجديد"، قال متحدث باسم وزارة الداخلية البريطانية إن الحكومة أطلقت مراجعة مستهدفة لعمليات تسريح الشرطة للتأكد من أن الأخلاق تأتي قبل الإجراءات البيروقراطية، وأن الوزارة تتوقع من الشرطة اتباع نهج حازم للغاية مع العنصرية داخل مكان العمل، إذ "لا ينبغي لأي مواطن أن يتعرّض للقوة بسبب عرقه". وأضاف المصدر أن "أي استخدام للقوة من قبل الشرطة يجب أن يكون قانونياً ومتناسباً وضرورياً".
يُذكر أن كلمة "قانونياً" في هذا السياق هي كلمة إشكالية، وخاصة أن وزيرة الداخلية في حكومة بوريس جونسون بريتي باتيل سنّت قوانين جديدة قبل تنحّيها من منصبها بما يتيح لأفراد الشرطة صلاحيات أوسع في فرض سلطتهم أثناء عمليات التوقيف والمداهمة والتفتيش، وكانت تلك القوانين قد أثارت خلال العام الماضي انتقادات واسعة في الأوساط الحقوقية، لما تعنيه من "تسلّط" أكبر و"عنصرية" أوسع ستمارسها الشرطة "قانونياً" على المجتمعات الأكثر ضعفاً وهشاشة وعلى الأقليات.
ومن بين العائلات التي أجرت المنظمة لقاءات معها بغرض الحصول على المزيد من الأدلّة هي عائلة شون ريج، الموسيقي والمنتج الذي كان يعاني من أزمات نفسية وعقلية وقُتل عام 2008 بعدما قيده 4 من رجال الشرطة وبطحوه أرضاً وتم الاتّكاء عليه لمدة 7 دقائق على الأقل، وتقول أخته مارسيا إنه وبعد مرور 15 عاماً على قتل أخيها وخوض عائلتها معارك قانونية، ليس هنالك حتى هذه اللحظة أي ضابط مسؤول عن حادثة الوفاة، والهيئة الحكومية المعنية بالأمر لم تجر أي تحقيقات، ولم تصل إلى أي استنتاجات لإدانة الضابط المسؤول عن مقتل شون.
وتتابع المنظمة مع عائلة ضحية أخرى أيضاً، هي عائلة دارن كامبرباتش، الذي قُتل عام 2017، بعد تسعة أيام من توقيفه من قبل الشرطة، واستخدام القوة ضدّه على الرغم مما يعانيه من مشاكل في الصحة العقلية.
ويتّهم التقرير هيئات التحقيق والرقابة التابعة لوزارة الداخلية بالفشل في "كشف الدور المحتمل للعرق وللعنصرية في الوفيات التي تورط بها رجال الشرطة"، وهو ما يجعل العنصرية "غير مرئية في الرواية الرسمية"، وبالتالي يعيق تحقيق العدالة والمساءلة والتغيير.
كما يشير التقرير إلى امتلاك المنظمة أدلّة تدين الشرطة لاستخدامها سلوكاً أكثر عنفاً مع الرجال السود الذين يعانون من أمراض عقلية وأزمات نفسية، ويوصي في خلاصته بتقليل اعتماد الحكومة على الشرطة والاستثمار في نظام العدالة الجنائية.