دخل مشروع قانون العقوبات البديلة الذي كانت تعوّل عليه المغرب من أجل محاربة امتداد السجون، إلى النفق المسدود، بعد أن قررت لجنة العدل والتشريع بمجلس المستشارين (الغرفة البرلمانية الثانية) هذا الأسبوع، تجميد المشروع، وإرجاء إقراره إلى أجل غير مسمى.
ورغم تمريره في مجلس النواب (الغرفة البرلمانية الأولى)، فإن مشروع القانون قوبل بمقاومة شديدة من المعارضة بمجلس المستشارين، بحجّة أن التعديلات المقترحة لن يستفيد منها إلا أصحاب المال، وسيشرعن شراء الحبس من قبل أصحاب المال وبقاء أبناء الشعب في السجون، وأن القانون الذي لا ينبثق من صلب المجتمع لا يعطي أكله.
أبرز مضامين قانون العقوبات البديلة في المغرب
يُعرف مشروع القانون العقوبات البديلة بـ"العقوبات التي يحكم بها بديلاً للعقوبات السالبة للحرية في الجرائم التي لا تتجاوز عقوبة المحكوم بها سنتين حبساً، وتُخوّل للمحكوم عليه تنفيذ بعض الالتزامات المفروضة عليه في مقابل حريته، وفق شروط محكمة تراعي من جهة بساطة الجريمة، ومن جهة ثانية اشتراط موافقته".
وتتوزع تلك العقوبات بين أربعة أنواع: أولها، العمل لأجل المنفعة العامة، وثانيها: أداء مبلغ مالي تُحدده المحكمة عن كل يوم من المدة السجنية المحكوم بها، والتي لا تتجاوز في المقرر القضائي سنتين حبساً. وتتوزع الغرامة اليومية ما بين 100 و2000 درهم (10 و200 دولار) عن كل يوم من العقوبة الحبسية المحكوم بها، تقدرها المحكمة بحسب الإمكانيات المادية للمحكوم عليه وخطورة الجريمة المرتكبة بالضرر المترتب عنها، ويمكن للأحداث أيضاً الاستفادة منها.
أما العقوبة الثالثة البديلة، فتتمثل في المراقبة الإلكترونية، والتي اعتبرها المشروع "من الوسائل المستحدثة في السياسة العقابية، ومن أهم ما أفرزه التقدم التكنولوجي والذي انعكس بدوره على السياسة العقابية في معظم الأنظمة العقابية المعاصرة التي أخذت به".
وبالنسبة للعقوبة الرابعة، يقترح المشروع تقييد بعض الحقوق وفرض تدابير رقابية أو علاجية أو تأهيلية في الحالات التي لا تتجاوز مدة العقوبة السالبة للحرية المحكوم بها سنتين حبساً".
وتعليقاً على تجميد مشروع قانون العقوبات البديلة، يقول الرئيس الوطني لـ"الرابطة المغربية للمواطنة وحقوق الإنسان"، إدريس السدراوي، لـ"العربي الجديد"، اليوم السبت، إن استمرار محاولة إصلاح أعطاب القانون الجنائي والمسطرة الجنائية بتغييرات على بعض بنودهما ودون مقاربة شاملة في تغيير القانونيين، هو "عبث لن يؤدي إلى الإصلاح المنشود عبر تحقيق أسس عدالة جنائية، يتمتع فيها المواطن المغربي بضمانات كافية ودون تمييز، سواء في مرحلة التحقيق الإعدادي، أو أثناء المحاكمة".
وأوضح أن التشريع الجنائي يجب أن يحترم ويضع هذه المعايير في حسابه، وأن تستمد دولة القانون مشروعيتها من مدى قدرتها على تحصين حريات وحقوق الأفراد في مواجهة أجهزة العدالة الجنائية.
وتابع: "مشروع العقوبات البديلة طبعه التمييز على أساس الوضع الاقتصادي، وظهر أنه بعيد عن الثقافة الحقوقية، وهذا طبيعي ومنطقي لأنه لم يكن نتاج حوار اجتماعي بمشاركة الحقوقيين وهيئات المحامين والقضاة والخبراء، بل كان نتيجة اجتهاد شخصي لوزير لم يطرحه للنقاش حتى بين أجهزته الحزبية. ومن ثم ظهر كقانون لإفلات ذوي المال من العقاب، وتكريس للتمييز والعنصرية على أساس الأصل الاجتماعي والاقتصادي".
وعلى الرغم من تحسن ظروف الإقامة والخدمات اللوجستية وبرامج التأهيل داخل سجون المغرب خلال السنوات الأخيرة، فإن الارتفاع القياسي في عدد السجناء يطرح تحديات على مسؤولي إدارة السجون في البلاد في ما يخص تطبيق سياسة إعادة الدمج، والحفاظ على كرامة السجين. كما يثير الاكتظاظ أكثر من علامة استفهام حول الأسباب الكامنة وراءه.
وتعول وزارة العدل على تطبيق مشروعها الخاص بالعقوبات البديلة على أرض الواقع، من أجل "تقليص أعداد السجناء، وتوفير تكاليف معيشتهم داخل أسوار السجن، عبر اعتماد العقوبات البديلة كحل لمشكلة الاكتظاظ داخل المؤسسات السجنية وحماية الجناة من سلبيات السجن من جهة، ومواكبة التطورات التي يشهدها العالم في مجال الحقوق والحريات العامة من جهة أخرى"، كما جاء في المذكرة التقديمية للمشروع.
وتقول الوزارة إن "ما يشجع على هذا التوجه هو المعطيات الإحصائية المسجلة بخصوص الساكنة السجنية، والتي تفيد بأن ما يقارب نصفها محكوم عليهم بأقل من سنة، وشكّلت هذه العقوبات عام 2020 ما نسبته 44.97 في المائة"، لافتة إلى أن "معظم التشريعات المعاصرة صبت جهودها على البحث عن سياسة جنائية أكثر ملاءمة للعصر وللأفكار والنظريات السائدة، التي تقوم أساساً على إيجاد بدائل للعقوبات السالبة للحرية".