تتزاحم أحلام اللبنانيين وتجتمع حول آمالٍ بفرجٍ قريبٍ يعيد رونق الحياة إليهم، بعدما ضربهم الفقر والجوع والفساد واستنزفتهم البطالة، ودخل فيروس كورونا الجديد إلى بيوت كثيرين
تتركز أمنيات اللبنانيين، كغيرهم من شعوب العالم، في الوقت الراهن، على أن يفيقوا يوماً ما على خبر اختفاء جائحة كورونا وانتهاء فصول الموت اليومي المتنقل. وطأة الوباء كانت أشدّ قسوة عليهم من غيرهم، في ظلّ الأزمات الاقتصادية والمعيشية، وما تعانيه المستشفيات في لبنان من نقص حادّ في الأدوية وأجهزة التنفس والمستلزمات الطبية الحيوية، عدا عن هجرة كثير من الأطباء والعاملين في القطاع الصحي.
طرح كورونا لدى المصابين به وغير المصابين، أولويات جديدة، إذ لجأوا إلى إعادة ترتيب مشاريعهم وخططهم المؤجلة منذ أكثر من عام، بانتظار لحظة الخروج من الحجر المنزلي وانتهاء فترات الإقفال المرهقة، والعودة إلى نشاطاتهم المعهودة، من زياراتٍ واحتفالاتٍ وتجمّعاتٍ يتلهفون لاسترجاعها ولتبادل التحية والسلام بقبلةٍ وحضن طال انتظارهما. والجدير بالذكر أنّ لبنان عاش حالة إقفال عام منذ السابع من يناير/ كانون الثاني الماضي، تضمنت حظر تجول شمل كلّ نواحي الحياة مع استثناءات قليلة، وانتهى حظر التجول أول من أمس الإثنين، مع بقاء قيود كثيرة.
ليليان برجاوي الروادي، أم لطفلة وحيدة، تردّد بشغفٍ ورجاء: "بمجرّد أن تنتهي جائحة كورونا، سأركض إلى الشارع... سأمشي لساعاتٍ وساعات. كلّ ما أريده بدايةً هو أن أتنشّق الهواء، وأن أرى الأشجار والأزهار والمساحات الخضراء، وأن أستمتع بالبحر والشاطئ، وبأشعة الشمس خارج شرفة منزلي". وتقول لـ"العربي الجديد": "فعلاً اشتقنا إلى أبسط الأشياء، نشعر مع الحجر المنزلي أنّنا في منفى، أو أنّنا لسنا في عداد الأحياء. فالجنّة بلا ناس لا تُداس، والإنسان لا يستطيع العيش بمفرده، كوننا بطبيعتنا كائنات اجتماعية تحيا بالاختلاط والاندماج مع الناس". ليليان، التي اشتاقت إلى الرياضة والتنزه على الدراجة الهوائية في الهواء الطلق، تضيف: "كلّنا أمل بأنّنا سنستعيد حياتنا الطبيعية وضجيج الشوارع والساحات، سنتلاقى في الطرقات، وندردش ونضحك، ونتبادل التحية والسلام من دون خوفٍ من عدوى أو خطر الموت". ولا تخفي الروادي رغبتها بـ"التطوع والانتساب إلى جمعيةٍ خيرية تُعنى بكبار السن المتروكين. إنّهم فعلاً بركة كلّ بيت، يحتاجون إلى دعمنا ورعايتنا، ولا أحتمل رؤيتهم يتعذّبون أو يُقهرون. وهذا ضمن مخطّطاتي بعد كورونا".
أمّا محمد، الشاب، الذي يفضّل عدم ذكر شهرته، فيسأل بحسرةٍ: "أيّ مشاريع، والمواطن خسر أكثر من 90 في المائة من قيمة راتبه، أو خسر عمله بالكامل، وسط غلاء فاحش؟". ويؤكّد لـ"العربي الجديد"، أنّه "حتى لو توافر المال بين يديّ المواطن، فما نفعه طالما الدواء مفقود وحليب الأطفال مفقود، وغيرهما كثير؟ أيّ مشاريع وجيل بأكمله مهدّد بالأمّية بسبب عدم توافر التقنيات اللازمة للتعلّم عن بعد؟". يتابع: "أيّ مشاريع والمواطن خائف حتّى من سحب راتبه من ماكينة الصرف الآلي، فلربّما يكون اللصوص يتربصون به لسرقته؟ أيّ مشاريع في ظلّ انعدام الأمن الغذائي والرعاية الصحية والطبية الضرورية؟ لقد دمّرتنا السلطة الحاكمة ولا حياة لنا ولا أولويات إلّا بعد رحيلها".
من جهتها، تتمنّى نورا بريدي أن "تنتهي هذه الأيام السوداء"، وتشير لـ"العربي الجديد"، إلى أنّها كانت قد وعدت والدتها بالسفر إلى تركيا للترفيه والتسلية، غير أنّ كورونا أطاحت بهذه الفرصة. وتقول: "أولوياتي تحقيق هذه الأمنية، علّنا نتخلّص من ضغوط الوباء والحياة والأزمات في لبنان، ومن الطاقة السلبية المتراكمة خلال هذه الفترة. كما أنّني متحمّسة للعودة إلى حياتي الطبيعية، وعلى رأسها الالتحاق بالنادي الرياضي، والعودة إلى التمارين". وتتابع: "أنوي كذلك الهجرة والبحث عن عمل في بلدٍ أوروبي والحصول على الجنسية، كما ترتيب حياتي وأوضاعي المعيشية. وأطمح لمتابعة دراساتي العليا هناك".
أمّا الخرّيجة الجامعية سارة حسن، فتستهلّ تمنياتها بالقول: "دفعنا السؤال عن مرحلة ما بعد كورونا إلى التفكير بالمستقبل الذي كنّا قد أغفلناه لبرهةٍ"، وتضيف لـ"العربي الجديد": "أولاً، سأسعى للحصول على منحة دكتوراه أو وظيفة في الخارج، وفي حال تعثّرت الأمور سأبحث عن فرصة عمل أو فرصة تدريبية في لبنان. كذلك، سأكرّس وقتاً أكثر للعمل الإنساني التطوعي، وقد لمسنا أهميّته خلال هذه المرحلة الصعبة، نظراً لتعاظم الحاجات والتحديات". وتختم حسن بالقول: "أرغب بلقاء أصدقائي وزيارتهم، فقد اشتقت إليهم كثيراً".
بدوره، يخطّط الشاب الجامعي نور ميّاسي لتقديم طلب هجرة فور انتهاء الجائحة، ويقول لـ"العربي الجديد": "للأسف، طموحاتنا محدودة في هذا البلد وسط ما نعانيه من أزماتٍ اقتصادية ومعيشية خانقة، ناهيكِ عن ثقل الوباء وتهديداته اليومية. لذلك أسعى أيضاً إلى إيجاد فرصة عمل في الخارج". ولا يغيب عن بال ميّاسي نهرٌ محبّب إلى قلبه يتوق إلى زيارته كأول مشروعٍ له بعد خروجه من المنزل، علّه يبعث النور والأمل بحياةٍ خالية من الأوبئة والهموم.