تعود ملكية معظم المدارس الخاصة في لبنان إلى الهيئات والجمعيات الطائفية، مع قسم لا بأس به تعود ملكيته إلى مؤسسات أجنبية، لا تعاني من المشكلات التي يعيشها القطاع العام. مع ذلك، فأكثر من 100 مدرسة أقفلت أبوابها نتيجة فقدانها الطلبة الذين توجهوا إلى المدارس الحكومية.
وجد الأهالي الذين حافظوا على ارتياد أبنائهم القطاع الخاص أنفسهم مضطرين إلى ذلك نتيجة الإضرابات المتلاحقة، رغم ضغط الأزمات المعيشية. المتكرر في هذا التوجه هو الخوف على مستقبل أولادهم من ضياع عامٍ دراسي، خصوصاً بعد التراجع الذي حدث خلال فترة التدريس عن بُعد.
لم تنج المدارس الخاصة من جائحة كورونا، ومن الإقفال القسري الذي رافقها، لكن بعضها تمكّن من الانتقال إلى التعليم عن بُعد، بالنظر إلى قدراتها التقنية، وإمكانات أهالي تلامذتها في توفير التجهيزات المطلوبة، من إنترنت وكهرباء وغيرها، مع ذلك كان العام الماضي قاسياً على كثير منها.
وتتمثل أبرز الصعوبات في أجور المعلمين والهيئات الإدارية الذين أعلنوا الإضراب أكثر من مرة، ومرد الصعوبة أنها تقاضت الأقساط بالليرة اللبنانية التي خسرت معظم قيمتها نتيجة التضخم. وطبيعي أن يثور هؤلاء على أوضاعهم، ويطالبون إداراتهم بتعويضهم ما خسروه، كي يتمكّنوا من الحفاظ على الحد الأدنى من مقومات العيش، كما أن غلاء المحروقات ونقل الطلاب لعب دوره. لكن الأهم هو عجز قسم كبير من الأهالي عن تسديد الأقساط، فبعضهم حُجزت أمواله في البنوك، ولم يستطع استرجاعها.
كل هذه العوامل مثّلت عقبات مستعصية أمام القطاع الذي يستقطب نحو 70 في المائة من تلاميذ لبنان، ويملك أوسع انتشار لشبكة مدارسه، تبعاً للجهات التي تملكها.
نتيجة لتلك المشكلات، ضاعفت المدارس الخاصة قيمة أقساطها ثلاث مرات بالحد الأدنى، وهو أمر لو اقتصر على الحصول عليها بالليرة اللبنانية لكان هيناً، لكن بعضها عمدت إلى دولرتها، أو الحصول على نصف الأقساط بالدولار ونصفها بالليرة. ما حرم كثيرين من مجاراة الزيادة. إذ باتت المبالغ المطلوبة تفوق مداخيل الموظفين في القطاعين الرسمي والخاص، وأصحاب المهن الحرة أيضاً، والذين كانوا يصنفون ضمن الطبقة الوسطى.
ومن المعلوم أنه إضافة إلى القسط، هناك رسوم التسجيل، وثياب الرياضة، والأنشطة، والكتب، والقرطاسية، وقبلها أجرة الباص من المدرسة وإليها.
تملك المدارس الخاصة على تنوع فئاتها، امتيازات عن المدرسة الرسمية، فقد فتحت أبوابها إيذاناً ببدء التسجيل والدراسة قبل المدارس الرسمية بنحو عشرين يوماً، لتلافي صرف كميات مازوت في مولداتها على وسائل التدفئة والإضاءة مع الأسعار الجنونية، وأبرز ما يجعل المنافسة غير متكافئة، التفوق في مجال إتقان اللغات الأجنبية، وقلة أو ندرة الإضرابات، ومرونة المنهاج، والطرق التربوية الناشطة، وغيرها من عناصر وازنة.
لكن على الرغم من ذلك كله، فقد سحب قسم واسع من الأهالي أبناءهم، وتوجهوا بهم نحو التعليم الرسمي الذي يظل أقل كلفة. بعض المدارس الخاصة ضاعفت أقساطها على نحو مقبول، والبعض الآخر كانت الزيادات لديه جنونية، لتبرير تمكّنها من زيادة رواتب المعلمين، وتأمين الكلفة التشغيلية.
ما يجب أن يسجل ختاماً، أن دخول المدرسة الخاصة بات حكراً على فئة من الخاصة، دخلها "مدولر"، وهو ما لا يستطيعه الفقراء، أو العاملون في القطاعات العامة والخاصة على حد سواء.
(باحث وأكاديمي)