على وقع الغارات الإسرائيلية العنيفة والمتواصلة على الضاحية الجنوبية لبيروت، تستمر الانتهاكات بحق المستوصفات والمستشفيات والمراكز الطبية في لبنان. فقد أمعن جيش الاحتلال، أمس الثلاثاء، في استهداف "مركز الزين الطبي التخصصي" في منطقة حارة حريك صباح أمس، وصولاً إلى "مركز دار الحوراء الطبي" في منطقة بئر العبد، عند ساعات الليل، وهو مركز تابع للهيئة الصحية الإسلامية.
وفي اتصال لـ"العربي الجديد"، كشف نائب مدير عام الهيئة الصحية الإسلامية، المهندس مالك حمزة، أن "المركز استُهدف ليل أمس بغارة إسرائيلية مباشرة على شقة الفريق الإداري التي تقع في الطوابق العليا للمبنى، علماً أن تلك الطوابق هي عبارة عن شقق سكنية. أما صباح اليوم الأربعاء، فقد استُهدف مبنى يقع في الجهة الخلفية لمركز دار الحوراء، ما فاقم من حدة الدمار، خاصة أنه سبق وتعرض لأضرار كبيرة منذ أيام من جراء قصف مبنيين مجاورين. وأضاف "لم نقم بعد بمسح وتقييم الأضرار الحالية، لكن الدمار كبير جداً والخسائر جسيمة، رغم أن المبنى لم يسقط بأكمله على الأرض، غير أن أغلب التجهيزات والمعدات الطبية ما زالت ضمن المركز، ولم نستطع منذ بدء الاستهدافات الإسرائيلية للضاحية الجنوبية، سوى نقل بعض المعدات التي يسهل حملها، حيث استحدثنا عدداً من النقاط الصحية في مناطق آمنة ضمن بيروت".
استهداف ممنهج للقطاع الصحي جنوب لبنان
وأوضح أن "مركز دار الحوراء الطبي يُعدّ من أهم وأكبر مركز رعاية صحية أولية في لبنان، وهو أيقونة الهيئة الصحية الإسلامية وأول مراكزها. يمتد على ثلاثة طوابق تشمل كل الأقسام التخصصية والعيادات الطبية من تصوير شعاعي وصوتي وعيادات أسنان وكل الخدمات الطبية والصحية والرعائية، ما عدا الاستشفاء. كما يضم مختبراً متطوراً يُعتبر من أكبر المختبرات في لبنان، وصيدلية داخلية تقدم الأدوية الضرورية بأسعار رمزية. هذا، ويقدم المركز خدماته لعشرات الآلاف من المرضى سنويّاً، من سكان الضاحية الجنوبية ومن خارجها ومن اللاجئين السوريين والفلسطينيين وغيرهم من فئات المجتمع. لقد كان المركز مفتوحاً للجميع، يعمل فيه نحو 130 طبيباً و140 موظفاً بين ممرضين وفنيّين في قسم المختبر والأشعة والصيادلة والموظفين الإداريين".
ويشير نائب مدير عام الهيئة الصحية الإسلامية، إلى نشأة مركز دار الحوراء، "الذي بدأ عام 1984 كمستوصف صغير يقدم خدمات إسعافية، قبل أن يجري تطويره ليشمل عيادات طبية، وفي عام 1985 جرى استحداث دار توليد نسائية، وبعد بروز المستشفيات في الضاحية الجنوبية في حقبة التسعينيات، جرى إقفال قسم التوليد وتحويل دار الحوراء إلى مركز متكامل للرعاية الصحية الأولية، تحت إشراف وزارة الصحة العامة في لبنان". ويضيف: "انتقل المركز من فرعه الأساسي إلى فرع آخر في منطقة بئر العبد أيضاً، بعد عملية التوسيع والتطوير، وتعرض خلال حرب يوليو/ تموز 2006 للدمار الكامل، فانتقلت خدماته إلى مبنى مؤقت وصولاً إلى المبنى الحالي المتكامل الذي جرى استهدافه اليوم".
ويلخّص نائب مدير عام الهيئة الصحية الإسلامية، وصفه لأهمية دار الحوراء، بالقول: "كان الأهالي يغمضون أعينهم ويقصدونه، فهو مركز راسخ في وجدان اللبنانيين، حيث إن عدداً كبيراً منهم وُلد فيه. وهو معروف بجودة خدماته وأسعاره الرمزية، أسوة بكل مراكز الهيئة الصحية الإسلامية، التي تعتبر خدماتها شبه مجانية، رغم اشتداد حدة الأزمة الاقتصادية في البلاد. كانت المعاينة الطبية في مركز دار الحوراء لا تتجاوز خمسة دولارات أميركية، في حين كانت تبدأ من عشرين دولاراً أميركيّاً وأكثر، في أي عيادة أخرى. أما كلفة الفحوص المخبرية والأشعة، فلم تكن تتجاوز ثلث أسعار المراكز الخارجية".
ويشير إلى أنها "ليست المرة الأولى التي يستهدف فيها العدو الإسرائيلي مراكز الرعاية الصحية الأولية التابعة للهيئة، فقد استهدفوا مركز الرعاية الصحية الأولية بشكل مباشر في بلدات الخيام والطيبة وصدّيقين (جنوب لبنان) وغيرها من المراكز والمستشفيات، وسقط فيها عدد من الشهداء من الكادر الطبي والتمريضي". ويشرح أن "الهيئة تمتلك 70 مركزاً صحيّاً، من بينها 30 مركزاً للرعاية الصحية الأولية في لبنان، وهي الحصة الأكبر من أصل ما يقارب 270 مركزاً للرعاية الصحية الأولية في كل لبنان".
بدوره، يتحسر الصحافي اللبناني محمد قليط، على الدمار الكبير الذي لحق بمركز دار الحوراء، وهو المركز الذي وُلد فيه، عندما كان بفرعه الأساسي. ويقول لـ"العربي الجديد": "لم أنقطع عن التردد إليه حتى بعد انتقال سكني خارج الضاحية الجنوبية للعاصمة. كنت أقصده كلما احتجت لإجراء الفحوص المخبرية والخضوع للعلاج، نظراً للثقة الكبيرة بجودة خدماته وكلفتها المنخفضة من جهة، وتمسكاً بالرابط العاطفي الذي يعيدني إلى مكان ولادتي من جهة أخرى. حتى إن عائلتي بأكملها من والدتي وإخوتي وجدي وجدتي وأقربائي، كانوا يقصدونه لمتابعة أوضاعهم الصحية، من صور أشعة وعلاجات مختلفة، بسبب سرعة ونوعية الخدمات، إلى التسهيلات والتخفيضات الكبيرة بالأسعار".
ويستذكر كيف أنه أجرى فحوص الدم للحصول على بطاقة الهوية، ولم تتجاوز الكلفة خمسة آلاف ليرة لبنانية حينها، قبل الأزمة الاقتصادية في لبنان (نحو 3 دولارات أميركية)، ويتابع: "ووسط الأزمة المعيشية عام 2020 أجريت فحوص الزواج، ودفعت فقط ثلاثة آلاف ليرة لبنانية (أقل من دولار أميركي). كان المركز متعدد الأقسام والتخصصات، يزوره المرضى من كل حدب وصوب، وحتى من خارج الضاحية الجنوبية، وكان أقل كلفة من المستوصفات الموجودة في العاصمة، والتي كانت كلفتها تشابه دخولنا قسم الطوارئ في المستشفيات".