نشر طلاب من جامعة إلينوي خلال شهر تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي مقالة في إطار مؤتمر تتعلق بأسباب تخلص بعض الطيور المغردة من أحد صغارها بدفعه خارج العش قبل أن يبلغ سن الطيران. وعزت الأسباب إلى كون الأهل يضحون بأحد صغارهم ليراه عدو مفترس ويتلهى به بعيداً عن العش. وكأن هذه الطيور المغردة تقدم الأضحية من أولادها إلى الحيوان أو الطائر المفترس. صحيح أن المقالة لم تنشر بعد في مجلة علمية متخصصة حيث من المفترض أن تتم مراجعتها من قبل محكمين أكفاء، إلا أن اللافت للنظر أن الطلاب الذين لم يعطوا أسباباً واضحة للدوافع التي جعلتهم يفكرون في هذا الاتجاه الذي قد يكون صحيحاً، قد ذكروا أن هذا الأمر يحصل أيضاً مع العقاب (ملك الطيور).
وهنا نسأل ممن يخاف العقاب حتى يقدم أحد صغاره أضحية، وهو أي العقاب على رأس الهرم الغذائي حيث لا مفترس آخر يخيفه. إضافة إلى ذلك فإن دراساتنا الحقلية بينت أن العقبان تقوم برعاية صغارها والدفاع عنها بكل شراسة، حتى أن فترة الرعاية عند العقبان تمتد إلى ما بعد موسمي الربيع والصيف وتصل إلى منتصف الخريف حيث نرى أمهات تقوم بتقديم الطعام لصغارها حتى يتركوا العش ويعتمدوا على أنفسهم.
قد تكون دراسة الطلاب ذات أهمية كبيرة في شرح بعض أسباب تخلص الطيور من بعض صغارها، إذا توفرت لهم مقومات توثيق ما أدلوا به من أسباب، ونشرهم مقالتهم في مجلة علمية عالمية محكمة. ليس موضوع التخلص من الصغار الذين لا حول ولا قوة لهم بالأمر الجديد لأن الكثير من الأهل يضحون بأحد صغارهم سواء كانوا طيوراً أو حيوانات أخرى. يدور الأمر في معظمه حول مقولة أن الحياة للأقوى وحول نظرية داروين التي تعتمد على نظرية الانتقاء الطبيعي حيث يبقى الأقوى أيضاً. قد تأكل أنثى النمر أولادها إذا شعرت بالضغط والتوتر قبل أن يفترسهم أحد، وكذلك تفعل السحلية طويلة الذنب التي تأكل بيضها قبل وصول من جاء ليلتهم هذا البيض. وقد يقتل الأسد أولاد الأنثى من غيره بغية مجامعتها واستدامة نسله. والباندا التي تلد صغيرين تهمل أحدهما فيموت وما ذلك سوى لأن حليبها لا يكفي سوى لصغير واحد. وتقوم بعض الكلاب البرية والدببة والسنوريات والقرود والثعابين والأسماك والقوارض بالتهام صغارها المشوهين أو المرضى لأنهم مصدر غذاء لها، ولكن هناك أسباباً أخرى مثل التخلص من هؤلاء الصغار كي لا يكونوا عبئاً عليها أو يتسببون بعرقلة لها عند الهروب من خطر ما، أو خلال مواجهة مفترس جاء ليأكل صغارها فتعرض نفسها للخطر.
وبالعودة إلى الطيور، نجد أن اللقلاق يدفع بأضعف صغاره إلى حافة العش لكي يقع من تلقاء نفسه، فإذا لم يقع فإن أحد والديه يحمله بمنقاره ويرميه من أعلى العش ليلاقي حتفه، وما ذلك سوى لإعطاء الوالدين فرصة جلب طعام يكفي للأصحاء من سكان العش. ونجد العقاب تلتهم صغيرها الميت للمحافظة على نظافة العش، ونرى طيوراً تقتل أضعف فراخها فقط لكي توفر متسعاً للباقين في العش الذي يسكنونه. أما أنثى الدوري فهي تغار كثيراً على زوجها إلى حد أنها تراقبه لتعرف مع من يخونها وتراقبهما معاً إلى أن تضع الأنثى الأخرى بيضها في العش وبعد أن يفقس البيض فراخاً تقوم الأنثى الغيورة بالانقضاض على الصغار وتقتلهم أمام عيني أمهم وكأنها تعاقب شريك حياتها على خداعه لها.
هذا ونجد أن أنثى طائر الكوكو تضع بيضتها الوحيدة في عش عصفورة أخرى أصغر منها حجماً بعد أن تطمئن إلى أن هذه العصفورة قد وضعت بيضها وغادرت العش لتأكل أو لتجلب مواد تحصن بها العش. فإذا اكتشفت العصفورة الصغيرة أن البيضة ليست لها فإنها ترميها خارج العش أو تقتل الصغير عند فقس البيضة، وإذا لم تكتشف خديعة الكوكو فإن الصغيرة تطعم فرخ الكوكو ولكن هذا الأخير يرمي ببيض العصفورة إلى خارج العش.
(اختصاصي في علم الطيور البرية)