يزداد في الآونة الأخيرة إقبال الموظفين الأميركيين على الإجازات السنوية، بفترات طويلة، تتخطى في العديد من الأحيان أسبوعين أو ثلاثة أسابيع، على الرغم من ضبابية الوضع الاقتصادي والاجتماعي في البلاد.
يُعرف الأميركيون عادة بأنهم مدمنو عمل، إذ يعملون لساعات طويلة، ولا يكترثون للحصول على إجازات، لأسباب عديدة تتعلق بمخاوف شخصية من فقدان العمل، أو زيادة المصاريف وغيرها، لكن هذه المعادلة تبدلت في صيف 2023، إذ يزداد الإقبال على الإجازات بشكل لافت.
تظهر البيانات أنّ الأميركيين هذا الصيف، يتوجهون بشكل لافت لقضاء إجازات طويلة نسبياً، بعيداً عن سوق العمل وتأثيراته، بحسب ما أظهرته صحيفة "وول ستريت جورنال" الأميركية، أمس الجمعة.
How Americans Learned to Stop Worrying and Take Vacation This Summer - WSJ https://t.co/nDoIAOKwWD
— Democratic Coalition VOTE BLUE A CALL TO ACTIVISM (@voteblue8888) July 29, 2023
وأظهر تقرير لمركز "بيو" للأبحاث والدراسات، أنّ 48 في المائة من العاملين الأميركيين يقولون إنهم يقضون كل أيام عطلتهم، وأن أولئك الذين لا يأخذون كل إجازاتهم يقولون إنهم لا يحتاجون إليها، أو لأنهم قلقون بشأن التخلف عن الركب في العمل أو يشعرون بالسوء حيال زملائهم في العمل الذين يتحملون عبئهم.
ووفق القانون الأميركي، يحصل موظفو القطاع الخاص في الولايات المتحدة على متوسط 15 يوم إجازة، بعد أن عملوا لمدة خمس سنوات، وترتفع إلى 20 يوماً بعد عقدين من العمل، وتبين بأن نحو 80 في المائة من جميع موظفي القطاع الخاص في الولايات المتحدة يحصلون على إجازة مدفوعة الأجر، استناداً لبيانات حكومية.
إجازة طويلة
نجح جون سكيل، موظف في مجال التكنولوجيا والصناعات، والبالغ من العمر 58 عاماً، في الحصول على إجازة طويلة نسبياً هذا الصيف، بعد مرور عامين من العمل. إذ لم يتمكن من الحصول على إجازة خلال فترة انتشار فيروس كورونا. قرّر وزوجته في يونيو/ حزيران الماضي، التوجه إلى رحلة بحرية لمدة 11 يوماً حول جنوب أوروبا، ثم سافرا إلى لندن واسكتلندا.
خلال السنوات الماضية، أدى الوباء، إلى جانب المخاوف بشأن الركود المحتمل؛ إلى إضعاف رغبة العمال الأميركيين في الحصول على إجازة مدفوعة الأجر، حتى بعد انتهاء الوباء وتحسن آفاق الاقتصاد، لعبت الظروف المناخية دوراً سلبياً مع ارتفاع درجات الحرارة، والحرائق والتغيّر المناخي، ورغم ذلك، تبين بأن الأميركيين يسعون إلى نبذ هذه الأفكار، وتجاوز هذه المخاوف، والاستعداد لقضاء عطلة الصيف.
تُظهر تقويمات إجازات الشركات الأميركية، أنّ مزيداً من العمال يطالبون بالحصول على إجازة لهم. وقد ارتفع عدد أيام الإجازات للموظفين الذين سجلوا أيام الإجازة بنسبة 11 في المائة في يونيو/ حزيران مقارنة بالشهر نفسه في عام 2022، و20 في المائة مقارنةً بشهر يونيو/ حزيران 2021، وفقاً لشركة تكنولوجيا الموارد البشرية Gusto، التي تتعقب طلبات الإجازة من العمال بأكثر من 300 ألف شخص صغير وعاملين.
طلب الإجازة لا يتعلق فقط بالموظفين العاديين، يشير المديرون التنفيذيون إلى أنهم يحاولون الحصول على إجازة. ففي استطلاع أجرته شركة كورن فيري للبحث التنفيذي في يوليو/ تموز، أكدّ نحو 53 في المائة، أي حوالي 300 محترف شملهم الاستطلاع، أنهم يخططون لقضاء إجازة صيفية أطول هذا العام مقارنة بالسنوات الماضية. بينما قال ربعهم إنهم لا يتواصلون أبداً مع العمل أثناء الإجازة، لفت نصفهم أنهم يفعلون ذلك مرة واحدة أو مرات عدة في اليوم.
حتى إن الشركات بدورها بدأت تشجع الموظفين على طلب الإجازات الخاصة بهم. في بيان نشرته شركة TaskRabbit، وهي سوق على الإنترنت للعمالة المستقلة، لفتت إلى أنها بدأت بالإعلان عن منح الموظفين "أسبوعين إجازة"، وقالت الشركة إن الموظفين يحصلون على هذه الأسابيع مدفوعة الأجر للراحة والاسترخاء.
كذلك الأمر بالنسبة إلى وكالة السفر عبر الإنترنت Priceline، التي بدأت بمنح ما لا يقل عن أسبوعين إجازة لموظفيها، حتى يتمكنوا من التخطيط السليم لقضاء إجازة.
فوائد الإجازات
وجدت دراسة سابقة أجرتها منظمة الصحة العالمية (WHO)، أنّ 745000 شخص ماتوا في عام 2016 بسبب أمراض القلب والسكتة الدماغية، بسبب ساعات العمل طويلة، وقالت إن الاتجاه قد يزداد سوءاً، بسبب الجائحة.
Long Working Hours Increasing Deaths From Heart Disease, Stroke – WHO, ILO https://t.co/TAgCfOvQhP pic.twitter.com/xGe7OLddZE
— Next Edition News (@NextEditionNews) May 18, 2021
ووجد البحث أن العمل لمدة 55 ساعة أو أكثر في الأسبوع مرتبط بزيادة خطر الإصابة بالسكتة الدماغية بنسبة 35 في المائة، وخطر الوفاة بأمراض القلب بنسبة 17 في المائة، مقارنة بأسبوع العمل الذي يتراوح بين 35 و40 ساعة.
أخذ وقت الإجازة ضروري لبقاء الموظف، وذلك لأن الإجازة من العمل جزء لا يتجزأ من الرفاهية والإنتاجية المستدامة والأداء العالي.
فالذهاب في عطلة يجعل الموظف يشعر بمزيد من الحضور والتحفيز، يقول ريتشارد ديفيدسون، أستاذ علم النفس والطب النفسي في جامعة ويسكونسن ماديسون ومؤسس مركز العقول الصحية، بحسب تقرير سابق أنجزته مجلة فوربس الأميركية.
كما يمكن أن يساعد أخذ إجازات منتظمة في تقليل مخاطر الإصابة بمتلازمة التمثيل الغذائي، وهي مجموعة من المشكلات الصحية، بما في ذلك ارتفاع ضغط الدم، وارتفاع نسبة السكر في الدم، ودهون البطن الزائدة، ومستويات الكوليسترول غير الطبيعية، والتي تزيد من خطر الإصابة بأمراض القلب والسكتة الدماغية والسكري من النوع الثاني.
ووجد الباحثون أن أولئك الذين يقضون إجازة بشكل متكرر كانوا أقل عرضة لاستيفاء معايير تشخيص متلازمة التمثيل الغذائي. والجدير بالذكر أن الخطر انخفض بمقدار الربع مع كل إجازة إضافية. تابعت دراسة نشرتها مجلة فوربس الأميركية، مدتها تسع سنوات أكثر من 12000 رجل في منتصف العمر معرضين لخطر الإصابة بأمراض القلب.