رغم مرور أكثر من شهرين على كارثة الإعصار المدمر الذي اجتاح العديد من المناطق شرقي ليبيا من بينها درنة، لم يستفق بعد سكان المدينة من هول الصدمة التي تسبب بها.
في 10 سبتمبر/ أيلول الماضي اجتاح الإعصار المتوسطي "دانيال" عدة مناطق شرقي ليبيا، أبرزها مدن بنغازي والبيضاء والمرج وسوسة، فضلاً عن مناطق أخرى، من بينها درنة التي كانت المتضرر الأكبر بسبب انهيار سدين كانا يحبسان المياه في "وادي درنة" الضخم.
وفي حين لا توجد حتى اليوم حصيلة نهائية للضحايا بسبب المفقودين، فإنّ عدد القتلى وصل حتى 2 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي إلى 4333، وفق منظمة الصحة العالمية التي أوضحت أيضاً أن المفقودين المسجلين بلغوا 8500 شخص.
توقعات بأن الطقس بداية من الأسبوع المقبل سيكون شتوياً، وسيشهد هطولاً للأمطار وانخفاضاً بدرجات الحرارة
ومع استمرار معاناة درنة التي صنفتها السلطات الليبية بالمنكوبة جراء الإعصار، تتجدد المعاناة خاصة مع دخول الشتاء، إذ تحولت الأمطار إلى كابوس يؤرق سكان المدينة نتيجة للأضرار المحتملة التي قد تسببها، بخاصة في ظل انهيار السدود وتهالك البنية التحتية.
مصلحة الطرق والجسور بوزارة المواصلات بحكومة الوحدة الوطنية قدرت نسبة أضرار البنية التحتية بالمناطق المنكوبة شرقي البلاد بنحو 70 بالمائة، مشيرة إلى انهيار 11 جسراً جراء السيول، منها 2 يربطان درنة بمدينتي سوسة والقبة، و6 أخرى داخل درنة، و3 جسور في الطريق الممتد بين مدينتي شحات وسوسة.
توقعات بإعصار آخر
بدوره، قال رئيس مجلس إدارة مؤسسة رؤية لعلوم الفضاء وتطبيقاته (غير حكومية) عطية الحصادي، إن التوقعات تفيد بأن الطقس بداية من الأسبوع المقبل سيكون شتوياً، وسيشهد هطولاً للأمطار وانخفاضاً بدرجات الحرارة، لكن حتى الآن غير معروف في أي المناطق أو المدن بالتحديد، فيما التوقعات الدقيقة تأتي قبل 72 ساعة فقط، وكلّ النماذج تظل احتمالات قابلة لتغييرات شتى.
وأضاف: "تعرض ليبيا لإعصار آخر أمر وارد، نظراً للتغير المناخي الواضح الذي لا يمكن إنكاره، والدليل على ذلك أنّه بعد إعصار دانيال بأيام، جاءت عاصفة إلياس التي ضربت اليونان مرة أخرى، والحمد الله اتجهت شرقاً"، مشيراً إلى أنّ "تخوفات المواطنين من المطر أمر طبيعي، نظراً لحجم الكارثة التي ضربت درنة، وكنت أنا أحد الذين شاهدوا عمارة من أربعة طوابق، يحملها السيل الجارف".
وعن مبررات تلك المخاوف، قال: "تعود لعدة أسباب، من بينها أن مجرى الوديان لا يزال مغلقاً، والطرق مجروفة بفعل آثار الإعصار، لذلك قد تتسبب أي أمطار غزيرة قادمة بمشاكل أخرى، ما يعني مزيدا من الانهيارات في شبكة الطرق والبنية التحية".
وأوضح أن "تهالك البنية التحتية هو أحد الأسباب، لكن الخسائر ستتضاعف نظراً لانهيار البنية التحتية الإدارية لنظام الاستجابة والطوارئ الموجود في ليبيا، وكيف تتعامل مع الأزمة خلال الأسابيع التي مرت من دون تشكيل أي أجهزة أو إدارات حقيقية لإدارة الأزمة".
وأردف: "على سبيل المثال، شبكة الاتصالات عادت لدرنة ثالث يوم من الكارثة وهذا شيء بسيط جداً، وانهيار البنية التحتية الإدارية بنظام الطوارئ هو الذي يخيف أكثر من الجسور والسدود كما أرى".
الليبيون ضحية التراخي والتقصير الحكومي
وأكد الحصادي أن التعامل مع الأزمة التي مرت بها المدينة "كان فوضوياً رغم وجود العديد من الجهود والنوايا الحسنة، ولكن الفوضى الكبيرة للأسف غطت على كل الجهود التي بذلت، والتعامل لم يكن احترافيا ولا بالمستوى المطلوب، والمواطنون كانوا ضحية للرعونة والتراخي وفشل أجهزة الدولة".
من جانبه، قال رمضان محمد، أحد سكان درنة: "الخوف الذي يشعر به أغلب سكان المدينة حالياً، خاصة مع دخول فصل الشتاء له أسبابه، ومنها أن السلطات لم تعالج آثار الإعصار".
وأضاف رمضان أن انهيار السدود حَوّل درنة إلى مدينة مفتوحة. وهناك تخوف من فيضان مجرى الوديان مجددا، وأن تجرف معها أجزاء أخرى من المدينة، خاصة في ظل التوقعات الجوية المتوقعة حول إمكان تساقط الأمطار والمتغيرات المناخية المحتملة.
وعن الأيام القليلة الماضية قال: "قبل أيام شهدت المدينة رياحا قوية، وارتفاعا بمنسوب البحر، مما تسبب في تخوف كبير للسكان وتحول ذلك لهواجس كبيرة، خوفاً من تكرار سيناريو الكارثة التي حلت بالمدينة، فهم لم يتجاوزوا وقع الصدمة بعد".
تكاسل السلطة التنفيذية
وأردف: "السلطات التنفيذية خذلتنا، وهناك تكاسل واضح في عملها منذ بداية الكارثة، المؤسسات الصحية كانت شبه معطلة قبل حدوث الإعصار بغرض صيانتها، وهذا أثر سلباً، وهناك إهمال واضح لكل المؤسسات الخدمية وعدم قدرتها على تقديم الخدمات للمواطنين".
وأكد أن "الأولوية تكمن اليوم في صرف تعويضات لكل الأسر المتضررة، وتوفير مساكن والاهتمام بالسدود، لاسيما أن الخطر لا يزال يحدق بالمدينة".
وأشار رمضان إلى أن "الحياة بدأت تعود تدريجياً للمدينة، وهناك حملات تطوعية تقوم بها مجموعة من المؤسسات غير الحكومية والشباب في ظل غياب المؤسسات الحكومية، التي غادر أغلبها المدينة رغم الحاجة لوجودها".
المعاناة ستتضاعف
المحلل السياسي الليبي فرج فركاش قال: "مع قدوم فصل الشتاء، وفي ظل غياب التخطيط والبنية التحتية المعدومة أصلا ستتضاعف للأسف معاناة هؤلاء الضحايا، وسنرى مزيدا من معاناة النازحين، لذلك لا بد من توحيد الجهود إن كان من لديهم السيطرة على القرار السياسي والتنفيذي تهمهم فعلاً مصلحة المتضررين كما يدعون".
وأضاف: "مع استمرار الانقسام السياسي على المستوى التنفيذي، ومحاولة استغلال ملف إعادة الإعمار لتسجيل نقاط سياسية بين الخصوم، ستستمر معاناة درنة والنازحين الذين ينتظرون حلولا عملية طويلة الأمد لموضوع السكن".
وأشار فركاش إلى أن "ما تكشف لنا من خلال هذه التجربة المريرة والقاسية، هو عدم استعداد ليبيا لهكذا كوارث، وانعدام البنية التحتية، ومقدار الفقر المدقع الذي تعيشه غالبية مناطق ومدن الجبل الأخضر في دولة تعوم على بحيرات نفط، لكن الفساد واللامبالاة والتخبط هي العوامل المسيطرة للأسف".
(الأناضول)