لم تحدّ قسوة فصل الشتاء من أنشطة عصابات الهجرة السرية في ليبيا، بل تزايدت منذ أول شهر في العام الجاري على طول سواحل البلاد التي تتوزع فيها نقاط تهريب المهاجرين على متن قوارب متهالكة تعرض أرواح المهاجرين للخطر.
ففي نهاية يناير/كانون الثاني الماضي، أعلنت جمعية الهلال الأحمر الليبي، مقتل ثمانية أشخاص على الأقل، وفقدان ما يزيد عن خمسين من المهاجرين بعد انقلاب قارب كان يقلهم متجهاً إلى السواحل الأوروبية الجنوبية، منطلقاً من ساحل منطقة القربولي (60 كلم شرق العاصمة طرابلس)، وأشار البيان إلى أن المهاجرين الغرقى الذين تم انتشال جثثهم جميعهم من الرجال، من دون تحديد جنسياتهم.
وتضاربت الأرقام حول أعداد المهاجرين الغرقى خلال شهر يناير الماضي، فقالت منظمة "رصد الجرائم" الأهلية إنه تم العثور على 11 جثة مجهولة الهوية لمهاجرين على شواطئ مناطق الزاوية والزويتينة وجنزور والقره بوللي، في حين قالت المنظمة الدولية للهجرة التابعة للأمم المتحدة إن ما لا يقل عن 17 مهاجراً قضوا نحبهم غرقاً، وفُقد 18 آخرون قبالة سواحل ليبيا خلال شهر يناير.
وأفادت المنظمة الأممية بأنه تم اعتراض طريق 1103 مهاجرين في عرض البحر، خلال ذات الشهر، وأعيدوا إلى ليبيا، وكان من بينهم 413 رجلاً، و55 امرأة، و10 أطفال، و625 لم تتوفر معلومات عن أعمارهم أو جنسهم.
وفي منتصف يناير أعلن "اللواء 128 معزز" التابع لقيادة قوات اللواء المتقاعد خليفة حفتر، عن ضبط مهاجرين سريين مختبئين في أحد المنازل المهجورة جنوبي مدينة هراوة (وسط)، وكشف اللواء العسكري، عبر صفحته على "فيسبوك"، أن إحدى وحداته سلمت المهاجرين السريين إلى الجهات المختصة بعد ضبطهم خلال محاولتهم العبور نحو السواحل الأوروبية.
وفي منتصف فبراير/شباط الماضي أعلنت المنظمة الدولية للهجرة عن فقدان الاتصال بنحو 73 مهاجراً بعد أن غرق قارب كانوا على متنه قبالة السواحل الليبية، مشيرة الى نجاة سبعة من بين من كانوا على متن القارب.
ويلاحظ الأكاديمي الليبي حامد بن حريز التزايد الملحوظ في أنشطة تهريب المهاجرين، والتي امتدت إلى مناطق جديدة، من بينها مناطق في الوسط والشرق، مشيراً إلى أن "هراوة التي أعلن اللواء 128 القبض على مهاجرين فيها تقع في وسط البلاد، بالإضافة إلى منطقة الزويتينة الواقعة في الشرق، والتي أعلنت منظمة العثور على جثث مهاجرين على شاطئها. لكن ذلك يجب أن لا يلهي جهات الضبطية عن ملاحقة المهربين في مناطق غرب البلاد، والتي تعدّ الأكثر نشاطاً".
ويرى بن حريز أن استمرار التهريب في فصل الشتاء هو "محاولة للالتفاف على جهود السلطات"، ويقول لـ"العربي الجديد": "يبدو أنهم يعلمون أن هذه الأوقات لا تتوقع فيها الأجهزة الضبطية أي نشاط لهم، فمن الطبيعي أن تتراجع حدة التهريب خلال فصل الشتاء، كما جرت العادة خلال السنوات الماضية".
ويلفت إلى أن "الجشع قد يدفع المهربين إلى استغلال ظروف الشتاء للهرب من أعين الأجهزة الأمنية، لكن السؤال ما زال يتعلق بالمهاجرين الذين يقبلون المغامرة في ظروف البحر السيئة التي لا تسمح في كثير من الأحيان بالإبحار على متن قوارب صغيرة، وهذا مؤشر مهم يعكس وصول بعض المهاجرين إلى درجة اليأس، والتي تجعلهم يوافقون على المغامرة بحياتهم".
وأعلنت فرق جهاز مكافحة الهجرة غير الشرعية (حكومي) تكثيف تمركزاتها، وتحريك دورياتها في المناطق الصحراوية الرابطة بين الجنوب ومناطق التهريب على البحر، لا سيما الطريق الرابط بين براك جنوباً، مرورا بالشويرف، وحتى المناطق الساحلية شمالاً.
وتحدثت تقارير دولية متعددة عن الظروف السيئة التي يعيشها المهاجرون في طريق وصولهم إلى نقاط التهريب على ساحل البحر في ليبيا، وكذلك داخل مراكز الإيواء التي لا تقع تحت طائلة مسؤولية السلطات، وتتم إدارتها من قبل مجموعات مسلحة اتهمتها تقارير أممية سابقة بالمشاركة في تجارة البشر، وتهريب المهاجرين.
ويحمل حامد بن حريز، المجتمع الدولي مسؤولية تنامي تهريب المهاجرين، قائلاً إن "هناك العديد من الإجراءات والآليات التي يمكن أن تدعم ليبيا في الحد من هذه الظاهرة، ومنها ضبط الحدود الجنوبية، ومن دون ضبطها ستكون إجراءات مراقبة الطرق الصحراوية بلا فائدة، كما أن هناك دولاً أوروبية تقوم بتقديم المساعدة لخفر السواحل فقط، رغم أنهم آخر نقطة قبل الانطلاق باتجاه أوروبا، وكثيراً ما يتم اعتراض مراكب المهاجرين، وإرجاعهم إلى ليبيا ليلاقوا سوء المعاملة في مراكز الإيواء".
وأوضحت منظمة الهجرة الدولية أن عام 2022 شهد مقتل ما لا يقل عن 529 مهاجراً، وفقدان 848 آخرين قبالة سواحل ليبيا، فيما تم اعتراض أكثر من 24680 مهاجراً.