أعلن مركز الرقابة على الأغذية والأدوية (حكومي) تشكيل فريق عمل مكون من مفتشي المركز والحرس البلدي والإصحاح البيئي للتحقيق في الأسباب التي أدت إلى تسمم 71 شخصاً من جراء تناول وجبات سريعة من أحد مطاعم منطقة جنزور، غربي العاصمة الليبية طرابلس.
وأوضح المركز أنه تلقى بلاغاً حول حالات التسمم ووصول المواطنين إلى المصحات الخاصة والمراكز الطبية الحكومية، مضيفاً أنه اعتمد في تحديد سبب التسمم على شهادات الحالات التي أفادت جميعها بتناول وجبات غذائية من المطعم ذاته، وأنه تم التوجه إلى المطعم للتفتيش، وتم ضبط العديد من المخالفات، وقام فريق التفتيش بإتلاف أطعمة فاسدة، ثم أغلق المطعم بعد التحفظ على عينات من الطعام وإحالته للمختبر لإجراء التحاليل اللازمة.
وتتابع جهات أمنية ورقابية، من بينها البحث الجنائي والطب الشرعي ومركز الرقابة على الأغذية والأدوية، التحقيق في ملابسات العثور قبل أسبوعين على سيدة وابنتها ميتتين في بيتهما وسط شكوك في وفاتهما بالتسمم.
وحسب التفاصيل التي تناقلتها وسائل إعلام محلية، فإن السيدة (50 سنة)، وابنتها (25 سنة)، وجدتا ميتتين في بيتهما بقرية صالح في وسط طرابلس، بعدما أبلغت إدارة مدرسة خاصة كانت تعمل فيها الأم مركز الشرطة عن اختفائها، ما دفع رجال الشرطة للذهاب إلى منزلها وكسر الباب للدخول.
وحسب شهادة محمد الزيداني، وهو من قرية صالح، لـ"العربي الجديد"، فقد وجدت الأم في فراشها وكانت ابنتها ملقاة في وضع متشنج داخل صالة المنزل ومعها هاتفها، في إشارة لاحتمال محاولتها طلب النجدة قبل وفاتها، فيما عثرت الشرطة داخل المنزل على أكياس طعام تعود إلى أحد مطاعم المنطقة. وتوجه مفتشو مركز الرقابة على الأغذية والأدوية برفقة الحرس البلدي وجهاز الردع إلى المطعم للتحري عن الواقعة.
وفي حين رفضت الشرطة الإدلاء بأي تصريحات حول الواقعة قبل استكمال التحقيقات، أفادت إحدى زميلات الأم في المدرسة بأنها كانت قد طلبت مع ابنتها وجبة عشاء من مطعم بالمنطقة عبر خدمات التوصيل، مؤكدة أنها كانت تشتكي دائماً من آلام في المعدة، وتعاني ابنتها من آثار نظام غذائي كانت تتبعه، وتسبب لها في ضعف عام، موضحة لـ"العربي الجديد"، أنه "كان زوجها وولداها في مزرعتهم البعيدة بسهل وادي الحي، وما زلنا مصدومين مما حدث، والمدرسة قررت بعد الحادثة الإقفال ثلاثة أيام حدادا على زميلتنا التي كانت تعمل أخصائية اجتماعية، وكانت قريبة من الجميع".
وأفاد مركز الرقابة على الأغذية والأدوية عبر موقع "فيسبوك" بأنه تلقى بلاغاً حول الاشتباه بوفاة أم وابنتها بعد تناول وجبة عشاء من مطعم، وأن فرقه قامت بالتفتيش الفوري للمطعم وسحب عينات من الأطعمة وأحالت الملف إلى النيابة العامة.
وفي مقطع فيديو نشره المركز، كشف أحد المفتشين عن وجود شكوك في أحد مكونات الطعام المصنوعة من الجبن بسبب رائحة تنبعث منها، وأفاد صاحب المطعم بأن هذا المكون يحضر في المطعم، الأمر الذي زاد شكوك المفتشين في احتمال تسببه في التسمم.
ولم يعلن المركز الرقابي أو الشرطة تلقيهم بلاغات عن حالات تسمم أخرى بسبب طعام المطعم ذاته، وأكد المفتشون أن حالة النظافة العامة ووسائل التخزين داخله جيدة، لكنهم قاموا بإغلاقه بناء على توجيهات النيابة.
وتسفر جولات مفتشي مركز الرقابة على الأغذية والحرس البلدي والإصحاح البيئي على المحال والمطاعم في العادة عن مخالفات تشمل سوء النظافة العامة، وانتهاء صلاحية بعض الأطعمة، وخلط اللحوم الحمراء بالبيضاء، وسوء التخزين، وعدم مطابقة المعدات للاشتراطات الصحية، وغياب الشهادات الصحية للعاملين، وغياب مستلزمات الأمن والسلامة ومكافحة الآفات، وتجهيز الأطعمة في أماكن غير مطابقة للمواصفات، فضلاً عن مخالفات محال المواد الغذائية، والمخابز، ومحال اللحوم والألبان ومشتقاتها، ويتم في العادة اتخاذ إجراءات قانونية بحق المخالفين.
وتعليقاً على تزايد معدلات التسمم الغذائي خلال العام الحالي، يؤكد أستاذ علوم الأغذية صالح عكاشة تغير عادات الليبيين الذين كانت علاقتهم بالمطاعم محدودة، ولا تتجاوز ارتيادها لتناول الشطائر الخفيفة، وقلة منها كانت تقدم الوجبات نظراً لقلة الطلب. ويضيف، متحدثاً لـ"العربي الجديد": "مع تبدل الأوضاع الاقتصادية واضطرار أرباب الأسر للعمل دوامين يومياً من أجل الإيفاء بالأعباء الأسرية، بات كثيرون يتناولون الطعام في المطاعم، كما أن عمل الزوجات اضطرهن لترك الطبخ وشراء الأكل الجاهز، كما حال دون إعداد وجبات للأبناء، ما يضطر كثير من التلاميذ للتعامل مع المقاصف التي لا تطابق المعايير الصحية".
ويرى الأكاديمي الليبي أن "شركات خدمات التوصيل انتشرت أخيراً، وسهلت وصول الوجبات إلى المنازل، ما رفع الطلب على المطاعم. كل هذا أمر طبيعي، لكن الخطر يتمثل في الانتشار الكبير للمطاعم من دون رقابة حقيقية دائمة، أو فرض عقوبات صارمة على المخالفين، ما أتاح لأصحابها بيع أطعمة فاسدة أو استخدام مواد منتهية الصلاحية، كما أن الفساد المستشري في المؤسسات الليبية يساعد على تهرب المخالفين من العقوبات بعد دفع رشاوى، سواء كانوا موردين أو تجار أو مقدمي خدمات، فضلا عن سوء الخدمات الصحية في المستشفيات العامة وغلاء المصحات الخاصة. الخطر أصبح يستهدف المواطن في بيته، فالمواد الغذائية لا غنى عنها".