في خلال الأزمة الليبية الممتدة، انخرط شبان كثر في مجاميع مسلحة تسيطر على الأرض. اليوم، مع تبدّل المعطيات وتشكّل حكومة جديدة في البلاد، يُطرح السؤال حول مصير هؤلاء.
ما زالت الكليات العسكرية والهيئات المرتبطة بالمجموعات المسلحة في ليبيا تخرّج دفعات من الشبان الليبيين الذين لم يجدوا لأنفسهم فرصاً سوى الانخراط في العمل العسكري، في حين تمضي السلطات في تأكيد عزمها على تفكيك المجاميع المسلحة وإعادة دمج مسلحيها في الحياة المدنية. وفي الخامس من شهر يونيو/ حزيران الجاري، خرّجت الكلية العسكرية في مصراتة، الواقعة شمال غربي البلاد، الدفعة 51 من قوات "بركان الغضب". وفي نهاية شهر مايو/ أيار الماضي، احتفلت معسكرات شرق ليبيا الموالية للواء المتقاعد خليفة حفتر بتخريج الدفعة 52 من ضمن عرض عسكري كبير يُظهر مشاركة مئات الشبان.
يقول عبد الباسط حقيق، وهو ضابط في إدارة التدريب والتأهيل في وزارة الداخلية بحكومة الوحدة الوطنية الليبية، لـ"العربي الجديد"، إنّ "هؤلاء الشبان يواجهون المجهول، إذ لا تقوم حتى الآن منظومة حكومية تؤكّد انتسابهم بشكل رسمي إلى الدولة وتثبت أنّهم موظفون في إطار قواتها العسكرية النظامية". يضيف حقيق أنّ "مئات من الشبان المسلحين يتلقّون منحاً مالية من قبل إدارات مجاميعهم المسلحة من دون أن يكونوا مزوّدين بأرقام عسكرية تثبت صلتهم بالمؤسسة العسكرية، لأسباب عديدة". ويشرح حقيق تلك الأسباب، قائلاً إنّ "المؤسسة العسكرية ما زالت منقسمة حتى بعد توحيد السلطة السياسية، وما زالت تتبع لإدارات غير رسمية منحازة إلى أطراف الصراع المسلّح في البلاد"، مشيراً إلى أنّ "تورّط الشبان المسلحين في الحروب السابقة وما تخللتها من تجاوزات تتعلق بالجانب الجنائي يمثّل العقبة الكبرى أمام دمجهم في المؤسسات الأمنية والعسكرية الرسمية".
يُذكر أنّ الحكومة المؤقتة التي تولّت الحكم في عام 2012 عقب سقوط النظام السابق، لم تفلح في تنفيذ برامجها الخاصة بدمج المقاتلين في مؤسسات الدولة المدنية بسبب تزايد مستويات العنف وانتشار السلاح الذي أدّى إلى عسكرة الدولة وتحكّم أمراء الحرب في مفاصل البلاد. ويقول عبد المنعم صويد، وهو المسؤول السابق في هيئة شؤون المحاربين، إنّ "هيئة شؤون المحاربين التي أسستها الحكومة المؤقتة أطلقت حينها برامج عدّة بهدف إعادة دمج المسلحين في المجتمع". ومن تلك البرامج برنامج "إيفاد"، القاضي بإرسال 150 ألف شاب لمتابعة الدراسة في الخارج، وبرنامج "طموح"، الهادف إلى توفير فرص عمل من خلال دعمه مشروعات صغرى ومتوسطة للمقاتلين، إلى جانب برامج أخرى. يضيف صويد أنّه "على الرغم من ذلك، فشلت تلك الحكومة في مساعيها بسبب الانقسامات بين المسلحين وانحياز كلّ مجموعة منها إلى طرف سياسي في ظلّ تجاذبات برزت منذ عام 2013".
لكنّ حقيق يشكّك من جهته في صحة وجود 150 ألف شاب في إطار المجاميع المسلحة، ويرى أنّ "الرقم مبالغ فيه، وهو يدخل في عمليات التزوير والفساد المستشري في البلاد. لكنّ الخطر لا يكمن في صحة الرقم أم عدم صحته، علماً أنّ أعداد المسلحين بالفعل هي بالآلاف". ولأنّ منظومة الحسابات العسكرية لا تملك إحصاءات دقيقة لأعداد المسلحين، يرجّح حقيق أنّ العدد يفوق خمسين ألفاً، مشيراً إلى أنّ "أكثر المشاركين في الحروب يكونون في الغالب من الشبان الذين يستجيبون لنداء الحرب لأسباب معيّنة، إمّا طمعاً في مزايا مالية وإمّا تعصباً لمنطقة أو قبيلة. وعند انتهاء الحرب، يرجعون إلى مهنهم ومواقعهم السابقة". ويبقى الخطر الحقيقي محدقاً بالمسلّحين الملتزمين بالمجاميع في انتظار التوظيف الرسمي.
وفي أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، أعلنت وزارة الداخلية التي كانت حينها في إطار حكومة الوفاق الوطني الليبي، عن بدء عمل لجانها المشكّلة بهدف دمج وتأهيل المجموعات المسلحة والمقاتلين، موضحة أنّ آلياتها تعتمد على تقسيم المجموعات إلى ثلاث، فيُصار إلى إعادة تدريب مجموعتَين فيما يُسرَّح عناصر المجموعة الثالثة "ولو بالقوة"، إنّما مع توفير فرص عمل مدنية لهم. لكنّ الناشط المدني الليبي عماد الدين زكري، يلفت في حديث لـ"العربي الجديد"، إلى أن "أشهراً مضت على ذلك الإعلان من دون تنفيذ، الأمر الذي يؤكد صعوبة حلحلة هذه الأزمة".
ويرى زكري أنّ "تنفيذ مثل هذه الخطط يحتاج إلى استقرار في البلاد لإتاحة فرص عمل في مشاريع صغرى تنموية في إمكانها أن توفّر لآلاف الشبان بديلاً من السلاح، بالإضافة إلى البحث عن وظائف حكومية". ويحذّر زكري من "تفاقم أزمة البطالة إذا لم تسارع السلطات إلى حلّ أزمة التوظيف واستيعاب الشبان المنخرطين في المجاميع المسلحة"، موضحاً أنّ "هدوء الجبهات وتوقّف الحرب يعني عجز أمراء تلك المجاميع عن دفع رواتب المسلحين إذا تخلّت عنهم الأطراف الرسمية الداعمة لهم". يضيف زكري أنّه "في السابق، كانت حكومتان توفّران التمويل لطرفَي الصراع، واليوم لم يعد لهما وجود. بالتالي فإنّ توقف الحرب يعني في هذا السياق، وجود شريحة كبيرة من الشبان خارج الاهتمام الرسمي، وهي سوف تعاني من مضاعفات البطالة". ويلفت زكري إلى أنّ "أعداد دفعات الشبان التي احتفلت الأطراف بتخريجها، آخرها في الأسابيع الماضية، يعني أنّ المنخرطين في المجاميع المسلحة كثر"، مؤكداً أنّ "السؤال الأكبر يُطرح عن مصير هؤلاء. فإذا لم يجدوا من يستوعبهم، من الممكن جداً أن تزيد معدلات الجريمة والسطو، خصوصاً أنّهم مدرّبون على السلاح".