رغم هدوء الجبهات في ليبيا وجمود ساحات القتال، وبدء البلاد مرحلة سياسية يجري فيها توحيد الحكومة الطامحة لإنعاش أوضاع البلاد، إلاّ أنّ أزمة النازحين تستمرّ في البلاد من دون حلّ
تستمرّ معاناة النازحين في ليبيا رغم هدوء الجبهات وجمود ساحات القتال، وبدء البلاد مرحلة سياسية يجري فيها توحيد الحكومة الطامحة إلى إنعاش أوضاع البلاد، لكن أياً من برامج السياسيين الحكومية لم يتحدث عن ملفّ النازحين.
ويعلّق أحمد كشلة، على التغاضي الرسمي حيال معاناتهم بالقول إنّ "للنازحين فصل شتاء آخر لا يعرفه المسؤولون ولا المتصارعون على الحكم، رغم أنّ بنادقهم هي من هجّرتنا من بيوتنا".
ورغم هدوء الأوضاع في تراغن (جنوب غرب)، التي هُجّر منها كشلة، منذ نحو السنتين، بسبب الصراعات القبلية الداعمة للمتنافسين على السلطة، إلاّ أنه لا يزال يقيم في عشوائيات مدينة سبها، جنوب البلاد، التي وجد فيها مأوى يحفظ أسرته الصغيرة من الشتات.
ويقول كشلة متحدثاً لـ "العربي الجديد"، إنّ هذا الشتاء "هو الثالث، فمنذ بدء النزوح مطلع عام 2019، عشت وأسرتي ثلاثة مواسم بين البرك وسطح المنزل المتهالك، الذي حاولت معالجته عدّة مرات حتى لا يسرّب مياه الأمطار، من دون جدوى".
ويعيش رفقة كشلة، قرابة 20 أسرة، في عشوائيات سبها. لم يتمكّن أيّ من أفرادها من الرجوع إلى بيته خوفاً من الثارات القبلية التي تحكم منطقتهم، ويؤكّد أنّهم يعيشون ظروف البرد القاسية ذاتها، وعدم توفر الحاجات الأساسية.
في مقابل التجاهل الحكومي لأوضاع النازحين، التفتت جمعية الهلال الأحمر إلى طلب المساعدة الدولية لهم، فخلال منتصف فبراير/ شباط الماضي، وزّعت اللجنة الدولية للصليب الأحمر بالتنسيق مع الهلال الأحمر، مساعدات إنسانية على النازحين في مختلف المناطق، وفق فطمة عليوة، المسؤولة في جمعية الهلال الأحمر.
وقالت عليوة، في حديث لـ "العربي الجديد"، إنّ "جهود الجمعية والصليب الأحمر تمكّنت من الوصول إلى عدد من الأسر النازحة في مناطق مختلفة. وبالإضافة للمساعدات العينية، فقد تمّ توزيع بطاقات الشراء المصرفية عليهم، لتمكينهم من شراء لوازمهم في ظلّ شحّ السيولة النقدية في البنوك".
ولفتت عليوة إلى أنّ تصريحات المسؤولين بشأن عودة أغلب النازحين إلى منازلهم، تنقصها الدقة، ولا تعكس سوى التخلّي عن المسؤولية. وأضافت: "سبب النزوح هو الحرب، فماذا سيكون حال منزل النازح عند رجوعه إليه؟ هو بكل تأكيد متضرّر ولا يصلح في الأغلب للسكن، خصوصاً وقد مررنا بشتاء قاس".
هذا ما تؤكده بسمة عمار، وهي أرملة وأم لبنتين وطفل. إذ هي اضطُرت للسكن في منزلها المتضرّر، بشكل كبير، في جنوب طرابلس، خلال هذا الفصل. وتشرح قائلةً: "بعد وفاة زوجي، يقيم أخي معي، واضطُررت إلى مساعدته لسدّ النوافذ المدمّرة والشقوق بالبلاستيك، للتقليل من حدّة البرد"، وتضيف قائلةً لـ"العربي الجديد"، إنّه "في وقت المطر نلجأ كلنا لإحدى غرف المنزل، لأنها الوحيدة التي ليس فيها تشقّق يمكن أن يسرّب المياه. لا فرق بين رجوعي لمنزلي وبين عيشي وأسرتي في المخيمات أثناء النزوح". وكما تفتقد بسمة للضروريات في المنزل، هي تفتقد أيضاً للتدفئة، فـ "الكهرباء تكاد تكون معدومة" في بعض أحياء جنوب طرابلس.
مؤخراً، أعلنت حركة الكشافة الليبية توزيع مساعدات على أكثر من 1300 نازح ليبي، من شرق ليبيا، مقيمين بمدينة مصراته، غرب البلاد. وأشارت الحركة إلى أنّ المساعدات كانت متعلّقة بحاجيات فصل الشتاء، جرى توزيعها بالتنسيق مع مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين. وبحسب بيان الحركة، فإنّ المواد شملت ملابس موسمية ومصابيح شمسية وسخّانات وبطانيات ومجموعات النظافة وحفاضات الأطفال.
في المقابل، لم تمنع الظروف الأمنية ولا دمار المنازل، حامد الشريدي، من العودة إلى منزله في مدينة تاورغاء، شرق مصراته، بعد أعوام من التهجير القسري.
وما منع الشريدي، من العودة، طيلة السنوات الماضية، لم يكن كونه مطلوباً في قضية سياسية أو غيرها، بل بسبب "منزلي المدمر تماماً وخلوّ المدينة من أيّ ساكن بعد تهجيرنا"، بحسب قوله.
عبثاً انتظر الشريدي وأسرته، ومثله العشرات، وعود الحكومات بشأن إعادة إعمار المدينة ودفع تعويضات لمنازلهم المدمرة، وقال: "كنت في مخيم بمنطقة الفلاح بطرابلس رفقة عشرات الأسر من منطقتي، وإضافة إلى الحرائق قاموا بالتنكيل بنا عشرات المرات، فلم أعد أقوى على البقاء هناك". وتابع: "خيّرت نفسي بين البقاء في المخيم والرجوع لبقايا منزلي، فقررت العودة، خصوصاً بعد عودة العديد من الأسر المضطرة مثلي". ويعلّل قائلاً "أعاني من مضاعفات المناخ القاسي شتاءً وصيفاً، كتيبّس مفاصلي. على الأقل هكذا أحمي أولادي مما أصابني".
واعتبر الشريدي أنّ قرب انتهاء فصل الشتاء، وتراجع حدّة البرد والمطر، فرصة للعودة والسكن في منزله الذي لم يبقَ منه تقريبا شيء، فيما يقوم ببناء ملحقات للمنزل كالمطبخ ودورات المياه بمساعدة متبرّعين.
وقبل سنة ونصف، رعت حكومة الوفاق اتفاقاً بين مسلّحي مدينة مصراته وأهل تاورغاء، لرجوعهم إلى منطقتهم، بعد سنوات من التهجير بسبب مواقفهم الموالية للنظام السابق، لكن أقل من عشرة آلاف مواطن من أصل أربعين ألفاً في تاورغاء، عادوا، بينما الباقون قيد النزوح، بسبب الدمار الكلي الذي عاشته المدينة.
وفي العشرين من فبراير/ شباط الماضي، أكّدت المنظمة الدولية للهجرة، وجود أكثر من 278 ألف نازح داخلياً في ليبيا، رغم وقف إطلاق النار.
وأوضحت المنظمة، في بيان لها، أنه بحلول الأول من ديسمبر/كانون الأول الماضي، عاد أكثر من سبعة وثلاثين ألفاً من النازحين داخلياً إلى مناطقهم الأصلية، لافتةً إلى أنّ التحديات الكبيرة المتعلّقة بمحدودية فرص الحصول على الخدمات الأساسية لا تزال مشكلة بالنسبة إلى معظمهم. وشدّدت المنظمة على أنّ الاحتياجات ذات الأولوية للنازحين داخلياً في ليبيا، هي الإيواء والغذاء والخدمات الصحية.