شهدت مدينة بنغازي في ليبيا، الأسبوع الماضي، تنظيم مهتمين بالشؤون الاجتماعية نشاطاً استهدف المتخصصات في العلوم الاجتماعية في المدارس لتوعيتهن من مخاطر الإنترنت واحتواء مخاطره.
ولقيت المبادرة، التي رعتها وزارة المواصلات والمعلوماتية، إقبالاً من المتخصصات الاجتماعيات وعدد من الأهالي المستائين من الآثار السلبية للإنترنت على أسرهم، خصوصاً على صعيد تكريس التباعد بين أفرادها، وانشغال أطفالهم بالألعاب الإلكترونية، وإمضائهم ساعات طويلة أمام شاشات الهواتف الخلوية أو الكومبيوترات.
تقول المتخصصة الاجتماعية وهيبة مولاهم، لـ"العربي الجديد"، إن "الحضور الكثيف عكس تزايد الاهتمام بالمبادرة التي تتصدى لواقع أليم يعاني منه الجميع".
وفضل القائمون على المبادرة استهداف المتخصصات في العلوم الاجتماعية في المدارس بسبب قربهن من التلاميذ في مختلف مراحل الدراسة، لا سيما الفتيات اللواتي تشدد وهيبة على أنهن "قد يقعن في براثن الابتزاز الإلكتروني، ولا يستطعن البوح لأسرهن بما يحصل خوفاً من مواجهة العقاب".
تصويب أساليب الاستخدام
وترى مولاهم أن "ليبيين كثراً يرغبون في تجاوز عقبات مخاطر الإنترنت، لكنهم يحتاجون إلى من يوجههم ويزودهم بالمعرفة اللازمة، ما يجعل أنشطة التوعية والحماية مهمة جداً لتعزيز المعلومات لدى الناس". تضيف: "يدل الحرص على متابعة فعاليات النشاط على اهتمام جماعي بمشكلة لا تلقَ أي اهتمام رسمي من الدولة والجهات المسؤولة".
من جهته، يشير الأستاذ الجامعي في علم اجتماع السكان، مخروم الزروق، إلى أهمية الجهود التي تبذلها الفضاءات الجامعية لتصويب أساليب استخدام الإنترنت داخل الأسر. ويقول لـ"العربي الجديد": "تتمثل المشكلة في أن الجهود الجامعية والأكاديمية تستند إلى العلم، وتستخدم مصطلاحات لا يمكن شرح مضمونها لعامة الناس بسهولة تمهيداً لتحويلها إلى ثقافة شاملة، لذا من المهم إطلاق مبادرات أهلية ومساع حكومية لتبسيط المعلومات، وتقريبها من أذهان الناس".
ويشيد الزروق بأهمية الإنترنت وشبكات التواصل الاجتماعي في تقريب المسافات وتوفير المعرفة في مجتمعات اليوم، لكنه يستدرك بأن "غياب الدراسات الخاصة بحجم استخدام الإنترنت والاتجاهات السائدة في تعامل المجتمع معه يشكل عامل خطر آخر، فمن المهم توفير دراسات تسمح بفهم حجم الخطر، وتخلق أرضية لتوفير علاجات مناسبة، وإطلاق مبادرات تستند إليها". ويشير إلى أن هذه الدراسات يمكن أن تواكبها إحصاءات تكشف حقيقة الأضرار، وبينها مثلاً تلك المرتبطة بالألعاب الإلكترونية التي تشكل مصدر لهو رئيسي للأطفال، والأمراض التي قد تكون نتجت عنها".
المطالبة ببدائل
وتؤكد أم سمية، التي تسكن في العاصمة طرابلس، أنها لاحظت تصرفات مريبة لدى أحد أطفالها، مثل ميله للعزلة والانفراد عن الآخرين لدى لهوه بالألعاب الإلكترونية. وتبدي رغبتها في أن يكثف المهتمون المدنيون والمتخصصون نشاطات التوعية من المخاطر، ومناقشة البدائل المتوفرة. وتقول لـ"العربي الجديد": "فكرت كثيراً في بدائل لأطفالي، لكن الإنترنت أصبح كل شيء، وترتبط به الدروس التي يحتاج الأطفال لها لتعويض التقصير الكبير الذي تعرفه المدارس. وأنا لم أستطع قطع الإنترنت نهائياً عن أطفالي".
ويلفت الناشط المدني خميس الرابطي إلى أهمية الأنشطة والمبادرات الأهلية في التنبيه لمخاطر الإنترنت، خصوصاً على صعيد التعرض لجرائم إلكترونية، ويقول لـ"العربي الجديد": "لا تتنبه أسر كثيرة للمخاطر المحدقة إلا لدى الوقوع في المحظور، وقد طاول الابتزاز الإلكتروني الأطفال والفتيات وربما النساء". يتابع: "لا يعرف المبتدئون في استخدام الإنترنت كيفية حماية خصوصياتهم، وقد تتسرب صورهم الخاصة، ما يعرضهم لتهديدات وابتزازات بنشرها، خصوصاً إذا تعلق الأمر بسيدة أو فتاة في مجتمعنا المحافظ جداً".
ويطالب الرابطي بضرورة أن تمارس الجهات الأهلية، التي باشرت الاهتمام بإطلاق مبادرات التوعية، دورها في الضغط على السلطات من أجل إصدار قانون الجرائم الإلكترونية الذي يلاحق المستغلين ويحمي مستخدمي الإنترنت، "فالحقيقة أنه تمكن الإفادة من نجاح قوانين كثيرة معمول بها في دول عربية للحدّ من ظواهر سلبية عدة لاستخدام الأجهزة الإلكترونية".