ما زالت مخلفات تنظيم "داعش" الذي سيطر على مدينة سرت قبل خمسة أعوام، واتخذها عاصمة له، تهدد حياة المدنيين بالرغم من الإعلانات الحكومية والرسمية المتلاحقة التي تؤكد إطلاق مشاريع لملاحقة وإزالة مخلفات التنظيم، والحرب التي أطلقتها حكومة الوفاق خلال ستة أشهر من عام 2016 لطرد التنظيم من المدينة الساحلية الواقعة بين طرابلس غرباً، وبنغازي شرقاً.
يستمر فريق مشروع إزالة المخلفات الحربية التابع للمجلس البلدي للمدينة، في تلقي بلاغات عن العثور على مخلفات حربية في مزارع المدينة، بحسب الشارف إبراهيم، العضو في المشروع. وفي يونيو/ حزيران الماضي، تناقلت وسائل إعلام ليبية نبأ إصابة خمسة أطفال من جراء انفجار مخلفات الحرب بمنطقة الزعفران، فيما تركز سلطات المدينة جهودها على إغلاق أحياء بالمدينة، أهمها حي الجيزة، أمام السكان والمارة. يبرر إبراهيم في حديثه إلى "العربي الجديد" ذلك، بأنّ اتساع رقعة المدينة وضواحيها، وسط استمرار سيطرة التنظيم لمدة عام عليها وإصرار الأهالي على الرجوع إلى مساكنهم بعد تحرير المدينة، نهاية عام 2016، حدّ من قدرة فرق إزالة الألغام على الحركة ومتابعة تحديد المناطق الخطرة.
وفي مساحات شاسعة في الزعفران والطويلة وأبو هادي وغيرها ما زالت المخلفات الحربية تهدد سكانها. ويقول إسماعيل الخطري، وهو أحد السكان، إنّه لا يستفيد من حقله الزراعي منذ أربعة أعوام، بالرغم من أنّه فلاح، موضحاً أن الخوف من وجود أيّ مخلفات حربية حدّ من قدرته على زراعة أرضه. يتابع الخطري لـ"العربي الجديد": "ماتت أصناف من أشجار الحقل فيما أثمرت أخرى أكثر من موسم من دون أن أتمكن من قطافها والاستفادة منها"، مشيراً إلى أنّ زيارة فرق مشروع إزالة مخلفات الحرب لم تكن كافية للتأكد من خلو المنطقة من الألغام والمفخخات.
يتفهم المجلس البلدي للمدينة خطورة الأوضاع، وهو ما دفعه لعقد شراكة مع منظمات بريطانية ودنماركية لدعم جهوده في إزالة مخلفات الحرب، لكنّه توقف عن العمل بعد سيطرة مليشيات اللواء المتقاعد خليفة حفتر على المدينة في يناير/ كانون الثاني الماضي، قبل أن تعلن منظمة "هالو ترست" استئناف أعمالها في المدينة في مارس/ آذار الماضي بالشراكة مع المجلس البلدي.
ويعتبر حيّا "الجيزة البحرية" و"600 وحدة سكنية" ومحيطهما من أكثر أحياء المدينة تضرراً، بسبب تحصّن التنظيم داخلهما طوال أشهر خلال حرب حكومة الوفاق ضده، ما اضطر سلطات المدينة لإغلاق أجزاء واسعة منهما بسبب الدمار والركام الذي يستوجب جهوداً مكثفة لنقله، كما البحث فيه عن مخلفات حرب غير متفجرة قد تهدد حياة الناس، بحسب إبراهيم. يؤكد لـ"العربي الجديد" أنّ من مظاهر ضعف الإمكانات أنّ البلدية لا تمتلك بيانات واضحة عن ضحايا مخلفات الحرب.
ونجحت لجان المركز الليبي للأعمال المتعلقة بالألغام ومخلفات الحروب التابعة لوزارة الدفاع، والتي كانت تعمل تحت سلطة حكومة الوفاق، في إتلاف أربعة أطنان من مخلفات الحرب في مارس/ آذار 2019، جمع معظمها من ضواحي المدينة. وبالرغم من انسحاب هذه اللجان عقب سيطرة مليشيات حفتر على المدينة، فإنّ صف الهندسة العسكرية التابع لمليشيات حفتر أعلن، منتصف الأسبوع الماضي، عن تفكيك لغم عثر عليه في إحدى مزارع منطقة أبو هادي. لكنّ الخطري يقول إنّ تلك الأعمال مرتبطة بالبلاغات التي تصل من السكان.
مخلفات الحرب الخطيرة كبقايا قذائف الطائرات الدولية التي ساعدت قوات الوفاق، تتركز في أحياء شمال المدينة المقفل أغلبها
ويقول إبراهيم، من جانبه، إنّ مخلفات الحرب الخطيرة كبقايا قذائف الطائرات الدولية التي ساعدت قوات الوفاق، تتركز في أحياء شمال المدينة المقفل أغلبها، لكنّ الضواحي التي تتركز فيها المزارع تنتشر فيها أنواع أخرى من المقذوفات وقنابل الدبابات والقنابل محلية الصنع. ويضيف: "عادة ما تكون الفرق مدربة على حقول الألغام التي تتركها الحرب المنظمة في شكل خطوط أو مزارع ألغام، لكنّ المشكلة هنا تتمثل في عشوائية المخلفات وتفرق أماكنها، فهذه الأحياء إما كانت مخازن ذخيرة لداعش أو أنّها مخلفات لخطوط الحرب التي تراجعت عنها سريعاً الى وسط المدينة ما يصعّب التعامل معها".
ويعبّر الخطري عن خوفه من عودة الحرب ومخلفاتها، فالمدينة تعتبر خط تماس القوات المتصارعة في البلاد حالياً، كما يرى أنّ التوتر الذي تعيشه البلاد سيحدّ من قدرات المنظمات الدولية على مساعدة السكان في التخلص من مخلفات الحرب.
وبحسب تقديرات سابقة لسلطات المدينة، فإنّ الحرب على تنظيم "داعش" شردت 5500 أسرة من أغلب أحياء المدينة، ما زال ثلثها غير قادر على العودة إلى منازله بسبب الأضرار التي لحقت به. ويحدد إبراهيم أحياء أبو هادي والزعفران والغربيات وأبو زاهية وغربيات السدّ بأنّها مناطق ما زالت مخلفات الحرب تهدد سكانها بالرغم من أنّهم عادوا إلى مساكنهم، مؤكداً أنّ أغلبهم لا يستفيد من عمله في الفلاحة بسبب عدم مسح هذه المناطق بشكل مهني لغياب الإمكانيات لدى سلطات المدينة.
وما زالت المدينة تعاني من توتر أمني كبير بسبب سيطرة مليشيات حفتر واتخاذها لها نقطة دفاع أولى ضد تقدم قوات الوفاق، منذ يونيو/ حزيران الماضي، فيما يعاني السكان من تفاقم أزمة الكهرباء وغياب السيولة النقدية وخدمات أخرى تتصل بمعيشتهم اليومية.