مع اتساع انتشار كورونا في ليبيا، يجد المسنّون أنفسهم في مواجهة خطر العدوى ومعها المضاعفات النفسية الخطيرة، من دون أن يلقوا دعماً رسمياً وأهلياً
يقول الطبيب معاذ جمال، من مركز عزل مرضى فيروس كورونا الجديد، في معيتيقة بالعاصمة الليبية طرابلس، إنّ الاهتمام بشريحة المسنّين ما زال غائباً عن الجهود الرسمية، في ظلّ الضخّ الإعلامي المكثف حول ضعف فرص كبار السنّ في مواجهة المرض.
يشير جمال لـ"العربي الجديد" إلى اطلاعه على حالة امرأة (71 سنة) توفيت قبل ظهور نتيجة تحليلها من جراء الهلع الذي كانت تعانيه عندما أصيبت بزكام، موضحاً أنّ "أسرتها ومحيطها تباعدوا عنها بشكل فيه جفاء لمجرد تعرضها لزكام ولم تجد المسنة سوى ابنتها التي لم تفلح في تبديد مخاوفها". يضيف: "نجحت ابنتها في إقناعها بضرورة إجراء تحليل مخبري، لكنّها توفيت قبل ساعات من ظهور نتيجة التحليل التي كانت سالبة، ولم تكن أعراض مرضها على علاقة بكورونا".
من جهتها، تذكر لمياء النعيري، أستاذة الصحة النفسية في جامعة طرابلس، أنّ التقارير الإعلامية التي تتحدث عن ضعف حظوظ كبار السن مع المرض، صاحبته منذ أولى أيام انتشاره في العالم، حتى صار من الصعب انتزاع تلك القناعات بالرغم من تقارير معاكسة. وتقترح النعيري عبر "العربي الجديد" تكثيف برامج التوعية من جانب الأطباء عبر وسائل الإعلام المتاحة لكبار السنّ، لإرسال طمأنات من شأنها رفع معنوياتهم، متهمة الجهات الرسمية في البلاد بالتقصير الكبير في التعامل مع هذه الشريحة، معتبرة أنّ بث الوعي في نفس المسنين للحدّ من آثار المرض النفسية عليهم، شكل من أشكال مكافحة انتشار كورونا.
في مركز التطعيم بمنطقة فشلوم وسط طرابلس، يقف الحاج يوسف العياشي في طابور طويل للمسنين للحصول على جرعة لقاح الإنفلونزا الموسمية. يقول العياشي لـ"العربي الجديد" إنّه يرغب في حماية نفسه من عدوى الإنفلونزا، موضحاً أنّ "الشائع بين الناس، أنّ كبار السن مثلي، أكثر عرضة لكورونا إذا أصيبوا بالإنفلونزا، فالأخير مقدمة للمرض". وفيما يؤكد العياشي أنّه سيشتري لقاح الإنفلونزا بماله الخاص إذا لم يتوافر في المركز، خوفاً من إصابته بالإنفلونزا، يقول: "لا أثق بالمختبرات هنا، فربما أصبت بالإنفلونزا، فأصنَّف من مرضى كورونا".
لا يتوافر تحديد رسمي لأعمار المتوفين والمصابين بفيروس كورونا الجديد، في منظومة الإحصاء الرسمية لدى اللجنة العليا لمكافحة جائحة كورونا الحكومية، بحسب رضوان صالح، المسؤول في اللجنة التابعة لحكومة الوفاق في طرابلس، لكنّه يؤكد أنّ المركز الوطني لمكافحة الأمراض وزع في مناسبات سابقة الدليل الإرشادي للصحة النفسية والاجتماعية لمرضى فيروس كورونا الجديد. وبينما يقرّ صالح في حديثه إلى "العربي الجديد" بتقصير الجهات الرسمية بالعناية بفئة المسنين والجانب النفسي الذي يمكن أن يضاعف خطر المرض عليهم، فإنّه يؤكد أنّ الدليل يتضمن نصائح تخص فئة كبار السنّ، ولا سيما أولئك الذين يعانون من أمراض مزمنة أو تراجع في القدرات الإدراكية.
أما جمال، فيشير من جانبه، إلى رصده شخصياً مصابين بالفيروس من بين كبار السن، داخل مركز العزل في معيتيقة، يعانون من قلق وغضب في بعض الأحيان، بالإضافة إلى الإجهاد والرغبة في الانفراد، ويقول: "محاولات الدعم النفسي يجب أن تكون من فريق متخصص، لكنّنا نقوم بذلك بشكل طوعاً، خصوصاً لمن يصاب بانهيار أو إغماء في اللحظات الأولى التي يدرك فيها أنّه مصاب بالمرض". وتقترح النعيري أيضاً ألّا يعزل المرضى من كبار السن، بل يسمح بزيارتهم من خلال حواجز زجاجية أو من مسافات آمنة، مؤكدة أنّهم في حاجة إلى الزيارات العائلية لإبعادهم عن دوامة الاكتئاب والملل والقلق. لكنّ جمال يؤكد أنّ بعض كبار السن يقطع أقاربهم التواصل عنهم، حتى من طريق الهاتف، كذلك إنّ غرف العزل لا تتوافر على أيٍّ من الوسائل، كالتلفزيونات أو الإذاعات، ولا تشجيع على القراءة مثلاً هناك.
وبالرغم من خشيته من الإصابة بالفيروس وإدراكه أنّ مشاكله الصحية يمكن أن تؤدي إلى معركة صعبة إذا أُصيب، يؤكد العياشي أنّه يتابع النشرات التي تتحدث عن أرقام ضحايا الفيروس والمخاطر التي تواجه كبار السن من دون توقف، ويعلّق: "أنا مؤمن بأنّه لن يصيبني إلّا ما قدّره الله لي، لكن لي أصدقاء يعانون من خوف يصل إلى حدّ الهلع، وهو أكبر من هلع أيّ مريض فعلي بالفيروس".
تقول النعيري، من جانبها، إنّ أسباب الآثار النفسية على كبار السن عديدة، فالعزلة التي يشعرون بها لا علاقة لها بالخوف من الإصابة بالمرض، بل لخوفهم من ابتعاد الناس عنهم، ولخوفهم من عدم توافر العناية الصحية اللازمة لهم: "هم يشعرون بأنّهم باتوا عبئاً على المجتمع وأُسَرهم".