طرح تشكيل المجلس الرئاسي في ليبيا لجنة مشتركة تضم ممثلين للأطراف السياسية الفاعلة داخلياً، وتحديده هدفها بـ "ضمان التوزيع العادل لأموال النفط وعائداته"، جدالاً واسعاً بين المواطنين وشرائح مجتمعية مختلفة.
وجاء قرار المجلس الرئاسي الذي طالب اللجنة بـ"تحديد أوجه الإنفاق العام، وإعداد ترتيبات مالية"، بعد تهديد قادة في شرق ليبيا بوقف تدفق النفط من أجل منع الحكومة في طرابلس من الإفادة من عائداته، واتهام هذه الحكومة بـ "العبث بأموال النفط، وتسخيرها لمصلحة الدعاية السياسية". وبلغ الأمر حدّ مطالبة اللواء المتقاعد خليفة حفتر مليشياته بالاستعداد لتنفيذ مهمات، في إشارة إلى إمكان إغلاقه مواقع نفطية باستخدام قوة السلاح.
ولقي قرار المجلس الرئاسي إشادة دولية، لكن المواطن مصطفى المهدي الذي يُقيم في أوباري (جنوب)، يصفه بأنه "قرار لتشريع تقاسم المال بين القادة المتصارعين، ويسأل في حديثه لـ"العربي الجديد": "متى استفاد المواطنون من قرارات الحكام والقادة؟ ينبع النفط من تحت أرجلنا منذ عشرات السنين، فيما تستمر أحوالنا في التدهور".
ويعتبر المهدي أن "القرار يشبه قرارات أخرى مماثلة واكبت العقود الماضية، وتدل على أن علاقة الحكام بالمال لا تتغير رغم تغيّر الأنظمة، ففي سنوات النظام السابق كان الشعار أن الثروة في يد الشعب، ثم تلقى الليبيون وعوداً بتوزيعها ومنحهم نصيباً منها عبر حسابات خاصة قبل أن تسقط ثورة عام 2011 هذا النظام، وترفع شعارات أن أموال النفط من حق الشعب لتحقيق أهداف عيشه في رفاه اقتصادي وتأمين للعيش الكريم له، لكن أي شيء من ذلك لم يحدث. وواضح أن تردي البنى التحتية في ليبيا، وغياب الخدمات وانهيار التعليم تشكل أدلة واضحة على ذهاب ثروات النفط إلى جيوب الحكام".
في المقابل، ترى الناشطة في مجال حقوق المرأة، إكرام الزنتاني، في حديثها لـ"العربي الجديد" أن "قرار المجلس الرئاسي خطوة في الاتجاه الصحيح، علماً أن النفط ملف لا يمكن أن تتعامل معه الأطراف المحلية وحدها، لأنه مهم بالنسبة إلى المجتمع الدولي الذي يدفعها في اتجاه صياغة تشريعات حازمة توضح كيفية توزيع الأموال في شكل عادل على المناطق، ما سينعكس إيجاباً على المواطنين الذين سيستفيدون من تفعيل برامج التنمية".
وتشدد على أن "الخطوة ستحقق نسباً كبيرة من العدالة الاجتماعية في المناطق، وتمنع تركز مشاريع النمو والانتعاش الاقتصادي في بعضها دون أخرى".
لكن الطالب الجامعي هشام المقريف، يرى أن القرار قد يؤدي الى نتائج عكسية، ويسأل في حديثه لـ"العربي الجديد": "ماذا يضمن عدم استخدام تقسيم الثروات ذريعة لعودة المطالب الفيدرالية ذات الآثار الاجتماعية السيئة، إذ لا يُستبعد أن يتمسك كل طرف بأن تخدم التشريعات مصالحه. وحتى لو اتُّفِق على توزيع الأموال، ستطالب كل منطقة بمنحها صلاحيات خاصة بها لإنفاق الأموال. والأمر مخيف لأنه يكرّس الانقسامات والفيدراليات التي تفكك النسيج الاجتماعي الواحد في البلاد".
ويحذر المقريف أيضاً من مخاطر عدم وعي شرائح واسعة من المجتمع مسؤولياتها، ويقول: "شكلت المكونات القبلية سابقاً أذرعاً لتنفيذ رغبات القادة السياسيين، وبينها إغلاق زعماء القبائل مواقع النفط، ما سبّب خسائر اقتصادية كبيرة".
ويلفت محفوظ سلام، وهو معلم متقاعد، في حديثه لـ"العربي الجديد"، إلى أن النص الذي يحدد مهمات اللجنة وأهدافها لا يشير إلى علاقتها بوضع المواطنين، ويقول: "سبق أن أقفلوا النفط وفتحوه مرات، لكن الأوضاع المعيشية للمواطنين لم تتغير، فالأسعار ظلت على حالها بالتزامن مع تدني الرواتب، واستمرار الخيارات الضيّقة للأعمال، لذا لا يهمني فعلياً إلا أن يحقق تقاسم الأموال الهدوء ويمنع العودة إلى الاقتتال، وبالتالي إلى حالات النزوح والرعب".
يُضيف: "توصل القادة والمتصارعون على الأموال عبر التاريخ إلى اتفاقات مماثلة، وتقاسموا الأموال والغنائم بعد سلسلة حروب، والمواطنون دفعوا وحدهم ضريبة ما حصل. وأنا أرى أن شعار العدالة الذي يرفعه قادة الأطراف المتصارعة غير حقيقي".
ويعلّق أيضاً بأن "طموحات المواطنين لا تتعدى الحصول على فرص لتأمين عيش كريم يضمن حقوقهم في الحصول على رعاية صحية وتعليم، وأيضاً مداخيل تسمح بتوفير نسبة معينة من الكماليات في الحياة، لكن السؤال المطروح: كيف يتحقق ذلك مع انعدام الاستقرار، خصوصاً أن الحكام الحاليين انحدروا إلى مستوى التفكير بالسيطرة على ليبيا عبر سفك الدماء وتفخيخ الأحياء السكنية، فهل يمكن أن يفكروا بالطموحات المتواضعة للمواطنين؟".