ليلة الرعب الطويلة في بيروت

28 سبتمبر 2024
غالبية اللبنانيين يشعرون بالخوف (حسين بيضون)
+ الخط -
اظهر الملخص
- ليلة مرعبة في بيروت: سكان بيروت عاشوا ليلة مرعبة بعد قصف الضاحية الجنوبية، حيث وصفت نسرين شهاب خوفها وهي تحاول حماية أطفالها وسط اهتزاز المبنى.
- الهروب من الخطر: مروان الحصري هرب مع عائلته إلى ملجأ صديق بعد سماع القصف، وقضى الليل في قلق، مستعداً للانتقال إلى قرية بعلشميه إذا تطور الوضع.
- مشاهد الرعب والتوتر: سوسن مشهراوي عبرت عن خوفها من القصف ومشاهد النازحين، مشيرة إلى قدرة إسرائيل على خلق الأكاذيب، واللبنانيون يعيشون في رعب مستمر.

عاش أهالي العاصمة اللبنانية بيروت ليلة مرعبة، بعد القصف العنيف الذي استهدف الضاحية الجنوبية، وباتوا يخشون الأسوأ.

إنّه الرعب. ما إن تسأل أهالي العاصمة اللبنانية بيروت عمّا عاشوه، ليل يوم الجمعة، حتى ترى آثار الرعب على وجوههم وفي أصواتهم. وقبل أن تطرح المزيد من الأسئلة، يجيبون: "نعم. عشنا حروباً من قبل. لكن ما يحدث اليوم مختلف". وكأنّ الصواريخ التي سقطت ليل الجمعة فوق الضاحية الجنوبية لبيروت، سقطت فوق رؤوس جميع البيروتيين. تلك اللحظة، راح الناس يضعون أيديهم فوق رؤوسهم، وكأن القليل من اللحم والعظام ستحميها من أطنان الصواريخ الإسرائيلية. إنها غريزة البقاء، ومجرد تصرّف عفوي وسط كل هذا الرعب. ويبدو أن كلمة مثل الرعب لا يمكنها التعبير عما حدث.
كانت نسرين شهاب، القاطنة في منطقة طريق الجديدة في بيروت، تنهي بعض الأعمال المنزلية وتفكر في اضطرار طفليها إلى التأقلم مع الدراسة عن بعد بدءاً من الأسبوع المقبل، حين بدأ القصف. بداية، ظنت أنه مجرد جدار صوت إلا أنه لم يتوقف. "لم أعد أشعر بقدمَيّ. صار المبنى يهتز. عادة ما أصرخ في ظرف كهذا، لكنني تجمدت. ركض زوجي نحو الشرفة. وعلقت بين أن أنادي زوجي ليعود إلى الداخل، وبين أن أهرع إلى أولادي. صرت أناجي الله، وكأنني رحت إلى مكان ما ثم عدت. سمعت ابني يصرخ حتى استوعبت أن علي أن أهرع إليه وإلى شقيقته. راح يبكي ويضع يديه على أذنيه. حضنته وشقيقته وقلت لهما ألا يخافا. كانت ليلة صعبة للغاية. لم أتمكن من النوم. لا تزال قدماي ترتجفان حتى اللحظة. عند الساعة الحادية عشر ليلاً، حاولت النوم.  لكن ذلك كان صعباً. أستيقظ وأتابع الأخبار والمجموعات على واتساب. أغمض عيني قليلاً ثم أعود إلى متابعة الأخبار. القصف ليلاً كان أخف. كنت أشعر بالمبنى يهتز لكن ليس كما ما بعد السادسة مساء. عند الساعة الثالثة فجراً، صرخ ابني جراء سماع صوت القصف، فأخبرته أنه جدار صوت في محاولة لطمأنته، ونمت إلى جانبه وشقيقته". 

تقول نسرين إنها كانت أكثر جرأة قبل انجاب أطفالها. إلا أنها لم تعد كذلك بعدما صارت أماً. وتصف الحالة التي عاشتها بـ"الهستيرية". لكن "أين نذهب؟".
هو السؤال نفسه الذي لا يزال يردده الغزيون. أين نذهب؟ لا مكان آمن في قطاع غزة. وهو السيناريو نفسه الذي يخشاه اللبنانيون الذين لا يرون فرقاً بين الاستراتيجية التي اعتمدتها إسرائيل في قطاع غزة، وبين تلك في لبنان: إفراغ بعض المناطق من الأهالي، وقصفها، ثم الانتقال إلى مكان آخر وبالتالي فرض مزيد من التضييق، حتى تنعدم الأماكن الآمنة فيه. 
يعجز الناس عن تحييد مشاهد ما رأوه في غزة. الناس في الشوارع أو في السيارات أو في مراكز الإيواء وسط رعب من الآتي.

لم يجد مكاناً يأويه (حسين بيضون)
لم يجد مكاناً يأويه (حسين بيضون)

لحظة القصف، كان مروان الحصري في محل حلاقة. كان الصوت مهولاً. لم يستغرق الأمر وقتاً ليكتشف أنها ضربة إسرائيلية قريبة من مكان وجوده، أي بيروت. هرع إلى منزله في منطقة سليم سلام في بيروت، وأخذ عائلته إلى منزل صديقه ظناً منه أنه أكثر أماناً. المبنى في بيروت لكنّ فيه ملجأ. هو يدرك أن أي ملجأ لن يحمي من الصواريخ الإسرائيلية. لكن مكاناً كهذا يشعره بالقليل من الطمأنينة. لم ينم ليلاً، حاله حال معظم اللبنانيين، بسبب أًصوات القصف والقلق. صباح السبت، عاد إلى منزله لجلب بعض الأغراض، ثم توجه مجدداً إلى منزل صديقه. ولا حيلة له غير الانتظار. أما إذا تطور الوضع، فينوي التوجه إلى قرية بعلشميه (قضاء بعبدا في محافظة جبل لبنان)، عسى أن تكون أكثر أماناً.    

مشهد الناس في الشوارع مؤلم (حسين بيضون)
مشهد الناس في الشوارع مؤلم (حسين بيضون)

بعد الغارات التي شنتها إسرائيل مساءً، حاولت سوسن مشهراوي القاطنة في طريق الجديدة، الابتعاد قليلاً عن متابعة الأخبار، عسى أنه تخفف من توترها. تقول إننا "لسنا بحاجة إلى متابعة الأخبار لأن أصوات القصف قريبة، وبالتالي ندرك أن الغارات مستمرة. كانت ليلة مرعبة. أخرج إلى الشرفة لأرى النازحين على الطرقات. أطفال ورجال ونساء. أخشى أن يصير حالنا كما حال الناس على الطرقات. فلا أحد قادر على ردع إسرائيل. مشهد الناس في الشوارع مؤلم. وما حدث لهم قد يشملنا لأن إسرائيل قادرة على خلق الأكاذيب، والادعاء بوجود صواريخ في أي مكان. الله يسلّم الجميع".

خوف ورعب وهستيريا وغيرها من مفردات اللغة العربية الغنية، تكاد تكون غير كافية لوصف مشهد ليل الجمعة الذي لا تزال آثاره مستمرة. والآتي مجهول لكنه مرعب في الوقت نفسه. المشاهد التي يرى اللبنانيون أنهم جزء منها تشبه ما عاشته ولا تزال تعيشه غزة. يدركون أنهم قد يُقتَلون في أية لحظة. الآن هم آمنون وبعد ساعة هم مستهدفون. باتوا جزءاً من سلسلة أفلام مرعبة لا نهاية قريبة لها، أو أن المخرج قد يقرر فجأة صنع حلقات جديدة. ولا مبالغة في القول إنهم يعيشون في خضم كل هذه السريالية. وهذه المرة، لبنان خارج حسابات الدول. لا تضامن ولا خطوات تذكر لإنقاذه.

المساهمون