على الرغم من أهمية اتباع نظام غذائي صحي وممارسة التمارين الرياضية للمحافظة على مستوى السكر في الدم، إلّا أنّ دراسة جديدة كشفت عن إمكانية أن يكون للأضواء تأثير أساسي على التحكم بمستوى السكر في الدم لدى الأشخاص المعرّضين للإصابة بمرض السكري.
بحسب دراسة علمية نُشرت في مجلة Diabetologia، الصادرة عن الرابطة الأوروبية، تمّ إخضاع 14 شخصاً يعانون من الوزن الزائد، ولديهم أنواع مختلفة من مرض السكري، منها مرض السكري من النوع الثاني، لتجربة جديدة ومختلفة، تهدف إلى دراسة انعكاس التعرّض للضوء على عملية التمثيل الغذائي، وبالتالي على السكر في الدم.
وبحسب صحيفة "ذا غارديان" البريطانية، فقد قام المسؤول الأول عن الدراسة جان-فريدر هارمسن، وهو طالب دكتوراه في جامعة ماستريخت -هولندا، قسم التغذية وعلوم الحركة، والبروفيسور باتريك شروين، وباحثون آخرون من المركز الطبي بجامعة ماستريخت، بإخضاع هؤلاء الأشخاص إلى محاكاة طبيعية، من خلال وضعهم في غرف ذات أضواء ساطعة خلال النهار وحتى الساعة السادسة مساءً، ومن ثم وضعهم تحت الإضاءة الخافتة حتى الساعة 11 مساءً. كما تمّ وضع أشخاص آخرين تحت أضواء خافتة ولكنها كافية للإنارة والتعرّف إلى الأشياء طوال اليوم، لمعرفة كيفية تأثير هذه الإيقاعات الضوئية على الأشخاص. وتوصّل العلماء إلى عدة نتائج مهمة، من أبرزها:
أولاً: إنّ التعرّض للضوء الساطع أثناء النهار وانخفاض الضوء ليلاً كان له تأثير على تحسين مستويات السكر في الدم لدى هؤلاء الأشخاص، إذ إنّ الأضواء تنعكس على الساعة البيولوجية للأشخاص، المسؤولة أيضاً عن عملية التمثيل الغذائي.
ثانياً: أظهر التعرّض للضوء الساطع خلال النهار تحسن مستوى حرق الدهون لدى الأشخاص المصابين بالسكري، إذ تبيّن أنّ المشاركين تمكّنوا من حرق سعرات حرارية أكثر بعد تناول الوجبات، مقارنةً بالوقت الذي كانت فيه الإضاءة خافتة، وتشير هذه النقطة إلى أنّ التعرّض لضوء أكثر قد يساعد بطريقة أو بأخرى في إنقاص الوزن.
ثالثاً: لاحظ العلماء أنّ التعرّض للضوء أكثر ينعكس على نشاط الأشخاص، إذ يصبحون أكثر حركة وقدرة على إنجاز المهمات، ويعود السبب في ذلك إلى ارتفاع درجة حرارة الجسم، أمّا في الليل وعند انخفاض الإضاءة، فتنخفض درجة حرارة الجسم وهو ما يجعل الأشخاص بحاجة أكثر للنوم والراحة.
الاهتمام بالإنارة
وفي أول تعليق على الدراسة، صرّح الدكتور هارمسن، بحسب ما نقلته صحيفة "ذا غارديان"، بأنه "غالباً ما ترتبط مقدّمات السكري بارتفاع ضغط الدم، وبالتالي من المحتمل أن يساهم يوم أكثر إشراقاً وأمسية خافتة الأضواء بتنظيم ضغط الدم بشكل أفضل".
وبسبب أنظمة العمل المختلفة والروتين اليومي، يتعرّض العديد من الأشخاص إلى ظروف غير صحية، أو ربما يكونون في أماكن بعيدة عن الإضاءة، وفي الليل وبسبب وسائل التكنولوجيا وكثرة استخدام الهواتف وشاشات الكومبيوتر، ربما لا ينعمون بأمسية هادئة، وهو ما يجعل عملية التمثيل الغذائي صعبة للغاية، وتؤثر بشكل أكبر على مرضى السكري.
وبناءً على هذه النتائج، حثّ الخبراء على ضرورة تعرّض الأشخاص، خاصة المصابين بالسكري، لضوء النهار وإبقاء الأضواء خافتة أثناء المساء، لأنّ التمثيل الغذائي المضطرب قد يؤدي إلى ارتفاع نسبة الإصابة بالسكري.
وكانت أبحاث سابقة قد أشارت إلى أنّ التعرض للضوء ليلاً يمكن أن يعطّل عملية التمثيل الغذائي، كما ارتبطت نوبات العمل الليلية بزيادة خطر الإصابة بالسمنة وأمراض القلب والأوعية الدموية ومرض السكري من النوع الثاني، كما وجدت العديد من الأبحاث أنّ هناك أدلة على أنّ التعرّض لضوء خافت أثناء النهار قد يعطّل الساعة البيولوجية للأشخاص.
من جهته، وجد فرانك شير، أستاذ الطب في قسم طب النوم في كلية الطب بجامعة هارفارد، أنّ هذه الدراسة تسلّط الضوء على تأثير الإنارة الطبيعية وأشعة الشمس على حياتنا بشكل عام، وعلى وظائف الجسم بشكل خاص، معتبراً أن هذه الدراسة تكشف نقطة مهمة تتعلق بعمليات التمثيل الغذائي، وقد تختلف عن دراسات سابقة تتناول تأثير هرمون الميلاتونين- وهو هرمون يتم إطلاقه عادة في الليل، ويساعد في خفض مستويات سكري الدم.
أنواع مرض سكري الدم
بحسب التقارير العلمية، يمكن تقسيم مرض السكري إلى ثلاثة أقسام: السكري من النوع الأول، السكري من النوع الثاني، وسكري الحمل، ويمكن إضافة الأشخاص المعرّضين للسكري، أو ما تطلق عليه تسمية "ما قبل السكري".
ويعرف السكري من النوع الأول بأنه من أمراض المناعة الذاتية (Autoimmune disease). وعادة ما تحدث أمراض المناعة الذاتية عندما يعمل جهاز المناعة في الجسم ضد أحد أجزائه، وعند الإصابة بمرض السكري، يهاجم جهاز المناعة خلايا "بيتا" المسؤولة عن إنتاج الأنسولين في البنكرياس، ويقوم بتدميرها. ونتيجة لذلك، ينتج البنكرياس كمية قليلة من الأنسولين، أو أنه قد لا ينتج الأنسولين مطلقاً.
أما السكري من النوع الثاني، وهو أكثر أنواع مرض السكري انتشاراً بين الناس، فيرتبط عادة، بالتقدم بالسن، السمنة الزائدة، الوراثة وتاريخ العائلة الطبي مع المرض.
يتّسم المرضى الذين يعانون من مرض السكري من النوع الثاني بإنتاج البنكرياس كمية كافية من الأنسولين، غير أنّ الجسم ولأسباب غير مفهومة، لا يكون قادراً على استخدام الأنسولين بشكل فعّال والاستفادة منه.
أما سكري الحمل، فهو الذي يصيب الحامل، وقد يختفي بعد الولادة.