أظهرت دراسة جديدة نشرت في مجلة "Plos one" الطبية، إمكانية أن يكون للبكتيريا، وتحديداً تلك الموجودة في الأمعاء، دور إيجابي في تعزيز الصحة العقلية، إذ تؤدي تريليونات الميكروبات التي تعيش داخل الأمعاء دوراً رئيسياً في مجموعة من العمليات الجسدية، ولا ينحصر دورها في أهميتها خلال عملية الهضم.
وبحسب الدراسة التي قادها الباحث من جامعة كولومبيا البريطانية، سيباستيان هانتر، يلعب الميكروبيوم، وهو مجموعة من الميكروبات والفطريات والفيروسات التي تعيش بشكل طبيعي على أجسامنا وفي داخلنا، ومن بينها المفيد والممرض، دوراً مهماً في نمو الجهاز العصبي وفي عمل الجهاز المناعي، فضلاً عن توفير طبقة أخرى من الحماية ضد مسببات الأمراض.
وأظهرت الدراسة أن القناة الهضمية تحتوي على أكثر من 100 مليون خلية عصبية، وهو رقم أعلى من الموجود في أي جزء من الجسم باستثناء الدماغ، وتلك الخلايا تساعد في تعزيز صحة الإنسان.
ويعرّف المعهد القومي لأبحاث الجينوم البشري الميكروبيوم بأنه مجتمع الكائنات الحية الدقيقة الموجودة في بيئة معينة. وغالباً ما يستخدم المصطلح لوصف الكائنات الحية الدقيقة التي تعيش في أو على جزء معين من الجسم، مثل الجلد أو الجهاز الهضمي. وهذه المجموعات الكبيرة من الكائنات الحية الدقيقة تتغير استجابةً لمجموعة من العوامل المحيطة، مثل ممارسة الشخص للرياضة، أو النظام الغذائي الذي يعتمده، أو تناول الأدوية، وغيرها.
وتساعد البكتيريا التي تعيش في الأمعاء في هضم الطعام بالأساس، على غرار مساعدة تلك الموجودة على البشرة في تكسير الدهون وإفراز ما يشبه مرطباً طبيعياً يحمي البشرة من عوامل الطقس وغيرها، بالإضافة إلى تعزيز البكتيريا قدرة الجسم على مقاومة الأمراض ومواجهة مسبباتها.
وحلّل هانتر وفريقه بيانات 56 طفلاً تتراوح أعمارهم ما بين 4 إلى 6 أشهر، وخضع كل رضيع لمجموعة من الاختبارات لتقييم قدراتهم المعرفية، وتمكن الباحثون من تحليل ميكروبيومات أمعائهم من عينات البراز، ثم أجريت دراسة تجريبية من خلال استخدام نهج متعدد التخصصات لاختبار ما إذا كان تكوين الكائنات الحية الدقيقة للرضع يرتبط بالتطور المعرفي المبكر، ولا سيما تتبع الإيقاع العصبي.
ووجد الفريق العلمي أن الأطفال الذين خضعوا لاختبارات لقياس الانتباه المشترك، والتي تعني تشارك شخصين الاهتمام بشيء أو بحدث ما، وهو يحدث عندما ينبه شخص شخصاً آخر إلى شيء ما عن طريق التحديق بالعين أو الإشارة أو غيرها من المؤشرات اللفظية أو غير اللفظية، وأن الرضع الذين نجحوا في ذلك كان لديهم مستويات عالية من الأكتينوبكتيريا.
وقال هانتر: "من البكتيريا التي وجدناها ظهرت (بيفيدو باكتيريوم)، وهي الأكثر شهرة، ولها صلة مباشرة بنمو الدماغ. وهي من أنواع البكتيريا الموجودة بشكل تلقائي وبأعداد كبيرة في المعدة والأمعاء، والبكتيريا الصديقة منها التي تشكل أكثر من 85 في المائة، تحمي من مسببات الأمراض، وتنظم عمل جهاز المناعة".
وتقول طبيبة الصحة العامة، ماري الخوري، لـ "العربي الجديد"، إن "بيفيدو باكتيريوم هي مجموعة من البكتيريا التي تسمى البروبيوتيك، وعادة ما تعيش في الأمعاء والمعدة، وتساعد الجسم على أداء الوظائف الأساسية مثل الهضم ودرء البكتيريا الضارة". تضيف أنها "مفيدة كثيراً للصحة، وتساعد في علاج أمراض القولون العصبي، بالإضافة إلى معالجة العديد من الأمراض الأخرى، مثل التهابات الرئة وغيرها".
وتشير الخوري إلى الكثير من الدراسات التي تتناول كيفية وصول الإنسان إلى تعزيز الميكروبيوم بشكل طبيعي، وذلك من خلال اتباع نظام غذائي صحي، وتناول الكثير من الخضروات، بالإضافة إلى الامتناع عن تناول السكريات، وتجنب الأطعمة المصنعة، وتجنب المضادات الحيوية، والتخفيف من تناول اللحوم الحمراء. تتابع: "يمكن تعزيز الميكروبيوم والبكتيريا النافعة في جسم الإنسان أيضاً من خلال تناول عدد من العناصر الغذائية. على سبيل المثال، يساعد الزبادي والحليب في تعزيز الميكروبيوم، بالإضافة إلى تناول بعض الأطعمة التي تحتوي على الخل، مثل المخلالات".