يقطن نازحون كثيرون بمدينة الرقة الواقعة شمال غربي سورية في مبانٍ وخرائب مهدّدة بالانهيار، وقد زاد من الخطر القائم الزلزال الذي ضرب الشمال السوري والجنوب التركي في السادس من فبراير/شباط الجاري.
وعلى الرغم من مرور خمسة أعوام على انتهاء حملة "غضب الفرات" التي أطلقتها "قوات سوريا الديمقراطية" (قسد)، والتحالف الدولي ضدّ تنظيم داعش، والتي أدّت إلى تدمير نحو 80 في المائة من البنى الخدمية والسكنية، وانطلاق مشاريع إعادة الإعمار، فإنّ آثار الدمار ما زالت حاضرة بقوّة في معظم أحياء مدينة الرقة ومناطقها وأسواقها.
في مدرسة خديجة الكبرى شبه المدمّرة في حيّ الادخار بالرقة، تعيش 35 عائلة نازحة من محافظات سورية عدّة. وتلك العائلات الفقيرة وجدت في الرقة ملاذاً آمناً، لكنّها اضطرت إلى اللجوء لتلك المدرسة نتيجة ارتفاع إيجارات المنازل.
بمياه باردة تغسل أم محمد (45 عاماً)، ملابس أولادها في باحة المدرسة، وتقول لـ"العربي الجديد": "خسرت منزلي في منطقة الخالدية بحمص نتيجة القصف في عام 2013، فاضطررت للنزوح إلى حلب. وقبل عامَين توجّهت إلى الرقة. وبسبب الحالة المادية الصعبة، اضطررنا إلى السكن في غرفة صف بهذه المدرسة المدمّرة".
وبينما تكمل غسل الملابس، تخبر أم محمد بأنّه "عند وقوع الزلزال، كان الوضع أقرب ما يكون إلى يوم القيامة. ووجودنا وسط جدران متصدعة وظلام دامس نتيجة عدم توفّر التيار الكهربائي، جعلنا نشعر بالرعب. هربت مع الأطفال إلى الشارع، وبقينا فيه حتى الصباح"، وتشير إلى أنّه "بفضل أهل الخير في المنطقة، نُصب شادر كبير لنا وأُحضرت مدافئ وطعام"، مؤكدة أنّ "الوضع مخيف جداً في المدرسة، خصوصاً مع سقوط عدد من الكتل الإسمنتية، وتضرّر غرف تسكنها عائلتي والعائلات الأخرى".
من جهتها، اضطرت جميلة الأحمد (35 عاماً)، وهي من أهالي الرقة، إلى السكن في مبنى شبه مدمّر بمنطقة الأماسي، وسط المدينة، كون ذلك لا يستوجب بدل إيجار. وعلى الرغم من عدم صلاحيته للسكن، فقد تمكّنت مع عائلتها من تجهيز غرفة فيه ومنتفعات، تقول لـ"العربي الجديد"، إنّه "عند وقوع الزلزال، راحت الأرض تموج كما لو أنّنا في سفينة وسط بحر هائج. ثمّ بدأت تسقط أجزاء من السقف المتصدّع. فسارعت مع أولادي الثلاثة وزوجي، بحالة هستيرية، للنزول إلى الشارع الذي اكتظ بالناس".
وتشير جميلة إلى أنّ "شققاً ومنازل عديدة في حيّ الأماسي إمّا مدمّرة وإمّا متضرّرة نتيجة القصف السابق الذي طاول الرقة، وهي تمثّل تهديداً لحياة السكان، لا سيّما أنّ المنطقة لم تتلقَّ أيّ دعم من قبل منظمات في ما يتعلق بالترميم".
وفي سياق متصل، تقول الرئيسة المشتركة للجنة التربية والتعليم في الرقة زليخة عبدي، لـ"العربي الجديد"، إنّه "بعد ما شهدته المنطقة من زلزال وهزات ارتدادية في السادس من فبراير الجاري، نُظمت جولة ميدانية، من قبل لجنة التربية والتعليم ولجنة الإدارة المحلية والبلديات واتحاد المهندسين، شملت المدارس في الريف والمدينة للتأكد من سلامة المباني بعد الزلزال. وقد شُكّل 12 فريقاً للكشف على المدارس، وبالفعل كُشف عن 110 مدارس من ضمن المكاتب التربوية، وتبيّن وجود أضرار في 40 منها، فأُخليت وتمّ تأمين بدائل مؤقتة في حين يُصار إلى العمل على إصلاح الأضرار".
تضيف عبدي أنّ "28 ألف تلميذ سوف يبقون من دون تعليم نتيجة الأضرار التي طاولت مدارسهم. وبالتأكيد فإنّ هذا الضرر أتى نتيجة ما تعرّضت له المدينة في خلال سنوات الحرب، والذي تسبّب أيضاً في هدم مدارس كثيرة".
أبو وحيد (45 عاماً)، من مدينة حلب، يسكن حالياً في مدرسة سيف الدولة شبه المدمّرة بالرقة، يقول لـ"العربي الجديد": "نجونا بأعجوبة من الزلزال الذي أصاب مناطق من مدينة حلب، وتحديداً حيّ بستان الباشا، أنا وزوجتي وأربعة أطفال". ويصف أبو وحيد الأمر بأنّه كان "أشبه بكابوس بين المباني التي انهارت والشوارع التي اكتظت وفرق الإسعاف فيما الناس حفاة والأطفال يبكون. إنّه مشهد من مشاهد يوم القيامة".
يضيف أبو وحيد أنّ "أهل الخير وفّروا حافلات لنقل المتضرّرين من حلب إلى الرقة. فصعدت مع عائلتي من دون أن تكون لدينا وجهة محددة. بتنا أياماً عدّة في الخيام المنصوبة في الحدائق، ثمّ بحثت عن مأوى، لكنّني لم أجد سوى بناء مدرسي شبه مهدّم. وقد ساعدنا أهل الخير لتأمين بعض المستلزمات من فرش وأغطية ومدفأة وملابس، إذ إنّنا كنّا قد خرجنا من منزلنا بأرواحنا". ويشير أبو وحيد إلى أنّه سكن "في الطبقة الثانية من المبنى المدرسي، على الرغم من الخطر، إذ إن المدرسة تعرّضت في السابق لقصف دمّر أجزاء منها، وبالتالي هي لا تحتمل أيّ زلزال"، ويتابع: "لكنّ الإيجارات في الرقة خارجة عن قدرتي، فأنا لم أعد أملك شيئاً".