تصاعدت وتيرة احتجاجات المحامين في المغرب ضدّ ما سمّته هيئات مهنية "الاستهداف الممنهج لمهنة المحاماة وتغييب المقاربة التشاركية"، وذلك بعد أسبوع من خروجهم في تظاهرات رافضة لفرض إجراءات ضريبية جديدة ولمسوّدة قدّمتها وزارة العدل بشأن تعديل قانون مهنة المحاماة وإقرار امتحان الأهلية لمزاولتها.
وأعلنت جمعية هيئات المحامين بالمغرب خوض إضراب عن العمل يومَي غد الثلاثاء وبعد غد الأربعاء في كلّ محاكم البلاد، في سياق "برنامج تصاعدي" للاحتجاج على مشروع الموازنة المالية لسنة 2023 ومسوّدة مشروع قانون تنظيم مهنة المحاماة.
وكانت جمعية هيئات المحامين بالمغرب قد أعلنت، يوم الجمعة الماضي، "رفضها المطلق للمقتضيات الواردة في مشروع قانون المالية لسنة 2023"، بالإضافة إلى "مقاطعة اجتماع اللجنة المشرفة على امتحان الأهلية لمزاولة مهنة المحاماة المقرّر يوم 9 نوفمبر/ تشرين الثاني الجاري، على الرغم من دعوتها إليه من قبل وزير العدل عبد اللطيف وهبي.
وفي سياق التصعيد، قرّرت هيئة المحامين بالدار البيضاء التوقّف عن العمل للأسبوع الثاني، بدءاً من اليوم الإثنين وحتى نهاية هذا الأسبوع، إنّما مع "استثناء ما يتعلّق بالطعون والآجال". وسوف تنظّم وقفة احتجاجية أمام البرلمان، غد الثلاثاء، على هامش مناقشة مشروع قانون المالية لسنة 2023.
في سياق متصل، قال الناشط الحقوقي والمحامي في هيئة مراكش محمد الغلوسي لـ"العربي الجديد" إنّ "المحامين كانوا مضطرّين إلى اللجوء إلى الاحتجاج بعد أن فُرض عليهم الأمر فرضاً بعد تصريح وزير العدل أنّ باب الحوار موصد مع المحامين، ومن جرّاء إبعادهم عن مناقشة القضايا التي تهمّ تنظيم مهنة المحاماة باستبعاد وزير العدل للمقاربة التشاركية في إعداد مسوّدة مشروع تنظيم المهنة".
أضاف الغلوسي أنّ "المحامين لا يتهرّبون ممّا تضمّنه مشروع قانون المالية 2023، علماً أنّ ثمّة مدوّنة عامة بالضرائب تنظّم هذا الجانب، وقد وجدوا أنفسهم مضطرّين إلى الاحتجاج يومَي الثلاثاء والأربعاء كخطوة إنذارية يمكن أن تليها خطوات أخرى بناءً على مستجدّات المواقف".
ويأتي التصعيد الجديد، في وقت عاب فيه وزير العدل عبد اللطيف وهبي على المحامين اللجوء إلى المقاطعة والإضرابات بدلاً من الحوار والنقاش، لافتاً إلى "ثقافة تغيّب عند المحامين". وقد أتى ذلك من ضمن مداخلات مناقشة الميزانية الفرعية لوزارة العدل، يوم الجمعة الماضي، في لجنة العدل والتشريع بمجلس النواب.
وكان فرض إجراءات ضريبية جديدة في مشروع الموازنة الجديدة قد أثار غضب المحامين، بعد أن فرض المشروع أداء المحامي تلقائياً لدى كاتب الضبط في صندوق المحكمة تسبيقاً مالياً عن الضريبة عن كلّ ملفّ في كلّ مرحلة من مراحل التقاضي، أي عند إيداع أو تسجيل دعوى أو طلب أو طعن أو عند التسجيل نيابة أو مؤازرة في قضية بمحكمة. وجاء هذا الإجراء بعدما تبيّن لمصالح الضرائب أنّ المحامين لا يصرحون بمداخيلهم الحقيقية.
وحُدّد مبلغ التسبيق المالي في مشروع قانون المالية بـ300 درهم مغربي (نحو 28 دولاراً أميركياً) عن كلّ ملف في محاكم الدرجة الأولى، و400 درهم (نحو 37 دولاراً) في محاكم الدرجة الثانية، و500 درهم (نحو 46 دولاراً) في محكمة النقض. أمّا الدعاوى المتعلقة بالأوامر المبنية على طلب المعاينات، فيؤدّى عنها مبلغ مسبق عن الضريبة مقداره 100 درهم (نحو تسعة دولارات).
وكان اجتماع عقده المحامون، الخميس الماضي، مع الوزير المنتدب لدى وزير الاقتصاد والميزانية فوزي لقجع ووزير العدل عبد اللطيف وهبي، قد انتهى إلى الاتفاق ما بين المحامين والحكومة على إلغاء إلزامية التسبيق الضريبي المنصوص على أدائه في مشروع قانون المالية لسنة 2022. ويُصار إلى تخيير المحامي ما بين دفع مبلغ نهائي ضريبي قدره 300 درهم عن كلّ قضية يترافع فيها بشكل نهائي وشامل للمراحل الابتدائية والاستئنافية والنقض، وهو مبلغ غير قابل للمراجعة، وبين تصريحه بعدد القضايا في نهاية كلّ ستّة أشهر لدفع مبلغ الضريبة عنها في حدود المبلغ المذكور.
كذلك تقرّر إعفاء الملفات المقدّمة في إطار "الفصل 148" من "قانون المسطرة المدنية" و"قضايا القرب" من الأداء الضريبي نهائياً، ويتعلّق الأمر بالدعاوى التي تستهدف الحصول على أمر بإثبات حال أو توجيه إنذار أو أيّ إجراء مستعجل. وتمّ الاتفاق أيضاً على إعفاء قضايا منازعات الشغل وحوادث العمل من الأداء إلى حين تنفيذ الحكم.
أمّا بالنسبة إلى المحامين الجدد، فقد قرّرت الحكومة إعفاءهم الضريبة في السنوات الثلاث الأولى من الممارسة المهنية اعتباراً من العام المقبل.
وعلى الرغم من هذا الاتفاق، قرّرت "جمعية هيئات المحامين بالمغرب" التصعيد، مشيرة إلى أنّها تتشبّث بمواقفها لأنّها لم تتوصل إلى مقترحات كتابية واضحة بشأن ما تمّت مناقشته مع الحكومة حول المقتضيات الضريبية.
وتشهد العلاقات ما بين الهيئات التي تمثّل المحامين في المغرب ووزير العدل حالياً فصلاً جديداً من التوتر، بعدما تصاعد الجدال حول مسوّدة مشروع قانون تنظيم مهنة المحاماة وتوالت الانتقادات الموجّهة إلى بنودها وكيفية إعدادها.
وكان المحامون المغاربة قد خاضوا في 21 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي وقفة احتجاجية أمام مقرّ وزارة العدل في الرباط، احتجاجاً على ما تضمّنته مسوّدة مشروع قانون تنظيم المهنة من "تجاوزات خطرة وغير مسبوقة لمقاربة التشارك مع المؤسسات والإطارات (الكوادر) المهنية، ووجّهت ضربات لتعهدات الوزارة سابقاً عدم طرح القانون إلا بعد إصدار القوانين الإجرائية (قانون المسطرة المدنية والجنائية)، تمهيداً لتعزيز استقلالية المهنة وحصانتها، وتوسيع مجالات عمل المحامين".