تعاني مناطق عدة في تونس، خصوصاً في جنوبها، من ندرة المياه التي تفاقمت في السنوات الأخيرة بسبب قلة الأمطار، ما يتسبب في انقطاع المياه أحياناً عن السكان فترات طويلة قد تتجاوز الشهر.
تعيش رفيقة الشيحي في منطقة الصخيرة الريفية بمحافظة صفاقس جنوبي تونس، وتتنقل يومياً إلى بئر تبعد ثلاثة كيلومترات عن منزلها، وتشكّل المصدر الرئيس لتعبئة جميع سكان الصخيرة المياه خصوصاً في الصيف نظراً إلى الانقطاع المستمر للمياه. تقول رفيقة لـ"العربي الجديد" إنّ "غالبية سكان الصخيرة يعانون من مشكلة في الحصول على مياه للشرب، خصوصاً حين ترتفع درجات الحرارة. وقد تضررت الزراعة كثيراً في المنطقة بسبب نقص الأمطار وعدم توفر عدد كافٍ من الآبار، ومنشآت السدود التي يفترض أن تؤمن كميات المياه المناسبة لغالبية محافظات الجنوب".
فعلياً، تعد محافظة صفاقس بين أكثر المناطق التي تعاني من نقص في موارد المياه. وهو ما تعرفه مناطق كثيرة جنوبي تونس، لذا تبحث الحكومة عن حلول غير تقليدية لتعزيز موارد المياه، بينها تحلية مياه البحر. وهي كانت أنشأت أول محطة محلية لتحلية المياه في منطقة جربة (جنوب)، ووضعتها في الخدمة قبل أكثر من ثلاث سنوات، وتلتها محطة ثانية لتحلية مياه البحر في منطقة قابس التي لا تزال في طور الإنجاز، ثم أطلقت أخيراً مشروع إنشاء محطة لتحلية مياه البحر في محافظة صفاقس التي تصل احتياجاتها من المياه الصالحة للشرب إلى 150 ألف ليتر مكعب يومياً خلال فترة الذروة في الصيف، في حين تقدر الشركة التونسية لاستغلال وتوزيع المياه احتياجات المنطقة بنحو 125 ألف لتر مكعب يومياً، أي بنقص يقدر بأكثر من 20 ألف ليتر مكعب يومياً.
وبدءاً من عام 2030 يتوقع أن تواجه تونس مشكلة ندرة المياه. وتشير تقارير إلى أن الموارد المائية المتاحة سنوياً ستتدنى إلى حوالى 360 متراً مكعباً في مقابل 420 متراً مكعباً كانت متاحة عام 2006، وفق دراسة أعدها المعهد التونسي للدراسات الاستراتيجية حول الأمن الغذائي، والتي أوردت أيضاً أن "بلوغ مستوى 532 متراً مكعباً للفرد الواحد سنوياً هو الحدّ الذي يشير إلى بلوغ مرحلة الفقر المائي". وكان المرصد التونسي للمياه سجّل عام 2020 حوالى ألف تبليغ عن انقطاع المياه الصالحة للشرب، في مختلف مناطق البلاد.
وفي مارس/ آذار الماضي، أعلن المدير العام للشركة الوطنية لاستغلال وتوزيع المياه، مصباح الهلالي، أن المحافظات الكبرى في تونس ستواجه صعوبات في توفير المياه الصالحة للشرب هذا الصيف، وقد تصل إلى عجز مائي كامل عام 2023 نتيجة الجفاف وضعف إيرادات سدود الشمال التي تزود في الأساس محافظات إقليم تونس الكبرى (تونس وأريانة وبن عروس ومنوبة) بالمياه.
وقد باشرت تونس منذ عام 2015 العمل بحلول بديلة لتوفير المياه، بينها إنشاء محطات لتحلية مياه البحر، خصوصاً في مناطق الجنوب. وأعطت رئيسة الحكومة نجلاء بودن رمضان مطلع هذا الشهر إشارة انطلاق أعمال إنجاز محطة لتحلية مياه البحر في منطقة قرقور جنوب صفاقس بعدما تعطل تنفيذ المشروع بسبب شبهات بالفساد، علماً أنه كان يفترض أن يبدأ استغلال مياه هذه المحطة بداية العام الحالي، لكن إنجاز المشروع تأخر أكثر من خمس سنوات.
ويعتبر مشروع محطة تحلية مياه البحر في صفاقس أحد الأضخم في البلاد بكلفة تتجاوز 210 ملايين دولار. وسيوفر في مرحلة أولى كمية مائة ألف متر مكعب من المياه الخاضعة للتحلية يومياً، وصولاً إلى 200 ألف متر مكعب يومياً في المرحلة الثانية. وتمتد فترة الإنجاز عامين ونصف العام، حيث ستحدد حصة مساهمة الدولة بمبلغ 45 مليون دولار، في حين يجري تمويل المبلغ الباقي من قرض مقدم من الوكالة اليابانية للتعاون الدولي، مع تحديد مهلة استرجاعه خلال 25 عاماً.
ورغم أن محطة صفاقس تُعتبر الثالثة في تونس، لا يزال يستغرب البعض كيف يمكن أن تصبح مياه البحر صالحة للزارعة وحتى للشرب. ويشير عبد الرحمن بسباس إلى أنّ "استغلال مياه البحر لا يزال يبدو أمراً غريباً، لكن غالبية سكان مناطق المحافظة استبشروا بقدرة المشروع على حل مشاكل افتقاد المحاصيل الزراعية للمياه، ويساهم في عودة الأهالي إلى أراضٍ هجروها بسبب ندرة المياه فيها ونقص الأمطار، وعدم منح أصحاب الأراضي الفلاحية رخصاً لحفر آبار".
ولتلبية احتياجات السكان من المياه خصوصاً في المناطق التي لا تتوفر فيها سدود وتعاني من شح في المياه، أفادت الجهات الرسمية بأنّ الحل غير التقليدي لتوفير المياه يتمثل في اللجوء إلى تحلية مياه البحر. ونظراً إلى الكلفة العالية لهذه المشاريع تحتاج الدولة إلى دعم في التمويل من شركات خارجية وجهات أجنبية. ويمكن التفكير في إنشاء محطات أخرى لتحلية المياه ليس في الجنوب فقط، بل حتى في الوسط الذي تعاني غالبية مناطقه أيضاً من مشاكل في توفير المياه.
ويعمل مهندسون كُثر في تونس لابتكار طرق لتحلية المياه. واخترعت مجموعة منهم العام الماضي محطّة تحلية مياه حراريّة ذاتيّة التشغيل، لكن هذا الاختراع لا يزال ينتظر دعماً من الدولة للانتقال إلى مرحلة التصنيع.
وتُصنّف تونس بين البلدان الفقيرة مائياً نتيجة الجفاف وزيادة الاستهلاك والتغيرات المناخية، ما يجعل من الكميات المجمعة في السدود الضمانة المتوفرة لتدارك العطش. ويبلغ إجمالي قدرة استيعاب سدودها مليارين و337 مليون متر مكعب، غير أن الجفاف يمنع تعبئة أكثر من نصف طاقتها سنوياً.