كان وداعاً حزيناً للشهيد الفلسطيني محمد عباس (26 عاماً) بمنزله في مخيم الأمعري، في مدينة البيرة الملاصقة لمدينة رام الله وسط الضفة الغربية. كلمات قليلة وسط بكاء كثير، لأسرة مكلومة وخطيبة مصدومة، قبل أن يُحمل جثمانه على الأكتاف نحو مثواه الأخير.
أشهر قليلة فصلت لقاء محمد عباس بخطيبته وعقد القران، والفرحة بزفافهما.
قبل الوداع الأخير الحزين، خلال تشييع جثمانه اليوم الخميس، قالت له في تلك اللحظات بصوت حزين: "الله معك يا عمري، الجنة أحلى، سامحني إن زعلتك بيوم، إلك قصر في الجنة بدل بيتنا، كنا نعمل لنبني غرفة، وين رحت وتركتني".
من جهته، يؤكد أحمد طمليه، خال الشهيد، في حديثه مع "العربي الجديد"، أن "محمد قرّر إقامة عرسه في مارس/ آذار المقبل، واشترى منزلاً وأثاثاً، وأمس، بيوم استشهاده، كان قد أنهى الحديث مع العمال حول طلاء المنزل لإتمام كل شيء. كان يجهز لعرسه، لكنه لم يكن يعلم أن عرسه سيكون عند ربنا".
خارج المنزل تبعت والدة الشهيد ابنها دون أن تستطيع الكلام أمام الكاميرات، ومن شوارع مخيم الأمعري انطلقت جنازة محمد عباس بمشاركة الآلاف من داخل المخيم وخارجه، وسط تواجد لافت لعشرات المسلحين الذين أطلقوا النار في الهواء بكثافة، ليتم أداء صلاة الجنازة على جثمانه داخل مسجد المخيم، قبل أن يصل إلى مقبرة الشهداء في مدينة البيرة ويوارى الثرى.
ويؤكد خال الشهيد أن "المعلومات المتوفرة للعائلة ليست كلها مؤكدة، لكن المعطيات الأولية حول ظروف استشهاده تشير إلى أن ما حصل عملية استهداف له وقتل بدم بارد، إذ وصل جيش الاحتلال إلى القرب من مدخل مخيم الأمعري وكان الشهيد داخل مركبته، وتم إطلاق النار باتجاهه وإصابته، ليستشهد بعد وصوله المشفى نتيجة إصابته برصاصة في الظهر وصلت إلى الرئتين".
ويتابع طمليه: "الإسرائيليون لا يهمهم أحد، يدخلون ويغتالون ويقتلون ولا أحد يفعل شيئا، هذا يجب أن يتوقف، العالم والعرب والسلطة الفلسطينية والجميع يجب أن يكون لهم دور في حماية الشعب الفلسطيني من الاحتلال ومن عمليات الاغتيال".
واستشهد عباس بعد فترة وجيزة من إعلان جيش الاحتلال استهداف جنود له قرب مستوطنة "بساغوت" المقامة على أراضي مدينة البيرة، ليقتحم جيش الاحتلال حي سطح مرحبا في المدينة ويصل إلى مدخل مخيم الأمعري ويطلق النار باتجاه المركبة التي استقلها عباس.
وتعليقاً على ذلك، قال رئيس نادي الأسير الفلسطيني قدورة فارس، لـ"العربي الجديد": "إن الاحتلال يستطيع ادعاء ما يشاء، ولا يمكن لأحد أن يتحقق من روايته، فهو يتصرف وكأنه يملك الحقيقة، ولا توجد رواية أخرى غير روايتنا نحن الفلسطينيين الذين نعلم أن الكثير من أبنائنا الذين أزهقت أرواحهم تعسفاً كنتيجة من النتائج التي تخلقها طبقة سياسية في حكومة الاحتلال، التي تحاول حسم المعركة في القدس والضفة الغربية".
وعدّ فارس ما حصل ليلة أمس "قتلا بدم بارد وإعداما خارج القانون"، مؤكداً أن "الاحتلال يتعامل مع نفسه كدولة فوق القانون"، مؤكداً أن "عملية الاغتيال تلك تأتي تنفيذاً وتطبيقاً للتعليمات الجديدة التي صدرت لجنود الاحتلال بتغيير قواعد إطلاق النار".
وتوقع فارس بناء على ذلك أن تشهد الفترة المقبلة مزيداً من عمليات القتل التي تتم بشكل بارد، معتبراً أن "ذلك جريمة حرب، يفترض أن تستوقف العالم والشعب الفلسطيني".
وكان رئيس الوزراء الفلسطيني، محمد اشتية، حذر بمنشور على صفحته الرسمية على "فيسبوك"، في أعقاب استشهاد عباس؛ من التداعيات الخطيرة التي ستترتب على تعليمات إطلاق النار الجديدة التي أعلن عنها قادة المؤسسة العسكرية الإسرائيلية، وقال: "إنها تشجع جنود الاحتلال على إطلاق النار على المواطنين بغرض القتل".