تهدد مخلفات الحرب التي دارت رحاها جنوبي العاصمة الليبية طرابلس بين عامي 2019 و2020 حياة السكان على الرغم من الجهود المضنية التي بذلتها السلطات وأجهزة الدفاع المدني لإزالتها، ومؤخراً، أعلن جهاز الإسعاف والطوارئ إصابة مواطن نتيجة انفجار لغم في منطقة عين زارة، موضحاً عبر حسابه على موقع "فيسبوك"، أن بلاغاً ورد إلى غرفة العمليات المركزية حول انفجار اللغم، وأن الانفجار تسبب في إصابة مواطن وبتر قدمه ويده، وقد أسعف في البداية إلى إحدى المصحات الخاصة، قبل نقله إلى المستشفى المركزي في العاصمة.
ويقول الليبي عبد الناصر الدواي، وهو أحد جيران المصاب، إنه كان يعمل على حفر بئر في المنطقة عبر آلة حفر قبل أن يصادف لغماً مدفوناً انفجر على الفور. ويضيف لـ "العربي الجديد" أن "الحادثة أثارت الذعر بين سكان المنطقة، وأعادت إلى أذهانهم حوادث الانفجارات في الأعوام الماضية، بالإضافة إلى مشاهد الحرب والنزوح، والأهالي أبلغوا السلطات بمخاوفهم من وجود ألغام أخرى لا تزال مدفونة تحت الأرض".
ويستبعد الدواي تجاوب السلطات، مشيراً إلى أن فرق نزع الألغام زارت المنطقة عديد المرات، وأبلغت الأهالي بأن التخلص الكامل من الألغام يحتاج إلى الاطلاع على خرائط زرعها التي لم يتسلموها بعد.
وقبل الانسحاب، زرعت مليشيات اللواء المتقاعد خليفة حفتر مساحات واسعة في مناطق جنوب طرابلس بالألغام والمفخخات وتركت أطناناً من مخلفات الحرب، شكلت طيلة السنوات الماضية تهديداً حقيقياً لحياة سكان هذه المناطق إثر رجوعهم إلى منازلهم.
وطرحت مسألة تسليم قيادة حفتر خرائط زرع الألغام في مناطق جنوب طرابلس عديد المرات في المفاوضات التي نظمتها الأمم المتحدة بين أعضاء لجنة 5+5 العسكرية المشتركة، إلا أن جهود السلطات في طرابلس ذهبت إلى مسح هذه المناطق ونزع الألغام فيها ونقلها إلى حقول الإتلاف للتخلص منها.
وأعلنت وزارة الداخلية بحكومة الوحدة الوطنية بطرابلس انتشال 69 قذيفة مدفعية وخمس قطع وقود دافع للقذائف عثر عليها في مناطق جنوب العاصمة طرابلس. وأوضحت الوزارة، في بيان لها، أن العملية تمت بعدما ورد بلاغ إلى جهاز المباحث الجنائية يفيد بوجود مخلفات حرب داخل مزرعة مواطن في جنوب العاصمة، مضيفة أن فرق تفكيك المتفجرات توجهت إلى مكان البلاغ، وأجرت مسحاً شاملاً انتهى بنقل 69 قذيفة ومخلفات أخرى إلى مقرات التخزين تمهيداً لإتلافها بالوسائل الآمنة وفق المعايير المتبعة.
كما أعلنت الوزارة مؤخراً تفكيك قذيفة مدفعية مفخخة عثر عليها داخل مزرعة في منطقة تاجوراء، بعدما أبلغ عن وجودها أحد المواطنين، مشيرة إلى أن فريق تفكيك المتفجرات اكتشف أن القذيفة كانت مفخخة بشحنة شديدة الانفجار، وتزن 50 كيلوغراماً.
وفي نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، أعلن جهاز الإسعاف والطوارئ وفاة طفل في 13 من عمره بتأثير إصابته بانفجار لغم أرضي منتصف أكتوبر/ تشرين الأول الماضي في منطقة عين زارة، موضحاً أن الطفل توفي بعد معاناة طويلة من آثار ومضاعفات إصابته بانفجار لغم أرضي، في حين يستمر علاج طفل آخر أصيب في الانفجار ذاته.
وتعد منطقة عين زارة ومناطق أخرى جنوبي العاصمة طرابلس بين أكثر المناطق المهددة بانفجار الألغام، بالإضافة لأحياء صلاح الدين وقصر بن غشير ووادي الربيع. ومنتصف العام الماضي، حذر مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية التابع للأمم المتحدة من استمرار خطر الألغام غير المتفجرة على الليبيين، مشيراً إلى وقوع 298 ضحية جراء مخلفات الحرب.
وأشار التقرير إلى أن كميات كبيرة من المتفجرات لا يزال خطر تلوثها ساري المفعول، بما في ذلك الذخائر غير المنفجرة والألغام الأرضية والأشراك الخداعية والعبوات الناسفة والذخائر المتفجرة المتروكة التي تراكمت أثناء حصار طرابلس، وكذلك خلال النزاعات السابقة.
وقالت الهيئة الأممية إن خطر الألغام لا يزال يشكل تهديداً لحياة وسبل عيش أولئك الذين يعيشون في المناطق المجاورة لها.
وبحسب شهادة الدواي، فإن الأهالي باتوا على علم بالمناطق الأكثر تضرراً، ويخشون المرور بها بعد حدوث عدد من الوفيات فيها، مشيراً إلى أن بعض المزارع التي تمركزت فيها آليات قتال لفترات طويلة أثناء الحرب "لا تزال خالية بسبب خوف أصحابها من وجود مخلفات حرب أو ألغام فيها".
ويثني الدواي على جهود فرق نزع الألغام، ويقول: "يقومون بدورهم بشكل كبير، ويعرضون أنفسهم للخطر، لكن السؤال الأهم هو لماذا لا تستعين السلطات بخبرات الدول التي تمتلك خبرة ومعدات وتقنيات للكشف عن الألغام؟ أعتقد أن إثارة القضية أمام الرأي العام ستجبر السلطات على التعامل مع قضيتنا باهتمام أكثر".