يُعَدّ مخيّم برج الشمالي، في قضاء صور في الجنوب اللبناني، من بين أكثر مخيّمات اللاجئين الفلسطينيين فقراً في البلاد، بحسب قاطنيه. وهؤلاء بمعظمهم يعملون في قطاف الحمضيات وفي البساتين عموماً، بالتالي لا يتخطّى دخل العامل في اليوم الواحد عشرين ألف ليرة لبنانية، أي نحو 13 دولاراً أميركياً بحسب سعر الصرف الرسمي ونحو 2.5 دولارات بحسب سعر صرف السوق الموازية. وما يزيد الأمر سوءاً اليوم في هذا المخيّم، لا سيّما البطالة، هو تفشّي فيروس كورونا وقرار الإغلاق في لبنان.
غادة الخضير صحافية فلسطينية من بلدة الناعمة الفلسطينية (قضاء صفد) وهي من سكان مخيّم برج الشمالي، تخبر "العربي الجديد": "تابعت تعليمي حتى الصف الثامن الأساسي في مدارس أونروا (وكالة إغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين)، ومن ثمّ تخصصت في التحقيق الصحافي". وعن أوضاع مخيّم برج الشمالي، تقول الخضير إنّ "سكان المخيّم من الأكثر فقراً، وبالإضافة إلى ذلك يعانون من جرّاء جائحة كورونا، وقد سُجّلت بينهم وفيات عدّة". وتشير الخضير إلى أنّ "الخوف مستوطن في المخيّم على خلفيّة الجائحة، لا سيّما أنّ أمراضاً عدّة تُسجّل في المخيّم منها الثلاسيميا (فقر دم البحر الأبيض المتوسط) وفقر الدم والربو. لكنّ السكان صاروا أكثر وعياً وهم ملتزمون بالحجر المنزلي وبالإجراءات الوقائية الأخرى اللازمة.
أمّا الخوف الأكبر فهو من البطالة بين الشباب، لأنّ خطورتها كبيرة على المجتمع الفلسطيني هنا. ومن قُدّر له العمل، فإنّه يفعل لقاء مدخول قليل لا يكفيه حتى نهاية الشهر". وفي مقابل الملتزمين بالوقاية، تعبّر الخضير عن تخوّفها إذ إنّ "شبان المخيّم وسط قلّة فرص العمل والبطالة، يخرجون إلى المقاهي والشوارع ولا يبالون بخطورة المرض. بالنسبة إليهم الموت أهون بكثير من هكذا عيش". تضيف الخضير أنّ "الفصائل الفلسطينية ووكالة أونروا تعمدان مرّة كلّ ثلاثة أشهر إلى إرسال مؤونة للعائلات، لكنّ هذا الأمر لا يكفي، إذ يتوجّب على كلا الطرفين دعم الناس شهرياً، لأنّ سكان المخيّم في حاجة كبيرة إلى المواد الغذائية وحاجتهم أكبر إلى الأدوية".
تجدر الإشارة إلى أن الخضير وابنها مصابان بمرض الربو والبخاخات اللازمة مفقودة اليوم. لذا تُضطر إلى التوجّه إلى الهلال الأحمر الفلسطيني للتزوّد بالأكسجين، آملة أن "تُزوَّد مراكز الهلال الأحمر بمعدات أكثر، لأنّ كثيرين من سكان المخيّم يلجأون إليه عند الحاجة". وتتابع الخضير أنّ "المخيّم ذاهب إلى الهاوية، وقد كثرت السرقات".
بدورها، تتحدّر فاطمة إبراهيم من بلدة الناعمة الفلسطينية ومستقرّة اليوم في مخيّم برج الشمالي، وهي ناشطة اجتماعية وتعيش مع ابنها وبنتها ووالدتها المسنّة بعد طلاقها. تقول لـ"العربي الجديد": "نحن الفلسطينيون محرومون من مهن عدّة في لبنان، وهي بمعظمها من مهن الدرجة الأولى. وقبل جائحة كورونا، لم يكن عدد العاملين في المخيّم يتخطّى 25 في المائة من مجمل السكان، ويعملون بمعظمهم في مجال الحمضيات وكذلك البناء. وبالتأكيد عملهم موسميّ، بالتالي هم مياومون". تضيف إبراهيم أنّه عند قيام التحرك الشعبي في لبنان في أكتوبر/ تشرين الأول 2019، "كان وضع الناس أفضل بقليل عمّا هو اليوم. وبعد هذا التاريخ تأزّم وراح يتفاقم مع انتشار فيروس كورونا وإغلاق البلد وارتفاع سعر صرف الدولار الأميركي في السوق الموازية. فأجرة العامل اليوم إن توفّر له عملاً، تدنّت ولم يعد لها أيّة قيمة لا سيّما أنّه يتقاضاها بالليرة اللبنانية".
وتلفت إبراهيم إلى أنّ "ثمّة عائلات في المخيّم تعيش حياة بؤس، ومنها من لا تملك ثمن ربطة خبز. لذلك فقد عملنا في إطار مجموعة ناشطين في المخيمات الفلسطينية كافة على إيجاد خليّة أزمة مهمتها مساعدة الناس. وهذه الخليّة تتألف من الفصائل الفلسطينية ومؤسسات المجتمع المحلي، وعملها إيصال المساعدات إلى الأهالي". وتشرح: "نحن نؤمّن المال من خلال أبناء المخيّم المغتربين وكذلك ناشطين محليين ومن منظمات من قبيل منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف) واللجنة الدولية للصليب الأحمر. وبالمبالغ المالية التي تصلنا، نؤمّن للأسر الفلسطينية المواد الغذائية الضرورية ومواد التنظيف والأدوية. وتأتي مبادرتنا هنا تحت عنوان: تكافلوا في مخيّم برج الشمالي".
وتؤكد إبراهيم أنّه "من خلال هذه المبادرة حاولنا التخفيف عن الأهالي ولو بشيء بسيط"، مشيرة إلى أنّ "في المخيّم 40 عائلة من بين أفرادها مصابون بالثلاسيميا، كذلك لدينا مرضى سرطان. ونحن نعمل بقدر الإمكان على مساعدة الناس، علماً أنّنا كنّا نعدّ دورات توعية حول كيفية الوقاية من الإصابة بكورونا. لكنّ ذلك كان ذلك قبل تفشّي فيروس كورونا بهذا الحجم وقبل قرار الإغلاق". وعن مصابي كورونا في المخيّم، تقول إنّهم "يعمدون إلى حجر أنفسهم في منازلهم، وقد رفضوا التوجّه إلى مركز سبلين الذي أقامته وكالة أونروا في منطقة سبلين (جبل لبنان) لحجر من هم في حاجة إلى ذلك".