مدارس لبنان تحاول إنقاذ العام الدراسي بالممكن

01 فبراير 2023
تخفيض عدد أيام التعليم بين حلول التكيّف مع الأزمات في لبنان (جوزف عيد/ فرانس برس)
+ الخط -

لم يعد يخفى تخبّط العام الدراسي في لبنان، فانعكاسات الأزمة المعيشيّة المثقلة بالعقبات الاقتصادية والغياب الكامل للخدمات العادية من كهرباء ومال، وارتفاع أسعار كل المستلزمات، لا تقتصر على التعليم الرسمي، بل تنسحب على القطاع الخاص، لا سيما المدارس الخاصة، التي أعلنت الإضراب التحذيري اليوم الأربعاء. وتصارع المدارس الخاصة منذ فترة للحفاظ على استمرار العام الدراسي، حتّى لو تطلب الأمر تخفيض عدد أيام التعليم أو تمديد عطل الأعياد أو إعطاء فرص مؤقتة لتخفيف الأعباء عن كاهل الأهالي والمعلمين.
وعلى الرغم من تفاوت ظروف هذه المدارس، تبرز محاولات العديد منها لتأمين مساعدات اجتماعية وزيادة بدلات النقل للمعلّمين قدر الإمكان، لكن هذه المحاولات تتعثّر في مدارس أخرى.

في ظل اعتصامات أساتذة التعليم الرسمي، دعت الأمانة العامة للمدارس الكاثوليكية في لبنان مدارسها التي تشكّل العدد الأكبر من المدارس الخاصة، إلى "إعطاء فرصة مدرسية تمتد من ليل 8 فبراير/ شباط المقبل حتى صباح 15 من الشهر ذاته لمحاولة تنفيس الاحتقان الحاصل في صفوف الهيئة التعليمية، وتخفيف الأعباء عن كاهل المؤسسات التربوية والمعلمين نتيجة الظروف المأساوية السائدة، وما يرافق ذلك من غلاء فاحش وارتفاع في سعر صفيحتي البنزين والمازوت.
وأكدت الأمانة العامة أهمية الحفاظ على استمرار العام الدراسي حتى لو اقتضى الأمر تخفيض عدد أيام التعليم الأسبوعية، أو تمديد عطل الأعياد ووصلها بفرصة نهاية الأسبوع بحسب ظروف كل مدرسة. كما اقترحت زيادة بدلات النقل للمعلمين بما يتناسب مع أماكن سكنهم، واتخاذ خطوات تحفيزية، وكذلك إلى ضرورة البدء بدراسات ميدانية من أجل إعداد موازنة مسبقة للعام الدراسي المقبل.

رؤية شاحبة للوضع التعلمي في لبنان إذا استمرّ التضخم والغلاء (أنور عمرو/ فرانس برس)
رؤية شاحبة للوضع التعليمي في لبنان إذا استمرّ التضخم والغلاء (أنور عمرو/ فرانس برس)

ويقول الأمين العام للمدارس الكاثوليكيّة الأب يوسف نصر لـ"العربي الجديد": "نحن أمام حقيقة مرّة وواقع أليم ومرير ضاغط يرتبط بالتخبط السياسي والأمني وارتفاع سعر صرف الدولار الذي تجاوز أخيراً 60 ألف ليرة لبنانية، وكذلك أسعار المحروقات. كل ذلك لم يعد مقبولاً، فكيف يستطيع الأستاذ الوصول إلى المدرسة، وكيف ستؤمّن المدارس الإنارة والتدفئة؟ نعيش تخبطاً وحالة من عدم استقرار والفلتان والضياع الشامل، ويلوّح الأساتذة القلقون على مصيرهم بتنفيذ إضرابات، فيما لم تعد إمكانات الأهالي تسمح بأي زيادة على الرسوم، بعدما بات نحو 82 في المائة من الشعب اللبناني تحت خط الفقر". 
وإذ يلفت إلى صرف مساعدات، يسأل نصر: "كيف سنكمل العام الدراسي مع تصاعد الأزمة بلا سقف وسط أفق مسدود. تعاني مؤسساتنا التربوية التي تشمل 320 مدرسة كاثوليكية و15 مدرسة تعمل ضمن نطاقها، ونحو 200 ألف طالب و15 ألف معلم ومعلمة و5000 موظف. حاولنا عبر هذه التوجيهات أن نسند الخابية ببحصة، لكن الرؤية شاحبة جداً في حال استمرّ التضخم والغلاء، ما يهدّد استمرارنا، لكننا نتمسك بمواصلة البحث عن حلول حتى الرمق الأخير، ونناشد ضمائر المسؤولين بالتدخل الفاعل للحدّ من التدهور وانهيار القطاعات، خصوصاً أنّ الجميع يعلم أن انهيار القطاع التربوي ينعكس على مستقبل البلد والأجيال".

زيادة بدل النقل للمعلّمين أمر ضروري (جوزف براك/ فرانس برس)
زيادة بدل النقل للمعلّمين أمر ضروري (جوزف براك/ فرانس برس)

بدوره، يقول مدير شؤون الرعاية في جمعية المبرات الخيرية، إبراهيم علاء الدين، لـ"العربي الجديد": "نحن بعيدون كلّ البُعد عن أجواء الإقفال، ونحرص على استقرار التعليم والاستمرار بالعام الدراسي، وعدم إضاعة حق التلامذة بالتعلّم خصوصاً أنّ عددهم يناهز 24 ألفاً يتوزعون على 19 مؤسّسة تعليمية بين مدرسة ومعهد مهني على مستوى كل لبنان، إضافة إلى 3 آلاف أستاذ وموظف إداري وعامل في مدارس المبرات".
يتابع: "نبحث في كل الضغوط المعيشيّة التي يعانيها الأساتذة والأهالي، وكيفيّة التخفيف من الأعباء من خلال تأمين بعض المساعدات الاجتماعية التي تستجيب لجزء من المتطلبات الحياتية للأساتذة والموظفين. ودفعنا هذا الشهر إلى جانب الرواتب بدلات تدفئة لكل أستاذ في مدارسنا تفاوتت قيمتها بحسب نطاق السكن وشدّة البرودة، كما نقدم مساعدات شهرية وزيادات في بدل النقل والسلف التحفيزية التي تتغير قيمتها وفق سعر صرف الدولار في السوق السوداء".
وتقول مديرة الشؤون التربوية في مدارس جمعية المقاصد الخيرية الإسلامية، غنى البدوي، في حديثها لـ"العربي الجديد": "نواصل محاولة دعم الأساتذة البالغ عددهم 600 بمزيد من الحوافز من خلال برنامج المساعدات الاجتماعية، ونعمل لتأمين التمويل اللازم للحفاظ على العام الدراسي في مدارسنا الـ13، وعلى مستقبل تلاميذنا البالغ عددهم 6 آلاف، لكنّنا لن نتّجه إلى الإقفال أو تعطيل العام الدراسي".

من جهته، يشير رئيس مؤسّسة العرفان التوحيديّة الشيخ نزيه رافع، في حديثه لـ"العربي الجديد"، إلى أنّ "المشكلة الكبرى تتمثل في ارتفاع كلفة النقل والتدفئة والمحروقات جرّاء تدهور قيمة الليرة اللبنانية، ويضاف إلى ذلك تكلفة المستلزمات الضرورية التي باتت بالعملة الصعبة. ونحن نحاول بقدر الإمكان دفع جزء من رواتب الهيئة التعليمية بالدولار، لكنّنا نعيش كلّ فترة بفترتها، ونتماشى مع المستجدات الطارئة".
وإذ يؤكد أنّ العام الدراسي لن يتوقف في مدارس العرفان التي تضم نحو 4500 تلميذ في كل المراحل التعليمية، يكشف أنّ "المؤسسة تتجه لعقد اجتماع طارئ لمدراء مدارسها الخمس لبحث الحلول التي يجب اتخاذها كي لا تتأثّر العملية التربوية والأساتذة والموظفون ولا حتى الأهالي، وكي لا يدفع الثمن أيّ طرف، خصوصاً طلابنا الذين هم بمثابة أبنائنا". 

المساهمون