يؤثّر انهيار القطاع الصحي في ليبيا على المرضى باختلاف حالاتهم، علماً أنّ كثراً منهم يجدون أنفسهم مهدّدين من أمثال المصابين بأمراض الكلى
يعاني مرضى الفشل الكلوي من أزمة القطاع الصحي المنهار على معظم الصعد، مع تهالك بنيته التحتية والنقص في الكوادر والمواد التشغيلية. وفي أحيان كثيرة، يرى المرضى أنفسهم أمام إعلانات متتالية ومفاجئة تفيدهم بها مراكز الغسل عن عجزها عن توفير مستلزمات متابعة حالاتهم المرضية. وفي يناير/ كانون الثاني الماضي، أعلن مركز طرابلس لخدمات الكلى عن قرب نفاد المخزون الاحتياطي للمواد التشغيلية الخاصة به، وتوجّه بإعلان على صفحته الرسمية إلى مرضاه بشأن تأخر إجراءات استيراد شحنة مشغلات غسل الكلى من قبل وزارة الصحة، مشيراً إلى أنّه يعمل بالمخزون الاحتياطي للمركز بالإضافة إلى بعض المشغلات من المدن المجاورة.
وبينما أكّد المركز أنّه سوف يعلن عن حلول بديلة في حال تأخّر وصول مشغلاته المستوردة، يقول عبد اللطيف البحري وهو مواطن من طرابلس يتردّد على المركز إنّ "الشحنة لم تصل حتى الآن، ونتيجة ذلك صرت أقصد مراكز غسل أخرى في تاجوراء الواقعة شرقي طرابلس". يضيف البحري لـ"العربي الجديد" أنّ "أزمتنا مع جهاز الإمداد الطبي المسؤول عن استيراد هذه المشغلات ليست جديدة، ففي مايو/ أيار من العام الماضي تأخّرت الشحنة ثلاثة أسابيع على الرغم من توفّر كلّ الإجراءات اللازمة بحسب ما أفادنا المركز".
في السياق نفسه، يقول الطبيب في قسم أمراض الكلى في مستشفى شارع الزاوية بالعاصمة طرابلس، مراد دخيل، لـ"العربي الجديد"، إنّ "مركز غسل الكلى في تاجوراء هو من أكبر المراكز في البلاد، بقوام عشرة أطباء إلى جانب ضعفَي هذا العدد من ممرضين ومشغلين في المركز.
وهو يستقبل يومياً ما يزيد عن ستين مريضاً". لكن دخيل يلفت إلى أنّ "مراكز الغسل والمرضى على حدّ سواء، يواجهون ضغطاً إضافياً بسبب تفشي فيروس كورونا الجديد في البلاد. فمريض الكلى يُعَدّ من بين الفئات الأكثر عرضة للوباء، بالتالي يتوجب تكثيف العمل من ضمن مراكز العزل للمصابين بكوفيد-19 من مرضى الفشل الكلوي". وحول الجهود المضاعفة المفترضة، يضيف دخيل أنّ "على الواحد منّا أن يمارس كذلك دور الطبيب المتخصص في الأمراض النفسية والعقلية الذي لا نجده في أقسام علاج أمراض الكلى، نظراً إلى دور العامل النفسي الكبير في دفع المريض نحو التعايش والتأقلم مع حالته الصحية".
من جهة أخرى، يخبر دخيل أنّه "في ديسمبر/ كانون الأول الماضي، تمّ تدريب عدد من المرضى المسجّلين لدى مركز طرابلس لخدمات الكلى على الغسيل البريتوني بأجهزة حديثة يمكن للمريض استخدامها في المنزل"، مشيراً إلى أنّ "دورة التدريب لاقت ترحيباً كبيراً من قبل المرضى وأسرهم، كونها تخفّف كثيراً من الأعباء". وبحسب دخيل فإنّ "نجاح هذا المشروع وتدريب المرضى على استخدام هذا الجهاز المنزلي، يتطلب اقتناعاً به من قبل الجهات الحكومية ودعماً له. فلا يتوقف الأمر على التدريب، بل توفير هذا الجهاز بكميات كافية لتخفيف الأعباء المالية على المريض الذي قد يضطر إلى شرائه من خارج المستشفيات وهو لا يحسن استخدامه". لكنّ دخيل يوضح أنّ هذه التقنية "لا تُعَدّ بديلاً عن غسل الكلى بالطرق التقليدية بالنسبة إلى مرضى كثيرين في أوضاع حرجة أو الذين لا عائل ولا مساعد لهم". وعن الجهود الحكومية لتلافي النقص الحاد الذي يعانيه مرضى الفشل الكلوي، يلفت دخيل إلى أنّه "قبل أشهر، افتُتح مركز جديد في بلدية حيّ الأندلس بطرابلس يضمّ 45 جهاز غسل، علماً أنّ التجهيزات حديثة والأسرّة مزوّدة بمنظومة تبادل صوتي بين المرضى والطبيب وثلاث منظومات للمياه النقية".
ولا تبدو تلك الجهود كافية لجميع المرضى، خصوصاً في المناطق البعيدة عن العاصمة. ومع إقفال المركز الطبي في بنغازي الجناح المخصّص لغسل الكلى وتحويله إلى مركز لعزل المصابين بفيروس كورونا، رأى كثيرون أنفسهم مجبرين على التوجه إلى مراكز أخرى. وفي هذا الإطار، تقول ريمة ناصر وهي أمّ لطفل من بنغازي مصاب بمرض كلوي، إنّها اضطرت إلى اللجوء إلى مراكز بعيدة لمتابعة وضع طفلها، "على الرغم ممّا تعانيه تلك المراكز من نقص في كوادرها". تضيف لـ"العربي الجديد": "حاولت البلدية فتح قسم في عيادة الماجوري في المدينة لكنّها غير قادرة على استقبال أكثر من ثلاثين مريضاً في اليوم فقط، وهو ما جعلني أستمرّ في التوجّه إلى مراكز بعيدة بسبب الازدحام في القسم الجديد".
ويتعاطف إبراهيم المغربي، وهو استشاري في أمراض الكلى في مستشفى الهواري في بنغازي، مع وضع ريمة ناصر وطفلها، ويقول لـ"العربي الجديد" إنّ "حالها كحال كلّ مرضى الكلى الذين لا يمكنهم انتظار التباطؤ الحكومي لمعالجة هذا القطاع المهم. لذا لا بدّ من اتخاذ إجراءات عاجلة مثل تسفير الحالات المزمنة إلى الخارج". ويشير المغربي إلى أنّ "دعم مبادرة الغسل البريتوني المنزلي ضروري، إذ هو من أهم طرق تخفيف الأعباء على مراكز الغسل".
وبحكم عمل المغربي في مراكز غسل عدّة في بنغازي وطرابلس، يوضح أنّ "مراكز الغسل التي يتخطى عددها في ليبيا ثلاثين مركزاً، يعاني بعضها نقصاً في أجهزة الغسل"، مشيراً إلى أنّ "عدداً منها يعمل بطاقات أكبر من المسموح به للأجهزة. فثمّة مراكز مع 20 جهازاً وتضطر إلى إجراء 130 جلسة يومياً، وهو عدد كبير بالنسبة إلى قدرة الأجهزة. كذلك فإنّ مراكز عدّة أقفلت أبوابها بسبب عدم توفر المياه النقية واعتمادها على آبار تسرّبت إليها ملوحة المياه الجوفية".
وتعليقاً على شكوى ريمة ناصر عدم توفر الأدوية الخاصة بمرض طفلها في المستشفيات العامة وغلاء أسعارها في الصيدليات الخاصة، يؤكد المغربي أنّ "أهم الأدوية غير متوفرة في المستشفيات العامة". لكنّه يقول: "لا يمكن إنكار الجهود الحكومية الأخيرة، لكنّها ما زالت ضعيفة لمواجهة العجز الذي تعانيه المراكز والأقسام الخاصة بمرضى الكلى، وقد لجأ عدد كبير من تلك المراكز إلى طلب مساعدات وتبرعات من محسنين". ويتابع المغربي أنّ "في سرت، يتردد أكثر من 100 مريض على مركز الغسل الوحيد في المدينة، ولولا التبرعات الخاصة التي مكّنت المركز من شراء كميات من الأدوية الأساسية، لكان أقفل أبوابه".
ويتحدّث المغربي عن "تحدّ جديد يواجه القطاع الحكومي، وهو لجوء الأطقم الطبية إلى المصحات والعيادات الخاصة بسبب ضعف الحافز المادي الذي تقدمه الجهات الحكومية للطبيب"، مشيراً إلى أنّ "مركز الهواري لغسل الكلى في بنغازي كان يضم 47 متخصصاً، وقد تراجع العدد ليصل إلى سبعة فقط حالياً. بالتالي، لا بدّ من أن تكون الحوافز المالية للطبيب من بين المعالجات الحكومية العامة للقطاع الصحي".